17/08/2021 - 21:39

«مدرسة الروابي للبنات»... تابو الكرز الأحمر

«مدرسة الروابي للبنات»... تابو الكرز الأحمر

من «مدرسة الروابي للبنات»

 

سؤال يجب ألّا يُسْأل

منذ البداية، فإنّ السؤال المباشر المتصدّر حاليًّا حلبات السجال على مواقع التواصل الاجتماعيّ، أيمثّل المسلسل الواقع أم لا؟ أعني «مدرسة الروابي للبنات»، الإصدار العربيّ الثاني لـ «نتفلكس»، من كتابة وإخراج تيما شوملي. هو سؤال ليس في مكانه، ويجب ألّا يُطْرَح أبدًا، فليس المطلوب من العمل الدراميّ، على الدوام، أن يمثّل الواقع أو ينقله، إنّه تمامًا كالرواية، عمل مستقلّ في حدّ ذاته، منغلق على نفسه، مصداقيّته تكمن داخله، في الحبكة وتفاعل الشخصيّات مع بعضها بعضًا ومع محيطها، وليس في حساب مدى مطابقته للواقع، ولا ننسى، في الأثناء، الفنتازيا والخيال العلميّ والرعب...

 الأداء كان قريبًا من الإسكتشات المتفرّقة؛ المزيد من مشاهد التنمّر الّتي تطلّ برأسها بين الحين والآخر، دون تصعيد لحدث واحد...

المسلسل تطرّق لمواضيع عدّة، وكلّها كانت مباشرة؛ التنمّر، والانتقام، والأبويّة، وسلطة الأخ الأكبر، والتحرّش، وجرائم الشرف، وحتّى الحبّ كان هناك. لقد رغبت تيما شوملي في قول كلّ شيء عن الإناث في مرحلة المراهقة، في عمل دراميّ واحد مصغّر؛ ستّ حلقات، وهذا، ممّا لا شكّ فيه، كان له تأثيره السلبيّ في النواحي الفنّيّة للعمل.  

النصيب الأكبر ذهب لصالح التنمّر والانتقام، وهذان موضوعان حسّاسان ومهمّان، لكنّ الأداء كان قريبًا من الإسكتشات المتفرّقة؛ المزيد من مشاهد التنمّر الّتي تطلّ برأسها بين الحين والآخر، دون تصعيد لحدث واحد؛ أي دون حبكة متطوّرة، أو أيّ أسباب دافعة.

المسلسل على النقيض من سلفه «جنّ»، أوّل مسلسلات «نتفلكس» الأردنيّة، خلا من المشاهد الساخنة أو الجريئة. نعم، ثمّة تنانير قصيرة، لكن أقصى ما جرى اختراقه من تابوهات الجسد، هو تهكّم شلّة المتنمّرات على حجم نهديّ مريم، ووصْفهما بأنّهما حبّتان من الكرز، رغم أنّها صورة فنّيّة جميلة؛ فكونديرا سمّاهما من قبل "حبّتان من البرقوق"، وربّما نزار قبّاني له وجهة نظر ثاقبة في هذا الإطار بأنّهما "كرتان من زغب الحرير"، لكن يبدو أنّ معايير جمال الجسد الأنثويّ السائدة اليوم قد تغيّرت.

كما حدث مع مسلسل «جنّ» من قبل، أجزم بأنّ نسبة كبيرة جدًّا لم يشاهدوا المسلسل بالكامل، واكتفوا بالمقاطع المنتقاة المتداولة، الّتي أخذت تنتشر مثل النار في الهشيم، والّتي، في رأيهم، تتجاوز الخطوط الحمر، حيث مشهد حبّتَي الكرز، ومشهد بعث ليان لصورتها المرفقة بطرف شيّال حمالة الصدر. في الواقع هذه مشاهد عاديّة جدًّا، وبالإمكان المرور عنها مرور الكرام، فمَنْ يملك حسابًا على «نتفلكس»، يعلم أنّ «مدرسة الروابي للبنات»، بعلامة 16+، الّتي وُضِعَت فقط لأجل مشهد الضرب، هو من أكثر الأعمال محافظة على «نتفلكس»، لكنّه، بطبيعة الحال، جديد كلّيًّا على الدراما الأردنيّة.

 

ترهّلات وإقحامات

على الصعيد الفنّيّ، لم يكن مستغربًا مدى الإبداع في جوانب عديدة من العمل، فهو في النهاية، مسلسل أصليّ من مسلسلات «نتفلكس»، وثمّة، كما يبدو، جهود هائلة، من حيث إدارة التصوير والصوت، والمونتاج، وحتّى التمثيل لدى كثير من الشخصيّات، لكن على صعيد النصّ والحبكة، وكما يظهر في كثير من أعمال «نتفلكس»، رصدت شخصيًّا، العديد من الترهّلات والإقحامات غير المبرّرة، وقد يشفع هنا، كون العمل هو الأوّل من نوعه للمخرجة تيما شوملي.

 

 

ربّما نلقي الضوء على بعضها:

* على ما يبدو أنّ الكاتبة والمخرجة شوملي، قد كتبت جزءًا من السيناريو في وقت قديم، أو تحت تأثير تجاربها إبّان المراهقة، فظهر ذلك في بعض المشاهد والإفّيهات البائدة، فعلى سبيل المثال، الغناء الكوراليّ "يا شوفير دوس دوس الله يبعثلك عروس"، من أغاني رحلات الجيل القديم، ولا سيّما في المدارس الحكوميّة، وليس لبنات «الروابي» المغرمات بالموسيقى الأجنبيّة والبديلة. أيضًا فكرة هروب ليان من المدرسة، وتبديل ثيابها في أحد الحمّامات، لمقابلة حبيبها في مقهًى شعبيّ، مع العلم أنّه من عائلة أرستقراطيّة ثريّة، وهي كذلك. هذه التصرّفات كانت رائجة في ما مضى، إبّان الانغلاق والتزمّت، أمّا الآن فأعتقد لا.

* أثناء هروب ليان، كانت المعلّمة المسؤولة تجلس لصق الباب، لكنّها في مشهد الهروب راحت تنظر إلى الأمام، وتطلب من الطالبات الهدوء، رغم أنّ ليان وصديقتيها افتعلن شجارًا في الخلف، وذلك لتبرير هذا الهروب دون كشفه. ثمّ إنّ هروب ليان خلسة من الباص عندما يقف لتحميل زميلة للطالبات، وعودتها إليه، دون أدنى انتباه من السائق أو المعلّمة، حلّ فنّيّ غير موفّق.

* ألم يكن بالإمكان التواعد مع الصديق خارج أوقات المدرسة؟ هل تعدم فتاة من عائلة أرستقراطيّة في العاصمة الأردنيّة، عمّان، الوسيلةَ للخروج من البيت بعد المدرسة، أو التذرّع بالالتقاء بصديقتها ساعة أو ساعتين من الوقت؟ لكن من الواضح أنّ فكرة الهروب من المدرسة، وتبديل الملابس في الحمّامات العامّة، ملتصقة في رأس الكاتبة والمخرجة شوملي، ولم ترغب في الاستغناء عنها.

* لم يكن في العمل أيّ مبرّر لتنمّر ليان وصديقاتها على عاملة النظافة في المدرسة، سميّة؛ إذ لم نفهم لماذا يعاملنها بهذه القسوة والاحتقار، مع أنّها مسكينة، لا دخل لها بأيّ شيء، لكن يتّضح أنّ هذا التنمّر جرى إقحامه، لتبرير مساعدة سميّة لمريم في ما بعد، عندما وضعت رسائل الواتساب الصوتيّة الخاصّة بليان ورانيا، والمتضمّنة تهجّمهنّ على بعض المعلّمات، على المايكروفون العامّ.

* لا ندري تحديدًا مَنْ بعث رسالة إلى مريم لكي تذهب إلى الباص القديم، كما لو أنّ الأمر في سياق حلّ الألغاز، ثمّ إنّ ضربها هناك من قِبَل ليان وشلّتها، وسقوط رأسها على حجر، ونزيفها وفقدانها الوعي، وإدخالها المشفى، كلّ هذا ولا يجري التعامل مع الحادثة من قِبَل الجهات الأمنيّة. ثمّ إنّ والدة مريم أخذت الأمر على نحوٍ غريب؛ إذ لم تصدّق ابنتها، ولم تطلب فتح تحقيق في الحادثة، أو متابعة الكاميرات، ولم يقم الأب الّذي ظهر محبًّا ومتفهّمًا في مشاهد سابقة ولاحقة، بأيّ شيء حيال الأمر. اكتفى بحضن الأمّ، وانتهى كلّ شيء. غريب وغير مقنع فنّيًّا.

* من المجهول أيضًا، كيف كان الوصول إلى واتساب ليان وصديقتيها في حادثة بثّ التسجيلات بعد جرس الإنذار، ثمّ إنّ المديرة فاتن، استخدمت مكبّر الصوت اليدويّ للطلب من الطالبات الدخول إلى الصفوف بعد خروجهنّ إلى الساحة، ولم تستخدم المايكروفون الرئيسيّ المستخدم روتينيًّا، ولا مبرّر لهذا إلّا لإعطاء فرصة لسميّة، عاملة النظافة المتعاونة مع مريم، لبثّ مقاطع الواتساب الصوتيّة عبر المايكروفون الرئيسيّ تلك اللحظة. ثمّ إنّ الحادثة مرّت مرور الكرام، إذ لم يجرِ التحقيق فيها أيضًا، أو متابعة الكاميرات لمعرفة الفاعل.

ألم يكن بالإمكان التواعد مع الصديق خارج أوقات المدرسة؟ هل تعدم فتاة من عائلة أرستقراطيّة في العاصمة الأردنيّة، عمّان، الوسيلةَ للخروج من البيت بعد المدرسة...

 

* لم تتطرّق والدة مريم لأيّ شيء، أو تحاول تقديم الحلول في سياق ميول ابنتها الجنسيّة، طالما أنّها مقتنعة بحديث الطالبات حول تحرّشها بليان، كلّ ما هنالك أنّ مريم ذهبت للمعالجة النفسيّة لمعالجة القلق والاكتئاب والتوتّر، وهذه المعالجة، رغم شرح مريم الأسباب لها، لم تحاول التحدّث مع الأمّ حول التنمّر على ابنتها، أو تقدّم أيّ حلّ آخر سوى علبة الدواء، ثمّ نجد أنّ مريم تعود بشكل طبيعيّ إلى المدرسة، رغم إقرار الطالبات تحرّشها بليان أمام الأهالي.

* وفي سياق ولع المخرجة بتبديل الثياب داخل الحمّام، نجد أنّها أسهبت في هذا الإطار؛ إذ كان على الطالبات أن يدخلن الحمّامات بشكل جماعيّ ليستبدلن ثيابهنّ بثياب أحضرنها من المنزل، ومن ثَمّ وضع الماكياج جماعيًّا، وإيجاد مبرّر لتلطيخ بنطال دينا من الخلف باللون الأحمر؛ لجعلها أضحوكة أمام البنات. كان بالإمكان ارتداء هذه الثياب من البيت مباشرة، وقدوم الطالبات بها، كما يحدث ببساطة في كلّ يوم مفتوح؛ إذ يُتَجاوَز عن عدم ارتداء الزيّ المدرسيّ، وتأتي البنات متأنّقات من بيوتهنّ، وفي هذا إقحام.

الشابّ الّذي حضر إلى اليوم المفتوح مع أحمد (حبيب رانيا) يقرّر فجأة، وبلا مقدّمات، أنّه يرغب في المغادرة فور أن تعرّف على رقيّة، ولا ندري لماذا. هذه اللقطة أُقْحِمَت بهذا الشكل، لأجل أن تبقى رقيّة وحيدة، وبالتالي تنفّذ مريم وصديقتاها خطّتهنّ.

* فجأة، تتشجّع رقيّة، وتبعث للشابّ الّذي لا تعرف إن كان حقيقة أو وهمًا، صورة من دون غطاء رأس، ثمّ تحدث الكارثة، لكن هل صورة في فيسبوك على هذا النحو، كفيلة بإحداث كلّ هذه الجلبة، وترك رقيّة للمدرسة في منتصف الفصل، وكفيلة بغضب جامح يصبّ من الأمّ على ابنتها، واتّهامها بأنّها تسبّبت لهم بفضيحة مدوّية، وأنّها أصبحت مصدرًا لقطع نصيب شقيقاتها من الزواج؟ ففي هذه الحالة، يجري التوضيح بأنّ الموبايل قد «تهكّر»، وكان الدخول إلى الصور الخاصّة، كما يحدث دائمًا في كثير من الحالات، وتنتهي القصّة!

* ملاحظة أخيرة، لم تكن ليان وشلّتها وحدهنّ مَنْ يتنمّر على مريم، إنّما المدرسة بالكامل، وظهر ذلك في موقف تهريب محتويات دفتر مذكّراتها ونعتها بالمجنونة. غريب أيضًا.

 

مجهوليّة الهويّة

الإنتاج السينمائيّ والدراميّ، وتحديدًا المدعوم بشكل مباشر أو غير مباشر من هيئات رسميّة ووطنيّة، ما هو إلّا مرآة وعدسة مكبّرة للثقافة المحلّيّة، وتتجلّى في البُعد المادّيّ والمعنويّ. في المرّة الفائتة، قرأت تقييمات المشاهدين من مختلف دول العالم حول مسلسل «جنّ»؛ إذ أكّد الكثير منهم، وللأسف، أنّهم شاهدوا نسخة ممسوخة ومكرورة عن مسلسلات غربيّة، تقليدًا للمدارس الثانويّة الأميركيّة والأوروبّيّة، ولم يشاهدوا حالة أردنيّة، أو عربيّة أو شرق أوسطيّة خاصّة، باستثناء الإطارات البصريّة الجميلة لمدينة البتراء ووادي رم، وهذا الأمر، يتكرّر الآن، على نحوٍ أقلّ إثارةً للأسف؛ فكثيرًا من الآراء على منصّات التقييم ذاتها، تكرّر الملاحظات ذاتها، لكن بنسبة أقلّ.

عمل تلفزيونيّ جيّد، بكادر مبدع أردنيّ بالكامل، قدّم فرصًا لا بأس بها لكلّ العاملين فيه، من مصوّرين وفنّيّي صوت ومخرجين ومنتجين ومحرّرين وغيرهم، وكشف عن جيل جديد موهوب من الممثّلين...

ثمّ ما الّذي يضيفه لنا إنتاج أعمال شبه مقلّدة، وعرضها من خلال منصّة عالميّة تبثّ بأكثر من 30 لغة إلى ما يقارب الـ 200 دولة حول العالم. أعتقد أنّ ما يهمّنا في الواقع، استغلال وجود فرصة لعرض الأعمال على منصّة مثل «نتفلكس»، وتحميلها بإبداعات أصيلة، مبتكرة، توصل ثقافتنا، المادّيّة والمعنويّة، إلى العالم، وأن تكون هذه الأعمال بوّابة لعبور الآخر لنا وعبورنا له بالتبادل.

من الواضح أنّ الطاقم، وإن كان قد استخدم موسيقى عربيّة بديلة وجميلة بالفعل، لم يرغب، ولا في أيّ حيثيّة من الحيثيّات، في إصباغ هويّة أردنيّة واضحة على العمل، ربّما خوفًا من ردّة الفعل، كما حدث من قبل؛ ففي هذه الحالة، «مدرسة الروابي للبنات»، أنت تشاهد عملًا مجهول الهويّة على نحو واضح، ولولا أنّ اللغة الأصليّة هي العربيّة، لربّما استشكل الأمر على المشاهدين من الدول والثقافات الأخرى في معرفة البلد الّذي ينتمي إليه العمل. إن كان المثقّف المحلّيّ يخشى أو يخجل من شيء ما، حيال نقل ثقافته إلى العالم، فمَنْ سيتكفّل بنقلها إذن؟

بالتأكيد لا يغيب عن الذهن، أنّ الأعمال الدراميّة، تشكّل الآن محورًا مهمًّا من محاور الجذب السياحيّ، وفرض الوجود والهيمنة الفكريّة، لكن في المقابل، يجب ألّا نثقل كواهل هؤلاء المثقّفين والفنّانين بالأحمال، إن كانت الدولة لا ترعى الإنتاج الدراميّ والعاملين فيه، ولا تحترم الإبداع أو توفّر له سبل التطوير والتصدير، فليس من حقّ أيّ أحد أن يعتب أو يسخط عليهم إذا ما قدّموا أعمالًا خاصّة، إنّهم في النهاية يبحثون عن مصدر عيش، وحياة جيّدة جدًّا في كنف استمرارهم بما يبدعون ويحبّون.

«مدرسة الروابي للبنات»، سينماتوغرافيا مبدعة، مسارات موسيقيّة رائعة، عمل تلفزيونيّ جيّد، بكادر مبدع أردنيّ بالكامل، قدّم فرصًا لا بأس بها لكلّ العاملين فيه، من مصوّرين وفنّيّي صوت ومخرجين ومنتجين ومحرّرين وغيرهم، وكشف عن جيل جديد موهوب من الممثّلين، قادر على العطاء الأمثل، إذا ما توفّرت له النصوص الجيّدة، والأسباب المادّيّة، وممّا لا شكّ فيه، أنّ هذا العمل، ما هو إلّا نواة وفاتحة لأعمال دراميّة؛ تلفزيونيّة وسينمائيّة أردنيّة عظيمة في المستقبل.

التقييم: 7/10.

 

 


عثمان مشاورة

 

 

قاصّ وروائيّ وفنّان تشكيليّ أردنيّ، صدر له روايتان، "شارع اللغات السعيد" (2011)، و"مقهى البازلّاء" (2017)، ومجموعتان قصصيّتان، "رجل الثلج" (2012)، و"آدم وحواء على نحوٍ ما" (2019). كتب وأخرج مجموعة من الأفلام القصيرة. حصل على عدّة جوائز أردنيّة وعربيّة.


 

التعليقات