04/09/2017 - 17:25

"المشاعر المظلمة" مقابل السعي وراء "السعادة الكاذبة"

هل قال لك أحدهم يوماً: "ابتسم!" أو "افرح!" بينما كنت تتعثر في يوم سيء؟ إنها نصيحة بائسة في الحقيقة، وذلك بحسب دراسة جديدة تشير إلى أن الاعتياد على تقبُّل المشاعر السلبية بدلاً من نقدها أو قمعها يعدُّ شيئاً مفيداً جداً

توضيحية (pixabay)

 

(ترجمة: عرب 48)

هل قال لك أحدهم يوماً: "ابتسم!" أو "افرح!" بينما كنت تتعثر في يوم سيء؟ إنها نصيحة بائسة في الحقيقة، وذلك بحسب دراسة جديدة تشير إلى أن الاعتياد على تقبُّل المشاعر السلبية بدلاً من نقدها أو قمعها يعدُّ شيئاً مفيداً جداً لصحتك النفسية على المدى الطويل.

تحلل هذه الدراسة العلاقة بين تقبل المشاعر السلبية والصحة النفسية ضمن 1300 من البالغين، حيث تم تمويل هذه الدراسة من قِبَل المعهد الوطني للشيخوخة ونُشِرَت في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي.

وأخبرت الباحثة كاتبة هذه الدراسة إيريس موس، الأستاذة المساعدة في علم النفس من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، صحيفة بيركلي نيوز: "لقد وجدنا أن الأشخاص المعتادين على تقبُّل مشاعرهم السلبية يواجهون مشاعر سلبية أقل، وهو ما يعزز من صحتهم النفسية".

وقد تبين أن مشاعر الخيبة والحزن والاستياء تُحدث ضرراً أكبر عند الأشخاص الذين يتجنبونها، أو ينتقدون أنفسهم عند المرور بمثل هذه المشاعر.

ومن جهته، قال المسؤول عن الدراسة، الأستاذ المساعد في علم النفس من جامعة "تورنتو"، إنه "اتضح وجود أهمية كبيرة في طريقة تعاملنا مع مشاعرنا السلبية وأثرها على صحتنا النفسية الكاملة".

وأضاف: "إن الأشخاص الذين يتقبلون هذه المشاعر من دون الحكم عليها أو محاولة تغييرها يكونون قادرين على التأقلم مع التوتر بشكل أفضل".

وأجرى الباحثون ثلاثة دراسات، أخذت جميعها بالحسبان عوامل العمر والجنس والوضع الاقتصادي الاجتماعية بالإضافة لمتغيرات ديمغرافية أخرى.

قامت الدراسة الأولى بتوزيع استبيانات على 1000 مشارك حول مدى قدرتهم على تقبل عبارات مثل "أقول لنفسي أنه لا يجب أن أشعر بالطريقة التي أشعر بها". وقد تبين أن المشاركين الذين كانوا يقسون على أنفسهم، أي الذين قالوا أنهم يستائون عند مواجهة المشاعر السيئة، يمتلكون مستويات منخفضة من الصحة النفسية.

وفي الدراسة الثانية، استُضيفَ 150 مشارك إلى المختبر ليتم عمل مقابلات عمل وهمية أمام مجموعة من المحكِّمين وتحت تصوير الكاميرا، ولم يحصلوا إلا على بضع دقائق للتحضير لها. وبعد المقابلة، طُلِبَ من المشاركين أن يقيِّموا مشاعرهم. وأظهرت النتائج مرةً أخرى أن الأشخاص الذين يميلون لتجنب المشاعر السلبية يمتلكون مستويات أعلى من مشاعر التوتر.

وفي النهاية، طلب الباحثون من أكثر من 200 شخص أن يكتبوا عن أكثر تجاربهم المؤلمة لمدة أسبوعين. وبعد ستة أشهر، تبين أن أولئك الذين استاؤا من مشاعرهم السيئة يمتلكون مزاجاً متوتراً أكثر من أولئك الذين يتقبلون مشاعرهم المظلمة.

لنتعلم أكثر عن كيفية التعامل مع المشاعر السلبية، سألت مسؤول الدراسة، بريت فورد، عن عادة التقبل ودور المجتمع في السعادة.

هل هناك دراسة تشير إلى وجود علاقة بين عادة التقبل والطبع الشخصي للإنسان، أم أنه أمر يتم تعلمه في الغالب عن طريق الأسرة والثقافة؟

إنه سؤال مهم، وهو سؤال لم نمتلك فهماً ميدانياً له بعد، فنحن نحتاج لإنجاز المزيد من البحث لمعرفة طبيعة الأشخاص الذين ينزعون للتقبل العاطفي في حياتهم اليومية.

ولكننا نمتلك معرفة بسيطة بهؤلاء الناس، ويمكن تحديد مسارين أساسيين بخصوص ذلك، الأول هو أن تعليم التقبل العاطفي يعد عنصراً في العديد من العلاجات النفسية الفعَّالة (مثل التركيز على الوعي الذي يقوم على العلاج الإدراكي، والعلاج بالتقبل والالتزام، والعلاج السلوكي الجدلي). والثاني هو أنه تبين في أبحاثنا وجود ارتباط بين التقبل العاطفي والعمر: ففي عينة لأشخاص للأعمار بي 21-73 سنة، تبين أن العمر يعزز من عادة التقبل. ونظراً لعدم كونها دراسة مطوَّلة تقوم على تتبع الناس مع تقدمهم بالعمر، فإننا لا نستطيع التأكد مما إذا كان الأفراد يكتسبون المزيد من التقبل مع تقدمهم في العمر، ولكن هناك العديد من الأسباب المشروطة لكي نتوقع ازدياد عادة التقبل مع تقدم العمر (على سبيل المثال، فالتقدم في العمر يزيد من حكمة الإنسان، كما يرتبط التقدم بالعمر بازدياد الضغوطات المفروضة وهو ما يعزز من إمكانية التقبل، إلخ).

كيف يمكن أن يتعلم الناس عادة التقبل؟

يمكن أن نصف التقبل كالتالي:

عندما تمر بأوقات عصيبة وتشعر بالغضب والقلق والحزن وغير ذلك، حاول أن تترك مشاعرك كما هي بكل بساطة، من دون أن تحاول التحكُّم بها أو تغييرها. أطلق العنان لمشاعرك. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تقول لنفسك أنه لا يوجد طريقة صحيحة أو خاطئة للاستجابة، أو أن هذه المشاعر هي استجابة طبيعية لما حصل، أو أن مشاعرك هي أشبه بالغيمة العابرة التي لا تحتاج للتحكم بها.

تذكرت هذا المشهد من مسلسل "Curb Your Enthusiasm". هل تعتقد أن هذا البحث يمكن أن يفيدنا حول الكيفية التي ينبغي أن نتفاعل بها مع الناس الذين يواجهون مشاعر سيئة؟ هل يتوجب علينا أن لا نقول "ابتسم!" أو نردد كلمات مثل "افرح!"؟

سؤال مهم آخر، وهو سؤال يستحق (ولكنه لم يحصل عليها بعد) المزيد من الدراسات الميدانية أيضاً! بشكل عام، تعد الأبحاث التي تتناول كيفية التعامل وضبط مشاعر الآخرين قليلةً نسبياً. لقد درس الباحثون التنمويون ذلك خلال فترة من الزمن بحكم اهتمامهم بدور الأسرة بضبط مشاعر أطفالهم، ولكن يبدو أن حقول علم النفس الأخرى قد بدأت الآن في السير نحو ذلك.

ما زال هناك الكثير لنتعلمه حول أكثر الاستراتيجيات فائدة لاستخدامها مع الآخرين. هناك سبب جيد لنتوقع وجود فائدة للتقبل العاطفي عندما نوظفها عندما يكون شخص ما في حالة نفسية سيئة، وذلك بالمقارنة مع الاستراتيجيات التي تصر على الفرد بأن "يشعر بشكل أفضل". عندما يرتاح الناس للمشاعر غير السارة، فسيكون من الخطأ أن يأتي شخص ما (حتى أقرب الأصدقاء) ليحاول أن يدفعهم "للفرح"، أو "النظر إلى الجانب المشرق من المشهد"، وغير ذلك. تذكرتُ دراسةُ مهمة أجراها دنيس ماريغولد وزملاءه، حيث كان الأفراد ذوي التقدير المنخفض لأنفسهم (أي الذين يرتاحون للمشاعر السلبية بالمقارنة مع نظراءهم من ذوي التقدير المرتفع لأنفسهم) لا يريدون أن يساعدهم أصدقاءهم كي "ينظروا إلى الجانب المشرق من المشهد".

يبدو أن الغرب مهووس بعض الشيء بفكرة السعادة، وأن هذا التأكيد قد يؤدي إلى وصم المشاعر السلبية، هل تعتقد أن هذا يعد تجاوزاً أو تبسيطاً مخلاً؟

لا هذا ليس تجاوزاً، فنحن نعتقد بوجود علاقة بين الأمرين. فالأمر المعاكس لتقبل مشاعر شخص ما هو الحكم على مشاعره. وبينما توجد الكثير من العوامل التي تساهم في الحكم على مشاعر أحدهم، فإننا نعتقد بأن الإصرار على تقييم أو التأكيد على ضرورة شعور الفرد بالسعادة يمكن أن يكون عاملاً كبيراً في نقصان السعادة لديه (بما في ذلك المشاعر السيئة).

عندما ترى الناس في الشارع وهم يطلبون منك أن تبتسم وترى الأصدقاء وهم يصرون عليك بأن "تفرح"، فسيكون منطقي أن ندرك لم تُعدُّ ثقافتنا الغربية ثقافةً تميل لتقدير السعادة والحط من قيمة المشاعر السلبية.

التعليقات