18/08/2018 - 20:51

لماذا يعمل فيسبوك على تطهير منصات إعلامية؟

قبل نحو أسبوعين، حاصرت عدّة شركات تكنولوجية، منها "فيسبوك"، الصحافي اليميني المتطرف أليكس جونز، الذي بنى شهرته على الترويج لنظرية المؤامرة وإلقائه الإذاعي المتّسم بفقدان الأعصاب والصراخ؛ إذ شطبت شركات التواصل الاجتماعي حساباته الشخصية وصفحته "إينفوورز".

لماذا يعمل فيسبوك على تطهير منصات إعلامية؟

فيسبوك (أ ب)

قبل نحو أسبوعين، حاصرت عدّة شركات تكنولوجية، منها "فيسبوك"، الصحافي اليميني المتطرف أليكس جونز، الذي بنى شهرته على الترويج لنظرية المؤامرة وإلقائه الإذاعي المتّسم بفقدان الأعصاب والصراخ؛ إذ شطبت شركات التواصل الاجتماعي حساباته الشخصية وصفحته "إينفوورز"، بالإضافة إلى حذفها معظم مقاطع الفيديو الخاصة به. ومنذ ذلك الحين، يقوم مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي الليبراليّون، بمناشدة "تويتر" كي لا يفعل الأمر ذاته.

وكان فيسبوك قد أغلق، في 15 آب/ أغسطس، صفحة TeleSUR English وهي النسخة الإنجليزية من القناة التلفزيونية الفنزويلية الممولة من خمس حكومات أميركية لاتينية، للمرة الثانية في العام الحالي، دون أن تقدم أسباب ذلك. وعندما قام مدير الموقع اليساري Revolution News، بجدولة نشر المقال الذي أدانت القناة فيه حذفها، على صفحته الخاصة، تلقى رسالة من فيسبوك، خلال ثوانٍ معدودة، طالبته بتأمين حسابه الشخصي وتأكيد مكان تواجده. (أُعيدت صفحة TeleSUR English لاحقا).

إن حالتي جونز والقناة الفنزويلية غير متماثلتين. فقد أعلنت فيسبوك، مثلها مثل شركات تكنولوجية أخرى (يوتيوب وآبل وسبوتيفاي)، عن حذفها المحتوى الخاص بجونز عن منصتها لأنه ينتهك سياسات الموقع، التي تتعارض مع "خطاب الكراهية"، لكن الشركة لم تُقدم تفسيرات واضحة حول أسباب منعها لـTeleSUR English، حتى مع حذفها للمرة الثانية خلال عام واحد. مع ذلك، فإن الأمر المقلق في الحالتين هو تحول الشركات التكنولوجية الثرية العملاقة إلى وسطاء في قبول المحتوى.

تأتي حالتا الحذف في وقت يرتفع فيه سقف الجدل والخلاف على عدّة إجراءات مماثلة تتعلق برقابة شركات التكنولوجيا على المحتوى، فقد منعت فيسبوك الأسبوع الماضي، نشر مواد صحافية خاصة بموقع Venezuelanalysis.com بشكل مؤقت، وتُعرف هذه الصحيفة الإلكترونية بانتقادها الدائم للسياسات الغربية وتغطيتها لما يحصل في فنزويلا. وقالت صحيفة "بوليتيكو"الأميركية، منذ أسبوعين، إن فيسبوك أغلق عشرات الصفحات والمواقع والحسابات الشخصية التي اعتبرتها "زائفة" شملت المنشورات التي استخدمت وسمًا (هاشتاغ) لحملة مناهضة لقضية ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة، وصفحة نادت بمظاهرة مُضادة لمسيرة خطط لها اليمين المتطرف طالبت بتوحيد اليمين السياسي الأميركي في واشنطن، لكنها فشلت.

وبرّر فيسبوك حملته الأخيرة بالقول إن "بعض النشاطات (على منصتها) تتسق" مع ما فعله متصيّدون (قراصنة) إلكترونيون روس في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016. إلّا أن القائمين على الصفحة التي حشدت لمظاهرة مضادة لليمين المتطرف في واشنطن، كانوا ناشطين أميركيين حقيقيين تفاجأوا بحذف صفحتهم من قبل إدارة فيسبوك.

ويُرجح أن نشاط فيسبوك مؤخرًا، نتج عن "تورط" الشركة بالتعاون مع "مختبر أبحاث القانون الرقمي" في سعيها لاقتلاع نشاط القراصنة الإلكترونيين، وهو أحد مشاريع "المجلس الأطلسي" وهي مؤسسة بحثية يمولها حلف "الناتو" وشركات تصنيع الأسلحة ودول خليجية ومجموعة من الحكومات والمؤسسات الربحية، إلا أن هذا ما يزال غير واضح تماما رغم احتماليته العالية.

مع ذلك، يبقى الأمر المؤكد، أن ارتفاع رقابة فيسبوك هي نتاج الضغط العام والحكومي المتواصل على المنصات الإلكترونية منذ عام 2016 بهدف "تطهير" المحتوى غير المرغوب به.

استهداف اليسار

استُهدفت وسائل الإعلام اليسارية من عمالقة التكنولوجيا قبل سلسلة الأحداث الأخيرة، فقد بدّلت جوجل آلية عمل خوارزميتها استجابة للضغوطات التي طالبت محرك البحث الأكبر في العالم، بتصفية "خطر" ما يوصف بالأخبار الكاذبة.

وأدّى هذا التعديل إلى هبوط حاد بأعداد الزيارات لهذه المواقع. واتخذت فيسبوك قرارًا يتّسق مع دوافع جوجل، أي الخضوع للضغوطات المعلقة بـ"الأخبار الكاذبة"، فقد عدّلت منصتها "آخر الأخبار" بحيث أصبحت معادلتها الحسابية تعمل بطريقة "تُفضل" المنشورات والصور التي يشاركها أصدقاء المستخدم أو عائلته، وبالتالي تقليل أولوية المنشورات الصحافية والمقالات والعلامات التجارية الواضحة. الأمر الذي تسبب بأضرار إضافية للمنصات الإعلامية المختلفة، بل وكانت نتائجه عكسية، فقد ضخّم ذلك عدد "الأخبار الكاذبة" فيما ضُربت منافذ إعلامية مستقلة في البلدان التي تم اختبار التقنية المُعدلة فيها أولًا.

وفي سياق متصل، أقرت ألمانيا، مؤخرًا، قانونا يُجبر شركات التكنولوجيا على إزالة المنشورات "غير المرغوب بها"، الأمر الذي سرعان ما أدّى إلى إيقاف مجلة ساخرة، ولسخرية القدر تسبب أيضًا بحذف تغريدة كتبها مؤلف مشروع القانون على صفحته في "تويتر".

للوهلة الأولى، يبدو تطهير منصّة فيسبوك من جونز مطمئنا، خصوصا أن الأساس المنطقي لذلك هو "خطاب الكراهية"، إلا أن حقيقة الأمر كما قال بعض المختصين لصحيفة "ذي غارديان" البريطانية، لا تنبع من دواعي أخلاقية تتعلق بـ"حرية التعبير"، إنما "محاولة لتنظيف المياه التي عّكرها الموقع بالتضليل والكراهية".

وتكمن المشكلة الأساسية في مرونة مفهوم "خطاب الكراهية" الفضفاض، فمثلا، تلاحق حكومات كثيرة منتقدي السياسات الإسرائيلية والحرب وناشطي اليسار العالمي الذين تصفهم بعض السلطات بـ"المروجين لخطاب الكراهية"، وقد أغلقت السلطات الألمانية مثلًا، موقعا إخباريا مضادا للرأسمالية العام الماضي، بحجّة "خطابه اليساري الكاره والمتطرف"، كما تحججت بأساسات "قانونية" مماثلة لملاحقة منتقدي الشرطة.

تلفت المعلومات الواردة أعلاه أنظارنا إلى موضوعين أساسيين؛ الأول، يتوجب على اليساريين الليبراليين معارضة منح هذه المنصات تفويضا لتتصرف كوسطاء في عرض المحتوى، بداية لأن معادلاتها الحسابية التي تعمل على حذف المحتوى "غير المرغوب" تحتوي على أخطاء عميقة بنيوية، غير أن الثقة بمجموعة من موظفي الشركات المجهولين في تحديد ماهية وشرعية المواد الإخبارية التي نتلقاها، سوف تتسبب بنتائج كارثية على اليسار. وقد تتعرض أقوى وسائل الإعلام اليسارية بما في ذلك هذه الصحيفة (جيكوبين)، للحذف والإخراج عن القانون بزعم اتهامات كـ"المؤامرة" أو "اللاسامية" أو "التعاون" مع روسيا وغيرها.

أما الموضوع الثاني، فهناك حاجة للضغط على الحكومات من أجل اتخاذ إجراءات "شرسة" ضد احتكار شركات مثل جوجل وفيسبوك حيث أنهما تستحوذان على حصة 84% من أموال الإعلان الرقمي، بالإضافة إلى التعاظم اليومي لتبنيها نمط حارس البوابة لغالبية المحتوى الذي نستهلكه عبر شبكة الإنترنت.

لا تخص هذه المشكلة اليسار فحسب، بل أيضًا الإعلام الحر بشكل عام، خصوصا مع الفرض الذي تمارسه فيسبوك على المنصات الإعلامية المختلفة من أجل "الانصياع" لقوانينها أو الطرد والحذف. إن أي كيان لديه هذه القوة المهولة هو كيان خطير.

سواء كان ذلك من خلال استخدام إجراءات مكافحة للاحتكار أو عن طريق معاملتها كمرافق عامة، أو المطالبة بتحويلها إلى ملكيات تعاونية، فنحن بحاجة إلى تقليص قوة عمالقة التكنولوجيا قبل أن تُصبح دولًا أورويلية في حد ذاتها.

التعليقات