13/10/2018 - 17:00

"طال عمره": محاولة فاشلة لزج مشاريع وهمية في المجتمع المصري

ويبدو أن عودة المصريين عشاق لعبة الكرة القدم، إلى تشجيع فرقهم في الملاعب، أصبحت أكثر بعدا من ذي قبل، فلطالما بقي للمشجعين صوت، ستبقى الملاعب صامتة.

مشجعو فريق الأهلي (أرشيفية - أ ف ب)

في ما يلي ترجمةٌ بِتصرُّف، خاصة بـ"عرب 48":


بيّن المستثمر السعودي، مالك فريق كرة القدم المصري "بيراميدز"، تركي آل الشيخ، بإعلانه إيقاف دعمه المالي للفريق، أن خروجه لعالم كرة القدم المصرية، كان سريع تماما كدخوله منها. 

ولكن في دولة حيث تُمثل لعبة كرة القدم، في أحيان كثيرة، منفذًا للمعارضة السياسية، يجب التمعن بانسحاب آل الشيخ المُحرج، من أجل فهم طبيعة العلاقة الوثيقة التي تربط مصر بالسعودية، فقد أثار حضور آل الشيخ، الذي يشغل منصب رئيس الهيئة العامة للرياضة في السعودية، في كرة القدم المصرية، جدلا كبيرا، منذ بداية تدخله فيها في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عندما عُين رئيسا فخريا لنادي "الأهلي"، الأكثر شعبية في مصر والأكثر نجاحا في أفريقيا، تقديرًا لجهوده في جمع "التبرعات" لدعم حملة رئيس النادي، محمود الخطيب. 

ويسود الاعتقاد أن آل الشيخ لعب دورا مهما في تمويل الأهلي خلال الأشهر الخمسة التي كان فيها رئيسا فخريا. وهو صرّح، بدوره، أنه استثمر نحو 14.5 مليون دولار في النادي، بعد تنحيه من منصبه على إثر خلاف مع إدارة النادي.
استثمار ضخم في سوق متهاوية
ولا تزال الأسباب التي دفعت آل الشيخ للتدخل في النوادي المصرية، مفتوحة أمام التكهنات، فنظرًا إلى تعليق دوري كرة القدم في مصر منذ العام 2011 وحتى العام 2013، وعودة الجمهور البطيئة بعد انتهاء الحظر، والركود الاقتصادي في البلاد، فإن نوادي كرة القدم المصرية، لا تُشكل هدفا مثاليا للاستثمار الأجنبي، ورغم أنها كذلك، إلا أن آل الشيخ المعروف بعلاقته الشخصية المتينة مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ضخ ملايين الدولارات في كرة القدم المصرية، على خلفيّة ما وصفته الحكومة السعودية بحملة لـ"مكافحة الفساد"، والتي اعتقل خلالها أكثر من 200 رجل أعمال وأمير ومسؤول حكومي، في فندق فاخر في الرياض العام الماضي؛ والتي قام على إثرها بعضهم بالوصول إلى "اتفاقيات" مالية، دفعوا بموجبها أموالا للنظام السعودي.  

وكان من غير المرجح أن يقوم الملياردير آل الشيخ باستثمار بالغ الضخامة خارج حدود السعودية، لأغراض تجارية، في وقت يتدنى فيه العرض التجاري المصري، و"يُحاكم" فيه الأمراء والأثرياء بقضايا فساد.

ومع ذلك، يُمكن التعامل مع الاستثمارات المالية في الأندية المصرية، كطريق للحصول على مردود ضخم عن طريق اكتساب الشعبية والنفوذ في المجتمع المصري، حيث تتكون قاعدة جماهير الأهلي الواسعة، والذي أُنشئ قبل نحو 100 عام كرمز مناهض للاستعمار البريطاني، من الفقراء والمهمّشين من ضواحي القاهرة.

وربما خطر للسلطات حين جلبت الاستثمار السعودي إلى الأندية المصرية، أن النجاح الرياضي للفريق المدعوم من آل الشيخ، سوف يحث مشجعيه على تأييد التحالف السياسي بين مصر والسعودية.

وخلال فترة رئاسة آل الشيخ الفخرية لنادي الأهلي، أعلنت السلطات المصرية عن مشاريع عبثية كبيرة، غير مستدامة وغير قابلة للاستمرار، غطّت قطاعات كثيرة، كالبنية التحتية وغيرها. 

وقد يكون أبرز المشاريع المُعلن عنها، هو خطة بناء ملعب جديد لنادي الأهلي بسعة 60 ألف مُتفرج، والذي وُصف بكونه "من أفضل عشرة ملاعب في العالم". 

ومن الجدير بالذكر أن الحديث عن هذه المشاريع التي من الواضح أنها ممولة من آل الشيخ ومستثمرين عرب أخرين، منذ توقفه عن رئاسة نادي الأهلي. 

الفريق المُهجن 

بعد مغادرته للأهلي، اشترى آل الشيخ، فريق "الأسيوطي"، وهو فريق متواضع في مدينة أسيوط التي تبعد 400 كلم عن القاهرة، ومن ثم قرر جلبه إلى العاصمة وتغيير اسمه إلى "بيراميدز"، ليغيّر اللاعبين في تركيبة الفريق بـ18 لاعبا جديدا، من بينهم 4 لاعبين أجانب بلغت قيمتهم نحو 20 مليون دولار. 

وصرف آل الشيخ أكثر من 33 مليون دولار على شراء اللاعبين خلال أسبوع واحد فقط في الصيف الماضي، وعيّن مدرب الأهلي السابق، حسام البدري، رئيسا للفريق، مقابل أجر 2.8 مليون دولار سنويًا. 

ورغم النجاح الذي حققه "بيراميدز" في بداية الموسم، إلا أن انسحاب آل الشيخ من النادي، يُعتبر فشلا ذريعا له، بشكل شخصي، حيث أن وجوده المُكثف في مشهد كرة القدم المصرية، الذي تضمن اتهامه بالتدخل في قرارات التحكيم وخلق معايير مزدوجة في الدوري، لم يُجده نفعا في مسعاه نحو كسب الشعبية والتأثير الذي كان يطمح إليه. ونجح جمهور الأهلي بكسر القشة التي قسمت ظهر الجمل، عندما رددوا هتافات مهينة لآل الشيخ، خلال لعبة كرة قدم الأسبوع الماضي، وأطلقوا عليه لقب "طال عمره" في محاولة للسخرية منه.

وتُفيدنا تجربة آل الشيخ، بفهم صعوبة مقايضة "الفخر" الرياضي المصري، بالتأثير السياسي والشعبي (عن طريق المال)، وعلاوة على ذلك، تُشير التجربة إلى أن المصريين لا زالوا غير "مرتاحين" بشأن علاقة النظام المصري بشركائه الأجانب، بما في ذلك السعودية. ويتمثل "عدم الراحة" هذا بشكل خاص، في رفض شراء المستثمرين، كانوا سعوديين أم لا، لمؤسسات شهيرة وتاريخية، سواء كان ذلك نادي الأهلي أو أهرامات الجيزة. 

وتُعتبر السعودية الداعم الرئيسي للنظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، منذ سيطرته على البلاد بعد انقلابه على الرئيس المنتخب الأول في مصر، محمد مرسي، عام 2013.  

ورغم خضوع معارضي السلطة ومنتقديها للسيطرة والتشديد والمراقبة غير المسبوقة في عصر السيسي، إلا أن قرارات مثل التخلي عن جزيرتي تيران وصنافير ومنحهما للسعودية، أدت إلى ردود فعل قوية من الشارع المصري.
تجربة مقلقة

وقال المراسل الرياضي المصري، أحمد سعد، لصحيفة "ميدل إيست آي"، إنه "بالنظر إلى دعم السعودية للسلطات المصرية الحالية، والتي أعطت السعودية بدورها، جزيرتين في البحر الأحمر، فإنه من المنطقي أن نفترض أن الاستثمار في نادي بيراميدز، ينم عن رغبات سياسية سيكشفها الزمن فقط".

وفي النهاية، لم تُمهد شخصية آل الشيخ العنيفة والمثيرة للجدل، الطريق، لتمرير أجندة سياسية، فبدلا من كسب قلوب وعقول مشجعي كرة القدم المصرية، ثابر المستثمر السعودي على إغضابهم مرارا وتكرارا بتعليقات فظة، كتب معظمها على وسائل التواصل الاجتماعي. 

وما يُثير للقلق ربما، هو أن النظام المصري الذي راقب تجربة آل الشيخ مع كرة القدم المصرية، بات يُلاحظ أن مشجعي هذه الرياضة في مصر، ما زالوا يُشكلون خطرا على نظامه الاستبدادي وسيطرته القمعية على المجتمع، فمجموعات مشجعي كرة القدم في مصر، أصبحت ملاذا أخيرا تقريبا، للمصريين الراغبين بالتجمع بأعداد كبيرة، بشكل رسمي أو غير رسمي، والذي يُثير قلق النظام المصري منذ انطلاق ثورات الربيع العربي. 

ومنذ الهتافات البذيئة التي أطلقها جمهور الأهلي ضد آل الشيخ، اعتقلت السلطات الكثير منهم بتهم مثل "الانتماء لجماعة محظورة" و"الانضمام لرابطة مشجعين" و"التحريض على الدولة".

ويبدو أن عودة المصريين عشاق لعبة الكرة القدم، إلى تشجيع فرقهم في الملاعب، أصبحت أكثر بعدا من ذي قبل، فلطالما بقي للمشجعين صوت، ستبقى الملاعب صامتة.

 

التعليقات