05/06/2019 - 22:52

مودي.. بطل وشرير في مدينة المعابد الهندية

لقد منحته شخصيته التي تجمع بين الشوفينية والقدرة التنموية، كتلة شعبية قوية وثابتة على مستوى الهند، والتي جعلته يبدو أيضا معصوما عن الخطأ حتى عندما دخل حزبه في صراع واضح

مودي.. بطل وشرير في مدينة المعابد الهندية

(أ ب)

في ما يلي ترجمة خاصة لـ"عرب ٤٨"، بتصرّف:


في أحد الممرات الضيقة في مدينة فارانسي الهندية، حيث يتواجد منزل عائلة ياداف، والدائرة الانتخابية لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، جلس فيجاي ياداف في تمام الساعة الرابعة صباحا يُقطع الكعك ويرمي واحدة تلو الأخرى على موقد غاز مستعينا بمساعدة أمه، كاملا ديفي.

كان فيجاي يُحضر الكعك، يوم الخميس الثالث والعشرين من أيار/ مايو الماضي، لكي يوزعه على نحو 100 مراقب تابع للحزب الحاكم "بهاراتيا غاناتا"، منتشرين على عدّة مراكز للفرز، فهو يعتبر نفسه أحد أشد مؤيدي رئيس الوزراء مودي، وحقق الحزب يومها انتصارا ساحقا.

ويُعدّ حزب مودي، من أكثر الجماعات السياسية المنحازة للقومية الهندوسية في دولة يُشكل فيها المسلمون نحو 15 بالمئة من مجمل السكان.

وزينت عائلة ياداف كشك الشاي المنصوب على ناصية الشارع، والذي كان يملكه ويديره والد فيجاي -الذي أصبح أحد داعمي مودي منذ مدة قصيرة-، لعقود من الزمن، بعدّة صور لرئيس الوزراء، وبعض الأيقونات المعبرة عن الآلهة الهندوسية، كما أن متجر العائلة سُمي بلقب مودي، "متجر نامو للشاي".

(تصوير: New York Times)

وقال فيجاي بينما كان يمسح عرقه بإحدى يديه ويحمص الكعك بيد ثانية: "لقد تطلب إقناع والدي بدعم مودي خمسة أعوام، لكن أمي لطالما دعمته. لقد عمل جميع أفراد عائلتنا لدعم مودي (في الانتخابات). لقد أغلقنا متجر الشاي لـ15 يوما".

عندما أعلن مودي عن طموحه بقيادة طويلة الأمد للهند، رسميا، قبل خمسة أعوام، اختار مدينة المعابد والآلهة، فاراناسي، لتكون منصته لهذا الإعلان، ودائرته الانتخابية.

وأُعيد انتخاب مودي لمنصب رئيس الوزراء، في 23 أيار/ مايو الماضي، إن فوز حزبه المدوي على مستوى البلاد يعني أن رئيس الوزراء القوي والمسبب للشقاق بين أبناء الشعب الواحد، سيقود الهند لمدة خمس سنوات أخرى.

يُعرف عن مودي أنه رجل عصامي، انطلق في بداية متواضعة من خلال الجناح القومي الهندوسي في حزبه ليُصبح أحد أطول الرؤساء حكما لولاية غوجارات، إحدى أضخم ولايات الهند. وهناك، كان معروفا بالنسبة لخليط من السياسات الصديقة للأعمال التي سرّعت التنمية الاقتصادية، وتعزيز الأيديولوجية الهندوسية القومية.

وقدمت فاراناسي، المدينة القديمة الواقعة على ضفاف نهر الغانج المقدس، الستار الأمثل لإطلاق خليط السياسات الخاص به إلى المستوى الوطني.

ويزور المدينة ملايين الأشخاص سنويا، لعدّة أسباب منها السياحة أو الحج أو لمعتقد "موكشا" الهندوسي الذي يؤمن بأن أرواح أولئك الذين تُحرق أجسادهم في جنازات عند النهر المقدس، ستتحرر من دورة تناسخ الأرواح. كما أن الاستحمام بالنهر هو بمثابة غسل للخطايا التي يرتكبها الشخص (الهندوسي).

واختار مودي ترشيح نفسه من فاراناسي لكي تبدو كأنها دعوة دينية، مُلصقا اسمه بهذا المكان المقدس، إذ إنه ظن أنه إذا أحرز تقدمًا في تحديث المدينة، فستصبح كلمة الزوار عبارة عن حملة صورية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.

وقال مودي: "لا أشعر أن أحدا أرسلني ولا أنني أتيت بمحض نفسي. إنها ما غانغا التي نادتني" مشيرا إلى النهر كـ"الأم الغانج".

لقد منحته شخصيته التي تجمع بين الشوفينية والقدرة التنموية، كتلة شعبية قوية وثابتة على مستوى الهند، والتي جعلته يبدو أيضا معصوما عن الخطأ حتى عندما دخل حزبه في صراع واضح، وكما يرى الكثيرون، فإن الحزب تشوبه الكثير من العيوب، لكن هل يُنظر إلى مودي بالطريقة ذاتها؟

قال فيجاي ياداف إنه (مودي) "لا يمنح حبا لعائلته، لأنه إذا ما فعل ذلك، فما الذي سيميزه عن بقية السياسيين؟ يجب على الأمر (الحكم) أن يكون بهذه الطريقة، أن يترك (الحاكم) كل شيء من أجل الوطن".

وتبدو بصمات مودي على فاراناسي في غاية الوضوح، فهي مدينة تملؤها تحديات هائلة للتطوير، بسبب حركة المرور التي تخنق شوارعها الضيقة على طوال الوقت تقريبا. وأُنجزت مشاريع كثيرة بوتيرة سريعة، كتلك المعنية ببناء الطرق وتحسين توصيل الكهرباء وغاز الطهي إلى المنازل والمنشآت المختلفة.

وقال عمدة المدينة السابق، غوبال موهالي، إن "الناس يمشون هنا طوال اليوم. إن العمل هنا مستيحل، ففي كل شهر هناك مهرجان يحضره مئات الآلاف، ولا يُمكننا العمل سوى أربع ساعات في اليوم، لأن الصلوات تُقام من الساعة الثالثة صباحا وحتى الـ11 ليلا، ويستمر حرق الجثامين لـ24 ساعة يوميا".

ونمت "عبادةُ" شخصيةِ مودي بين أتباعه في ولاية غوجارات إلى حد بُني معبد باسمه يحتوي على تمثال له. وقال مهندس متقاعد في ولاية أوتار براديش، الولاية الأكثر اكتظاظا بالسكان في الهند، والتي تضم فاراناسي أيضا، إنه يجمع أموالا لبناء معبد ثان باسم مودي.

وقال ياداف إنه سمع عن المعبدين، ويبدو أن إخلاصه لمودي ليس أقل من البقية، فبالإضافة إلى الملصق في كشك الشاي، يحتفظ بصور ضخمة لمودي في منزله. وأوضح ياداف: "إن رؤيتي لها (الصور)، تمنحني الإلهام".

لكن المزيج التنموي والهندوسي ذاته، الذي يتبناه مودي، والذي من الواضح أنه يستهدف جمهورا وطنيا أكبر حجما، كان في كثير من الأحيان مقلقا في فاراناسي، وأحيانا أدى إلى تصعيد خطير في التوترات.

ففي بعض الأحياء، قام مودي بدفن الأسلاك الكهربائية الخطرة، ليستبدلها بكوابل تحت أرضية، لكن كشف أيضا عن توترات طائفية عميقة، وأطلق رحلات بحرية في نهر الغانج ليتسنى للسياح ركوب سفن مُكيفة (وسط الحر الشديد)، لكنه أثار قلقا في قلوب أصحاب المراكب الصغيرة الذين احتجوا على أن أسلوب حياتهم المتوارث على مدار مئات الأعوام، معرض للخطر.

وربما يكون أكثر المشاريع إثارة للانقسام، هو بناء ممر بين معبد كاشي فيشواناث الشهير ونهر الغانج، حيث كان لا بد من طرد مئات العائلات من المنطقة وتدمير منازلهم، ما أدى إلى عزل الهندوس والمسلمين على حد سواء.

وقال دايا شانكار سريفاستافا، الذي يدير متجرا للملابس في أحد المباني القليلة المتبقية في المنطقة: "يأتي الناس من جميع أنحاء العالم هنا من أجل الخلاص، لكننا مُجبرون على المغادرة".

واشتكى قادة هندوس بسبب تدمير العديد من المعابد الصغيرة من أجل بناء حلم مودي، لكن للقادة المسلمين قلق آخر، فمعبد كاشي فيشواناث يُشارك جدارا هشا مع مسجد محلي غير حصين لتوسع الأول.

وقارن سوامي أفيموكشواراناند، رئيس "سري فيديا ماث"، وهي مدرسة هندوسية في فاراناسي، التدمير المزعوم للمعابد لبناء ممر فيشواناث وبين تحطيم الأيقونات الهندوسية من قبل الأباطرة المسلمين في الماضي، وعندما تحدينا سوامي بسؤال عن الكيفية التي استطاع مودي من خلالها، تدمير المعابد، رغم أنه هندوسيّ، استشاط الأول غضبا، وصاح: "توقفوا" أمام جمهور من أتباعه، والذي وُثق بهاتف ذكي كان يبث حديثه على الهواء مباشرة. وقال: "هل يدمر هندوسي معابد؟ هل يدمر هندوسي رموزا؟ إنه ليس هندوسي. لا يمكن له أن يكون هندوسيا".

وقال الأمين العام لجمعية المساجد المحلية إس إم ياسين، إن التعدي على أراضي المساجد وغيرها من الأعمال التحريضية التي حصلت على مدار الأعوام الخمسة الماضية، كادت أن تُشعل اشتباكات دامية في مواقف كثيرة، وأشار إلى أن قوة أمنية قوامها ألف عنصر، تساعد في حفظ السلام.

وقال ياسين إن الهندوس والمسلمين عاشوا بسلام لفترة طويلة في فاراناسي، لكن حكومة مودي حطمت تلك الثقة المتبادلة. وأضاف: "اليوم، ما من أحد مستعد للإصغاء. وإذا ما عاد إلى السلطة، فإنه سيأتي (سيعتليها) بثقة".

وبالنسبة لياداف، الشاب المخلص لمودي، فإن تفاني الأخير، ومدى سهولة تواصله بالناس، هما أكثر ما يروق له، كما أنه يحب تبني مودي المفتوح لهندوتفا، أو القومية الهندوسية، إذ قال إن "قبل مودي، شعرنا وكأنا القومية الهندوسية قد ماتت في هذه الأرجاء".

وأشار إلى أن اليوم الذي قابل فيه مودي لأول مرة، أثناء تسجيله كمرشح عام 2014، هو من أسعد الأيام التي مرت عليه. وبدا إشعاع عينيه واضحا عندما وصف كيف وضع مودي يده على كتفه، وقال: "لقد أخبرني أنه يجب أن يكون ناشطا حزبيا متفانيا مثلي في كل مدينة وبلدة وفي كل شارع".

ومع تجمهر الآلاف على الدرجات المقابلة لنهر المقدس لحضور صلاة العشاء يوم الخميس، ظهرت علامة كبيرة عليها شعار "الحارس"، مودي، الذي كان يعرض نفسه كحامٍ للهند، أمامهم في رسائل مضاءة، ورست السفينة المكيفة التي أطلقت خلال حكومته بجانبها بينما حاولت القوارب الصغيرة شق طريقها.

وبعد ذلك، كما لو أنها صُممت بشكل مثالي وفقًا لرغبات مودي، امتجزت أصوات الصلوات والأناشيد بالألعاب النارية التي حققها فوزه والتي أضاءت السماء فوق نهر الغانج.

التعليقات