09/08/2019 - 23:42

الهند تستلهم احتلالها لكشمير من إسرائيل

مثلما فعلت الحكومة الإسرائيلية بشكل متكرر؛ حاولت الحكومة الهندية بذل قصارى جهدها لتعريف المشكلة في كشمير على أنها قضية دينية (بين المسلمين والهندوس)، والتخفيف من شأن جذور النزاع السياسي والمبالغة في دور التطرف الإسلامي كحيلة لتصوير الحملات العسكرية على كشمير،

الهند تستلهم احتلالها لكشمير من إسرائيل

رجل يسير بجوار جنود قوة التدخل السريع الهندية في كشمير (أ ب)

في ما يلي ترجمة خاصّة بـ"عرب 48"، بتصرُّف:


جادل باحثون كشميريون، على مدار الأعوام القليلة الماضية، بضرورة الاعتراف بالجزء الخاضع للسيادة الهندية من كشمير، كونه منطقة مُحتلة، وبوجود أكثر من 700 ألف جندي هندي، وعناصر شبه عسكرية، وأخرى شرطية، يُعد هذا الجزء من كشمير، أكثر منطقة مُعسكَرة على وجه الأرض، ويرى الباحثون أن الكشميريين عاشوا تحت قيادة العملاء المرهونين لجبروت المؤسسة العسكرية الهندية، على مدار العقود الماضية، ومنذ أن بدأ التمرد الكشميري (المقاومة) ضد الحكومة الهندية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، سقط أكثر من 70 ألف قتيل، فيما أُخفي سبعة آلاف كشميري آخر قسريا، دون معرفة مصيرهم حتى اليوم، وأُعمي وشُوه الآلاف بالذخيرة الحية، أو المغلفة بالمطاط، وفي حين لا يُفترض أن يجعل ذلك مجالا للشك بأن الهند قوة استعمارية في المنطقة، إلا أن القشرة الظاهرية للديمقراطية الهندية، في هذه المنطقة الهشّة من العالم، جعلت إقناع الناس بهذه الحقيقة أمرا صعبا.

لكن هذه القشرة تبددت في صباح يوم الإثنين الماضي، حينما أخرج وزير الداخلية الهندي، إميت شاه، أثناء خطابه في البرلمان، من جيبه، ورقة مختومة من الرئيس، مُعلنا فيها أن البلاد ستلغي الوضع الدستوري الخاص بكشمير، المتمثل في المادة 370 التي توضح وضع كشمير كمنطقة ذات حكم ذاتي جزئي داخل الاتحاد الهندي، والذي يشمل تمتعها بالقدرة القانونية على إدارة شؤونها بنفسها، باستثناء الشؤون الأمنية والمالية والخارجية والاتصالات، كما لديها الحق في امتلاك دستور خاص بها، وإمكانية سن القوانين، إضافة إلى علم خاص بها.

كشميريون يهربون من قذائف الغاز المسيل للدموع خلال احتجاج في سريناجار (أ ب)

وأُلغيت جميع هذه "الامتيازات" فور الانتهاء من إعلان وزير الداخلية، وقال رئيس الحكومة الهندية، نارندرا مودي، في تغريدة على موقع "تويتر": "أُحيي أخواتي وأخوتي في جامو، وكشمير، ولاداخ، على شجاعتهم ومرونتهم. فعلى مدار أعوام طويلة، لم تهتم جماعات المصالح الخاصة التي انتهجت الابتزاز العاطفي، بتمكين الناس. والآن، أصبحت كشمير وجامو، حرّتان من القيود. فجر جديد، وغدا أفضل!".

وأعلنت الحكومة الهندية تغيير البند الدستوري، رغم صدور عدّة قرارات قضائية عن عدّة محاكم، بما في ذلك، المحكمتين العليتين في جاموا وكشمير، والمحكمة العليا في دلهي، اللواتي قضين ببطلان إمكانية التلاعب بهذا البند، لكن الكثير من الهنود، يرون أن مشروع إلغاء "الوضع الخاص" لكشمير، من الدستور، والذي بادرت إليه المجموعة اليمينية الهندوسية المتطرفة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ"، ليُطرح في ما بعد كقضية انتخابية لحزب "باهريتا جاناتا" الحاكم، قد جاء بثماره.

حولت هذا الخطوة الهند، من الاستعمار الإداري إلى الاستعمار الكامل لكشمير، متبعة بطرق عدّة، أساليب إسرائيل لتحقيق السيطرة الكاملة على الدولة وشعبها.

نساء كشميريات (أ ب)

دليل الاحتلال الإسرائيلي مصدر إلهام للهند
طالب حزب "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" الهندوسي المتطرف، طوال عقود، بإلغاء المادة 370 من الدستور، سعيا إلى إعادة تشييد "الهند الهندوسية". وفي الثمانينيات، بدأ حزب "بهاراتيا جاناتا" حملته الانتخابية متعهدا بحكم الأغلبية (الهندوس)، وهذا شمل إلغاء "الامتيازات" التي تمتع بها المسلمون، رغم أنهم كانوا ولا يزالون أفقر المجتمعات وأقلها تطورا في الهند، وذلك بحسب المؤشرات الحكومية، كما تضمن تأطير كشمير كواحدة من المناطق المليئة بالأضرحة والمعابد الهندوسية، وبأنها جزء من المجد الهندوسي الغابر في جبال الهيمالايا.

وكان تكثيف الحج الهندوسي إلى أمارناث ياترا جنوبي كشمير، جزءا لا يتجزأ من هذه المحاولة، وكما كتبت الأستاذة بجامعة سيراكيوز، منى بهان، في كتاب "مقاومة الاحتلال في كشمير"، فقد شهد العقد الماضي قيام الحكومة الهندية باستعادة المعابد لزيادة "ربط كشمير بالهند من خلال الروابط الروحانية والدينية".

لقاء بين  رئيس الحكومة الإسرائيليّة، بنيامين نتنياهو، وبين مودي (أ ب)

وكتب الناشط الكشميري، عبد الله سعد، في تغريدة، الثلاثاء الماضي: "سيشعر الفلسطينيون أن المجلس التشريعي لولاية كشمير والسياسييْن الرئيسييْن فيها، عمر عبد الله، ومحبوبة مفتي، مألوفين جدا. فالمجلس يعمل كنظام إدارة محلي يسهل الاحتلال، بما يشبه طريقة السلطة الفلسطينية (تحت قيادة) محمود عباس، بشكل كبير".

وأضاف سعد: "مع تقدم الأمور إلى الأمام، بات من الواضح بشكل متزايد أن الاستعماريْن في كشمير وفلسطين سيصبحان مترابطيْن أكثر فأكثر. إن ما تفعله إسرائيل في فلسطين سيحدث في كشمير، وما تفعله الهند في كشمير، سيحدث في فلسطين".

ويندرج إبطال المادة 370، في إطار تحقيق الوعد بإعادة إحياء الهند الهندوسية، في طريقة تدمج ما بين التوجه "التفوقي" العنصري، والديمقراطية، حتى لو كانت مختلة في صميمها.

وكتب أستاذ الاقتصاد السياسي في كليّة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، سومانترا بوس، أن "الحركة القومية الهندوسية التي يقودها راشتريا سوايامسيفاك سانغ، تطمح إلى النموذج ’الديمقراطي’ من النوع الذي تمثله إسرائيل (وليس باكستان)، أملا في إنشاء هند مختلفة".

والأهم من ذلك، أن القرار الجديد، يمهد الطريق أيضًا لمشروع استيطاني كامل في كشمير، ومن المحتمل أن تشمل المرحلة التالية إنشاء مناطق هندوسية مطوقة، مثل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.

مسألة البانديت

رغم أن عشرات آلاف الكشميريين الهندوس، المعروفين باسم "البانديت"، غادروا موطنهم في تسعينيات القرن الماضي، هربا من مخاطر تعمق التمرد، على حياتهم، إلا أن قادة الكشميريين المسلمين، دعوهم مرارا وتكرارا إلى العودة.

وتاريخيا، لا يوجد أي توتر طائفي متجذر في كشمير، وبالتالي، فإنه يُنظر إلى محاولة إعادة "البانديت" وغيرهم من الهنود كمستوطنين بدلا من سكان متساوين مع المسلمين، على أنها محض استفزاز، ومثلما فعلت الحكومة الإسرائيلية بشكل متكرر؛ حاولت الحكومة الهندية بذل قصارى جهدها لتعريف المشكلة في كشمير على أنها قضية دينية (بين المسلمين والهندوس)، والتخفيف من شأن جذور النزاع السياسي والمبالغة في دور التطرف الإسلامي كحيلة لتصوير الحملات العسكرية على كشمير، على أنها ضرورة مُلحة ولا مفر منها، وفيما دعمت باكستان الحركة المسلحة، لكن أجهزتها الأمنية تخشى أيضًا من استقلال كشمير بقدر ما تفعل الهند.

(أ ب)

وكتبت الشاعرة الكشميرية، سناء واني، الثلاثاء الماضي، أي بعد يوم من إعلان الحكومة الهندية، في تغريدة على "تويتر": "أنا الآن في أمان وبعيدة (عن كشمير) وأنا محظوظة لذلك، لكنني لم أتمكن من التفكير في أي شيء آخر سوى منزلي، وشعبي، ومعاناتنا. القسوة في كل هذا، والخداع والإغلاق وعدم اليقين الذي نُجبَر على مواجهته مرارًا وتكرارًا".

وأردفت: "هذا مشهد مثالي في رواية ديسوتوبية لا يقرأها معظم الناس في أنحاء العالم. إن الاستقلالية الضعيفة والهشة التي نصت عليها المادتان ’35 إيه’ و’370’ (لأنهما كانتا بمثابة حلين شكليين لضم غير عادل وغير مستدام) قد تحطمت الآن بالكامل".

ويعدُّ حزب "بهاراتيا جاناتا"، أن تغيير التركيبة السكانية في كشمير، أو إغراق المنطقة بالهنود الهندوس، من شأنه أن يتحايل على التطلعات السياسية للمسلمين الكشميريين ويحل مشكلة كشمير المستعصية، إلى الأبد. كما أنه سيضمن إرث مودي، فالاقتصاد قد ينهار، وقد تغرق المدن بالفيضانات، وقد يتضور المزارعون جوعًا، تحت حكم مودي، لكن اسمه سيُخلد بعد تأمينه كشمير. فلا يزال التعطش لزعيم قوي في الهند واضحًا.

وأظهرت فترة عمل مودي في السياسة، إما ككبير وزراء ولاية غوجارات في أوائل العقد الأول من القرن العشرين، أو كرئيس حكومة البلاد منذ عام 2014، أن شعبيته تزداد كلما ازدادت التوترات بين الهندوس والمسلمين في الهند، فهو مخادع متمرس، ومحرّك لطموح الأغلبية، وعلى استعداد كامل للتضحية بكل أولئك الذين يقعون خارج مشروعه القومي، ليبرر الفشل الاقتصادي المنتشر على نطاق واسع في البلاد، سواء أكانوا مسلمين أم كشميريين أو أولئك الذين يجرؤون على المعارضة أو التعبير عن آرائهم المختلفة.

اعتاد الكشميريون على الصراع في منطقتهم، لكن الحكومة الهندية ألحقت سلسلة من الصدمات النفسية للسكان المحليين في الأيام التي سبقت الإعلان.

أولا، أصدرت الحكومة الهندية تعليمات للحجاج الهندوس والسياح بمغادرة مناطق جنوب كشمير، بذريعة "التهديد الأمني"، وذلك تسبب في مستويات غير مسبوقة من الذعر في المنطقة، والذي روجت له وسائل الإعلام الهندية التقليدية، ليتبين بعد ذلك أن الترويع كان مجرد خدعة لإبعاد غير الكشميريين من المنطقة قُبيل الإعلان.

وألغت العائلات الكشميرية، احتفالات الأعراس والمناسبات الأخرى، وتمونت بالطعام والوقود. فيما سعى آخرون إلى البحث عن مؤن طبيّة للحالات الحرجة، من أجل الاعتناء بكبار السن، وحضّر أصحاب المحلات التجارية والمكاتب أنفسهم لأسوأ السيناريوهات، ملغين الطلبات ومفرغين الفنادق، ودون أي تواصل إضافي، نشرت الحكومة الهندية 35 ألف جندي إضافي في وادي كشمير، وقطعت جميع الاتصالات، بما في ذلك الإنترنت والهاتف (الشبكات الخليوية والخطوط الأرضية).

(أ ب)

أما الزعماء الكشميريون، الذين عملوا في السابق تحت عباءة الدولة الهندية، والذين لا يتمتع معظمهم بولاء الكشميريين أو اهتمامهم، فقد وُضعوا تحت الإقامة الجبرية.

وكتب الصحافي والكاتب الكشميري الذي يعيش في لندن، مزرا وحيد، في  الرابع من آب/ أغسطس الجاري، في تغريدة: "ليلة مظلمة تنحدر على كشمير، حيث تفرض الهند حصارًا. أنا قلق للغاية بشأن منزلي. أهالي كشمير الذين عانوا طويلا، أتمنى لكم الأمان".

وأضاف في اليوم التالي: "اليوم الثاني. لا يوجد اتصال مع أهلي أو أي شخص آخر في كشمير. صمت كامل. ليس لديكم أي فكرة عن الشعور بذلك".

وأخيرًا، فرضت السلطات حظر التجول، وأُخليت الشوارع واستولى الجنود على مراكز الشرطة وتم إرسالهم إلى زوايا الشوارع.

ومع التعتيم، لا يوجد مؤشر على ما يحدث بالفعل في وادي كشمير. إذ تم إغلاق وسائل الإعلام الكشميرية، وهناك قيود كبيرة على الصحافيين الهنود، وحتى الآن، لم يتضح عدد الكشميريين الذين يعرفون أن الحكومة الهندية غيرت عقدهم الاجتماعي مع الدولة.

وقد وصف بأنه أحلك يوم في الديمقراطية في الهند. لكن في الوقت الحالي، يتحمل الكشميريون العبء الأكبر.

التعليقات