10/01/2020 - 22:46

إخسارخيا.. حي يتحدى الانهيار الأخلاقي في اليونان

في عام 2004، ووسط إحدى الجدالات العديدة حول الإسلام في فرنسا، نشر الباحث الأنثروبولوجي إيمانويل تيراي، مقالًا يناقش النزاع حول الحجاب كنموذج لـ"الهستيريا" السياسية، وهو مفهوم مستعار من التحليل النفسي. وبالاعتماد على شرح المؤرخ الهنغاري إستيفان بيبو، لانعدام بصيرة، ولا عقلانية

إخسارخيا.. حي يتحدى الانهيار الأخلاقي في اليونان

(pixbay) حيّ إخسارخيا

في ما يلي ترجمة بتصرف، خاصة بـ"عرب 48"، لمقال الكاتبة روسا فاسيلاكي، وهي باحثة في علم الاجتماع ومؤرخة. حصلت على شهادة الدكتوراه في التاريخ من كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس وشهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة بريستول.


في عام 2004، ووسط إحدى الجدالات العديدة حول الإسلام في فرنسا، نشر الباحث الأنثروبولوجي إيمانويل تيراي، مقالًا يناقش النزاع حول الحجاب كنموذج لـ"الهستيريا" السياسية، وهو مفهوم مستعار من التحليل النفسي. وبالاعتماد على شرح المؤرخ الهنغاري إستيفان بيبو، لانعدام بصيرة، ولا عقلانية سياسة أوروبا الوسطى في الفترة ما بين الحربين العالميتين، ناقش تيراي كيف هُمّشت القضايا الحقيقية لصالح "مشكلة وهمية" والتي، بمجرد "حلها"، من المفترض أن تتيح للمجتمع إعادة تثبيت وحدته و"الاستمرار".

لكن استخدام "المشكلة الوهمية" لا ينحصر بهذه الطريقة فقط، فتشرعن صياغة هذا النوع من المشاكل في مفردات مثل "أزمة" و"خطر"، جميع أنواع "الاستجابات" المفرطة. وتعمل التحذيرات المنذرة بالكوارث، وخطاب "القانون والنظام" القاسي، والوضعية الانتقامية/التأديبية التي تتبناها الأجهزة القمعية للدولة، مجتمعة، على خلق حالة طوارئ. ومن هنا تنبع حالة الاستثناء التي تتيح للسلطات التخلي عن حقوق أفراد محددين أو مجموعات اجتماعية.

وبعد أعوام من المعاناة من التقشف، تعاني اليونان حاليًا تأثيرات هذا النوع من الهستيريا السياسية تحديدًا، والتي تستهدف "عدوًا داخليًا" مزعومًا. وفي الواقع، بمجرد انتخاب الحكومة اليمينية الجديدة في تموز/ يوليو 2019، خُصص خطاب أيديولوجي شرس، بشكل لا لبس فيه، ضد خطر جسيم مزعوم يمثله حي معين في وسط أثينا، والذي يشتهر بميوله اليسارية الراديكالية واللاسلطوية. وكان حي إخسارخيا هدف هذه الحملة، وهو عبارة عن منطقة تقع في قلب العاصمة، لطالما ارتبط اسمها بالمعارضة السياسية منذ استعادة الجمهورية في عام 1974.

وصرّح كل من رئيس الوزراء الجديد، كيرياكوس ميتسوتاكيس، ووزير حماية المواطن الجديد، ميكاليس كريسوشويدس، فور وصولهما إلى مواقعهما في السلطة، أنه يجب إعادة حي إخسارخيا إلى "حالته السوية". وحتى الآن، تُرجمت هذه "التسوية"، بمداهمة الشرطة لـ15 منزلًا استولي عليه عشوائيا (مقتطنات)، فضلًا عن استخدام الشرطة للعنف المفرط ضد سكان المنطقة.

لكن "الحالة السوية" الجديدة، تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وتشمل إلغاء قانون حظر دخول عناصر الشرطة إلى حرم الجامعات، ناهيك عن التركيز غير المسبوق للسلطة في أيدي وزارة حماية المواطن. والواقع أن هذه الوزارة الأخيرة، المسؤولة عن الإشراف على الشرطة، قد تولت الآن مسؤولية وزارة الهجرة التي كانت مستقلة سابقًا، إضافة إلى ونظام السجون، الذي كانت تشرف عليه وزارة العدل سابقا.

وتوجت هذه الحملة برمتها، بإخطار أصدره الوزير، يفرض على الناشطين اللاسلطويين، إخلاء المقتطنات، في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وهو تاريخ رمزي للغاية، حيث حُدد قبل يوم واحد فقط، من الإحياء السنوي لذكرى الطفل ألكساندروس جريجوروبولوس البالغ من العمر 15 عامًا، الذي قتله عناصر شرطة في عام 2008. حيث أن الحكومة اليونانية مصرّة على القضاء على مركز المعارضة، في خطوة تحمل آثارا انتشرت على نطاق واسع، يتخطى هذا الحي.

(mpalothia)

قيم بديلة

لقد استُهدف حي إخسارخيا بسبب طرق العيش البديلة التي يمثلها، فرغم عرضه في وسائل الإعلام وعلى لسان المسؤولين الحكوميين، على أنه مركز للفوضى والجريمة، فإن الحي يشتهر بأخلاقياته التحررية، واختلافه عن قيم الطبقة الوسطى المهيمنة المرتكزة على ملكية المنازل، وأسرة النواة التي تعتبر مقدسة في اليونان. بل أن المنطقة اتسمت في العقود الأخيرة خاصة باحتلال المباني المهجورة على نطاق واسع، مع إنشاء المقتطنات ومراكز اجتماعية فيها، كبديل واضح للأيديولوجيا المهيمنة.

وهذا لحقه آثار سياسية مباشرة، فمنذ عام 2015 الذي بدأت فيه "أزمة" اللجوء في اليونان، وخصوصا بعد الاتفاق الذي أجراه الاتحاد الأوروبي في آذار/ مارس 2016، مع تركيا، لمنع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا عبرها، قدّم حي إخسارخيا ملاذًا للفارين من العنف والفقر، وخاصة لأولئك الذين لا يريدون أن يخضعوا للانضباط الذي تفرضه المنظمات الدولية وغيرها من المنظمات غير الحكومية. حيث استقبلت المباني المهجورة التي احتلها الناشطون، وأماكن الإقامة المنظمة ذاتيا، في المنطقة، أكثر من 9 آلاف شخص، مؤسسّة بديل قابل للتطبيق، لمراكز "النقاط الساخنة" التي يديرها "مقدمو الخدمات" والظروف المعيشية البشعة التي شوهدت في مخيم موريا الشهير على جزيرة ليسبوس.

وكانت هذه الاستيطانات العشوائية (المقتطنات)، من بين الأمور الأولى التي استهدفتها الحكومة الجديدة، قبل أن تنتقل إلى مهاجمة جماعات أخرى في هجوم غير مسبوق على الحي. وفي حين استُهدفت بعض المقتطنات، من قبل حكومة "ائتلاف اليسار الراديكالي" (سيريزا) السابقة، إلا أن الحكومة الجديدة تحت إدارة حزب "الديمقراطية الجديدة"، قدّمت سياسة ووجهة جديدتين للشرطة، وخاصة الوحدات المرتبطة بحماية النظام العام وقمع العصيان.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت الحالات التي مارس بها أفراد الشرطة وحشيتهم في انتهاك صارخ للحقوق الأساسية للمواطنين، روتينا؛ حيث تزداد مضايقات أفراد الشرطة، وضربهم وإذلالهم للأشخاص الذين يتسكعون في الحي والمناطق المحاذية له، وأولئك الذين يوضعوا في خانة الـ"مشتبه بهم"، ومعظمهم من الجيل الشاب.

وفي الوقت نفسه، أُعيد إحياء الخصومة القديمة بين شرطة مكافحة الشغب، والمجموعات اللاسلطوية (الأناركية)، ما عزز تصوير منطقة إخسارخيا على أنها خطر وشيك. ومنحت حكومة "الديمقراطية الجديدة"، فسحة للشرطة، لفرض القانون بصيغتها القمعية له، دون اكتراث لحماية حقوق المواطنين وكرامتهم.

وأدى هذا التساهل تجاه قمع الشرطة، مصحوبا بالحالة شبه الثأرية بين الشرطة والأناركيين، إلى موجة من العنف تسببت بمنعطف مشؤوم؛ فقد أصبح الإذلال العلني للمتظاهرين والمارة و "المشتبه بهم" ممارسة منتظمة.

وشهدت الأسابيع الأخيرة ارتفاعًا حادًا في هذه الحوادث، مثل المضايقات التي شملت أيضا لفتيات مراهقات، وسُجلت عشر شكاوى قدمها مواطنون تعرضوا للضرب المبرح والاعتقالات غير القانونية والتعرية العامة غير القانونية، والتوقيف المذل، وممارسات التفتيش (بما في ذلك من قبل ضابطات الشرطة ضد المشتبهات الإناث) والتصوير غير القانوني للمشتبه بهم، والاستخدام غير القانوني للأماكن غير المسجلة (موقف للسيارات تحت الأرض) لاحتجاز المشتبه بهم مؤقتًا.

وكانت مداهمة منزل المخرج السينمائي الشهير ديميتريس إنداريس، من أجل الوصول إلى المبنى المجاور الذي يستضيف استيطانا عشوائيا، دون الحصول على إذن قانوني ضروري، والعنف المفرط الذي استُخدم ضده هو وأسرته، آخر هذه الانتهاكات التي مارسها أفراد الشرطة ضد المواطنين.

السيطرة على الشرطة؟

كانت حكومة "سيريزا" السابقة قد أبدت بالفعل، موقفا غامضا تجاه الشرطة، لأن حكومة رئيس الوزراء السابق، ألكسيس تسيبراس، نكثت بتعهدها بإضفاء طابع ديمقراطي على قوات الأمن ومعالجة العوامل المرضية التي تولّد عنف الشرطة. وكان الاستثناء الوحيد لذلك، هو تفكيك قوة "دلتا" للدراجات النارية، الشائنة، التي كانت تضم 300 عنصر، والتي تم تأسيسها في أعقاب أعمال الشغب التي وقعت في أثينا عام 2008، حيث اشتهرت بوحشيتها ضد المحتجين.

وأتاح خطاب سيريزا المناهض للشرطة، حتى مع إصرار تسيبراس مرارا وتكرارا على ضرورة حل شرطة مكافحة الشغب، التي عُرفت من قبله على أنها المحرضة الرئيسية للعنف ضد المتظاهرين، للحزب، إمكانية الحفاظ على أوهامه بكونه "ائتلاف سياسي راديكالي" ضد المؤسسة. لكن هذا الخطاب نفّر جهاز الشرطة كليا، الذي رأى في "الديمقراطية الجديدة" فرصة للتغلب على ما اعتبروه "إهانة عامة"، ساعين إلى استعادة "فخرهم الضائع". وبهذه الروح، أصبح قمع "الخطر" المزعوم الذي يفترض بأن حي إخسارخيا يمثله، بمثابة تلبية لاحتياجات الجميع: الحكومة تحقق "النتائج" التي تعهدت بها، والجمهور يتحد في مواجهة الخطر المحدق المتمثل في الفوضى وعدم الانصياع للقانون، وتحصل قوات الشرطة على "ملعب" حي، للتنفيس عن إحباطاتها، وتغذية نفسها بأسوأ خصائص لديها، لتتحول اليوم إلى جهاز سادي جهرا.

ومع ذلك، إن مجرد التركيز على عنف الشرطة لا يوفي الصورة الكاملة حقها؛ فحتى مع التسليم بطابع الشرطة القمعي عمومًا ودورها في الدول الحديثة، فإن الجوانب المحددة لفرض القانون تتحدد بحسب نوع الحكومة الموجود في السلطة وأجنداتها السياسية الأوسع نطاقا. فتهدف الحملة الحكومية ضد إخسارخيا، والمهاجرين واللاجئين الذين وصفهم رئيس الوزراء عن "الديمقراطية الجديدة" السابق، أنطونيوس سماراس، بـ"الغزاة غير الشرعيين"، وشخصيات أخرى من حزبه، إلى بناء عدو داخلي جديد، أي كبش فداء جديد يجب إبادته لكي تعود الأمور لـ"طبيعتها".

الذعر الأخلاقي

نظر الإعلام اليوناني المعروف بانحيازه للمؤسسة، وقطاعات كبيرة من الشعب، إلى فكرة "تنظيف المنطقة"، بعين إيجابية، بعدما نجحت المزاعم القائلة إن إخسارخيا هي مركز انعدام القانون، بالتسلسل إلى أذهان الناس. ونجح هذا النهج الإعلامي بخلق حالة من الذعر الأخلاقي، حيث يُعرض الأناركيون، والمستولون العشوائيون، و"الشباب صعب المراس" على أنهم "إرهابيون"، بل ويُتهمون أحيانا، وبشكل عار عن الصحة بالارتباط بتنظيم "داعش"، أو كأطفال أثرياء يلهون أنفسهم بالثورة.

لكن الأرضية السياسية والاجتماعي لمثل هذا الذعر الأخلاقي، هُيئت قبل أن يصل حزب "الديمقراطية الجديدة" إلى السلطة، وخاصة بسبب فشل الحكومة اليسارية السابقة، في توفير أي حلول جوهرية للعديد من المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد اليوناني، الذي أدى إلى ظهور توجه جديد نحو النزعة المحافظة، والتطبيع مع أوجه النظر اليمينية المتطرفة، والبحث عن عدو داخلي.

إن ظاهرة فقدان مصداقية اليسار على المستوى البرلماني، والتي لا تقتصر على اليونان فقط، وفشله بالإيفاء في تعهده بمستقبل أكثر تفاؤلاً وأقل زعزعة، حوّل من الجمهور فريسة للدوافع الوحشية التي يعبر عنها أولئك الذين يختلقون كبش فداء بدلاً من مواجهة العيوب الهيكلية والمجتمعية العميقة.

وبسبب غياب أي خطة حيوية قد تجلب الراحة أو على الأقل الأمل للطبقة العاملة والطبقة المتوسطة اليونانية المتآكلة بسبب التقشف، اتبع حزب "الديمقراطية الجديدة" استراتيجية كبش الفداء هذه. وفي هذا السياق، استُدعيت الشرطة للعب دورها السياسي الأكبر منذ استعادة الديمقراطية في عام 1974. وتبرز هذه الاستراتيجية الحكومية التي تتلخص بتصعيد التوتر، وتتمثل في المبالغة بالخطاب، والعنف، والتمثيل الإعلامي، ضد الحي وسكانه، الأمن، كالشاغل الرئيسي والعاجل، أي القناع الذي تُخنق من ورائه جميع القضايا الاجتماعية والاقتصادية الأخرى.

إذن، وبالعودة إلى تحليل تيراي، فما هي المشكلة الحقيقية التي يُمثل حي إخسارخيا بديلا لها؟

تكمن الإجابة في انعدام أي احتمال، لحلول حقيقية للكساد الاقتصادي، والبطالة الضخمة، والتوظيف المتقلقل، والرواتب الرديئة، وتلاشي هياكل الرعاية الاجتماعية. وللتعويض عن الافتقار إلى الرؤية في هذا الصدد، يُستخدم خطاب التهديد والخطر والنظام بطبيعة الحال، والذي من المفترض أنه بمجرد استعادته، فإنه سيوفر حلا سحريا لجميع هذه القضايا الأخرى.

لكن الهيستيريا السياسية حول إخسارخيا، تثير تساؤلات أخرى تتخطى محاولة التشويش على المشاكل العسيرة في اليونان؛ فعبر السماح بانتهاك حقوق المواطنين، تقوم الحكومة بتقويض خطابها الأساسي المتمثل بـ"القانون والنظام". فلا ينتمي العنف المفرض، والإذلال، والمضايقات، والهجمات غير المبررة، إلى حيّز "القانون"، والذي يضع حدودا للمواطنين كما المؤسسات، وحتى تلك التي تتمتع بـ"احتكار العنف"، مثل جهاز الشرطة.

وعندما تُنتهك هذه الحدود، وخصوصا بمباركة السلطة السياسية، فإن هذه الحكومة تعمل على محو أسطورة شرعيتها، والتي تتمثل باحترام القانون كما يُفترض. وعندما يُخرج القانون من المعادلة، فإن ما تبقى لنا هو النظام؛ والنظام بدون قانون هو منحدر زلق نحو الاستبداد، وليس الديمقراطية.

الحقوق مهددة بخطر الانقراض

رغم القيمة الرمزية الهائلة التي يمثلها حي إخسارخيا، بالنسبة لعالم اليسار اليوناني، إلا أنه يبدو أن الحي خسر المعركة، فالحكومة كما الشعب، لا تملك ما تتمسك به سوى عدوانيتها تجاه الحي، لذلك، فإنه لا بد أن يستمر الهجوم عليه. ومع ذلك، فإن المعركة من أجل إخسارخيا، كتجربة حية لأنماط الحياة البديلة والأيديولوجيات السياسية المعارضة، قُوضت قبل عودة "الديمقراطية الجديدة" إلى السلطة في صيف 2019، بكثير. وفي الواقع، فإن حكومة "الائتلاف اليساري الراديكالي" أضعفت الاحتمالات الكثيرة الذي يمثلها الحي، بطرق أكثر مكرا لكنها فعّالة بنفس المقدار.

وقد منح نهج حكومة "سيريزا" الظاهري، والمتمثل بـ"الحفظ المخفف للنظام"، إخسارخيا، حماية جماعية متنوعة من هجمات الشرطة في الأعوام السابقة. لكن هذه الطريقة أثبتت أنها كدس السم في العسل، فقد أدى انسحاب الشرطة إلى خلق مساحة لعدة عصابات مخدرات التي سيطرت بشكل تدريجي على ميدان إخسارخيا الشهير. ومع أن الشرطة لم تهاجم الجماعات (السياسية والاجتماعية) المختلفة في الحي في تلك الفترة، إلا أنها لم تفعل أي شيء لإيقاف توسع العصابات أيضا.

ونظرا إلى خضوع جهاز الشرطة اليوناني إشراف صارم من قبل السلطة السياسية، ولكون سياساتها هي دائما مفيدة لأجندات حكومية محددة، فيجب النظر إلى هذا الموقف المتساهل تجاه عصابات المخدرات على أنه قرار سياسي. وأظهرت تقارير إعلامية مختلفة، إلى أن الأعوام الأخيرة شهدت، ارتفاع بالهجمات والمضايقات وحتى عمليات الاغتصاب، لسكان الحي، من قبل أفراد عصابات، مما قوض روح التضامن والحرية والسلامة التي كانت في السابق من سمات إخسارخيا.

وفي ذات الوقت، فإن الاستطباق المستمر لوسط أثينا ("تطوير" المنطقة المرتبط باستبدال الفقراء بالأغنياء)، كالمسمار الأخير في نعش الحي؛ وربما كان الترويج لسياسة "التأشيرة الذهبية"، أي برامج استقبال المهاجرين المستثمرين، والغياب المتعمد إلى تنظيم شقق الإيجار المتعاقدة أو التابعة لشكرة "Airbnb"، الإستراتيجية الأقوى لضمان تآكل التضافر الذي لطالما كان الحي منزلا له، وكلا السياسيتين دعمتهما حكومة "سيريزا" كبديل للاقتصاد المتداع والافتقار إلى أي خطة موثوقة أو قابلة للتطبيق لإنقاذ البلاد من الركود وزيادة الفقر.

وبالنسبة للحكومة الحالية، فإن الاستهداف الأخير لإخسارخيا، فرصة لضرب عصفورين بحجر واحد؛ أي توجيه ضربة لروح المعارضة المرتبطة بالحي وتطهير المنطقة للسياح والمستثمرين.

لكن هذا الاستهداف أيضا، هو جزء من خطة أكبر ترى أن "التسوية" تكمن في تقليص متزايد لحقوق المعارضين والمحتجين، وقد مُدد الحد الأدنى للعقوبة المفروضة على المدانين بتهم "الإرهاب" من 17 عامًا إلى 22 عامًا، في حين تم تشديد شروط الإفراج عنهم وزيادة العقوبات المفروضة على انتهاكات المراقبة؛ كما رُفعت العقوبات المفروضة على أعمال الشغب واستخدام قنابل المولوتوف، ووُسع نطاق قوانين التعدي على ممتلكات الغير، خاصة لاستهداف الاحتجاجات التي تدخل المباني "بشكل غير قانوني".

ويشتمل "الوضع الطبيعي الجديد" أيضًا على مشروع قانون يضع حدودا جديدة للحق في الاحتجاج ويستهدف المتظاهرين مباشرةً، والذين يتعين عليهم الآن اتباع إجراءات أكثر صرامة لضمان عدم تعطل حركة المرور والتجارة في المدينة. وكل هذا ما هو إلا خطوة أخرى نحو أسلوب حكم أكثر قمعية وانضباطية، وهو شرط ضروري لانتصار الليبرالية الاستبدادية.

تبحث عقيدة فرض "النظام بدون قانون"، التي تتبعها الحكومة الجديدة، ونوع الهيمنة التي تمثلها، على كبش فداء، و"عدو في الداخل" للانقضاض عليه. ومع ذلك، قد يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الجذور الأعمق لهذه الخسارة، فلأكثر من أربعين عاما، مثّل إخسارخيا روح المعارضة والتضافر، وأمل تحقيق الديمقراطية الراديكالية المبنية على التنوع وتخريب سلطة "الطبيعيين". ومثلما تفعل هجمات الحكومة الجديدة، فإن تقويض هذه الروح يبشر بمستقبل قاتم للمدافعين عن الحقوق الديمقراطية، في بلاد تعاني من نظام تقشف لا ينتهي.

التعليقات