13/04/2020 - 00:23

هكذا تعمل المناعة ضد فيروس كورونا

إجراء الأبحاث هو سلاحنا السري. ويبذل العلماء اليوم مجهودا جادا لفهم "كوفيد-19"، والتعاون في ما بينهم هو مفتاح هذا المجهود. ولكن حتى توفُّر اللقاح أو العلاج للفيروس، تقع علينا مسؤولية حماية أنفسنا وعائلاتنا، عبر العزل ومنع انتقال العدوى باتّباع التباعد

هكذا تعمل المناعة ضد فيروس كورونا

في أحد المختبرات الألمانية (أرشيفية - أ ب)

في ما يلي ترجمة بتصرف، خاصة بـ"عرب 48"، لمقالِ الكاتبة زانيا ستاماتاكي، المحاضرة والباحثة في علم المناعة الفيروسية بجامعة برمنغهام في بريطانيا.


بصفتي ابنة لممرضة وضابطٍ في سلاح الجو، لطالما كنتُ مفتونة بالأنظمة الدفاعية، وليس هناك نظام دفاع أكثر إثارة للإعجاب من نظام المناعة البشري، إذ أنه مجهز بترسانة غنية للدفاع عن جسد الإنسان من أنواع مختلفة من الأمراض ومسبباته. وقد تطورت الفيروسات وكيّفت نفسها لتخدع هذه الدفاعات وتتجاوزها وتهرب منها. وبدورها، تعلمت أنظمتنا المناعية كيفية التعرف على تكتيكات التخفي التي يتبعها الفيروس، وطرق ردعه، وفي حالة فيروس "كوفيد-19" (كورونا)، فإن العدو الأساسي للمناعة هو قطعة صغيرة من المادة الوراثية تغلفها طبقة دهنية وتاج بروتيني.

إذن، كيف يستطيع نظام المناعة البشري، أن يدافع عن الجسد ضد العدوى الفيروسية، وكيف ينطبق ذلك على فيروس كورونا؟ أُطلق على الفيروس المسبب لكوفيد-19، "سارس-كوف-2"، واكتُشف لأول مرة في البشر قبل نحول خمسة أشهر. وهو فيروس تاجي، إذ أن كلمة "كورونا" اليونانية تعني التاج، فتُزين الفيروس بطبقة خارجية من البروتين مغطاة بنتوءات على شكل مسامير ما يجعله مشابها لمظهر التاج. وتساعد هذه المسامير الفيروس على الالتصاق بالخلايا المستهدَفَة.

ويخوض المجتمع العلمي عملية تعلم سريعة حول الحصانة من "كوفيد-19"، مؤخرا، ويطبق الباحثون أيضًا معرفتهم السابقة بفيروسات الجهاز التنفسي المماثلة للتنبؤ بما يمكن توقعه من هذه العدوى.

بائع أميركي في نيويورك (أ ب)

لنتصور الفيروس كما لو أنه إنسان آلي (روبوت)؛ هذا يجعله غير قادر على التكاثر بشكل طبيعي، لذا، فإنه في سبيل تطوير نسخ إضافية له، فهو يحتاج لمصنع مواد، وفي حالتنا فهي البروتينات والدهون والنيوكليوتيدات.

ويتيح الغلاف دهني للفيروس الالتصاق بالغشاء الخلوي للخلية المستهدفة، ومن ثم يلتحم الفيروس بالخلية وينشر قائمة تعليمات حول كيفية بناء وتجميع فيروسات جديدة، وهذه القائمة، هي عبارة عن الشريط الوراثي (الجينوم) الخاص بالفيروس، وهي مكتوبة بالنيوكليوتيدات (الحمض النووي الريبوزي). وتنطوي المهمة الأولى للفيروس الذي يخترق جسد الإنسان، على غزو الخلايا المستهدفة بحيث يتمكن من إزالة غلافها الدهني ونشر الحمض النووي الريبوزي الخاص بها دون إزعاج.

وبمجرد دخوله، يسيطر الفيروس على الخلية ويسرق "الآلات" الخلوية لإنتاج المزيد من الفيروسات قبل أن تكتشف الخلايا المناعية هذا التسلسل لتدق ناقوس الخطر. وتسمى بروتينات الأجسام المضادة القادرة على الالتصاق بمسامير البروتينات التي تغلف الفيروس، وتمنع التصاقه بالخلايا المستهدفة، المضادات المناعية المُحيِّدة، والتي غالبًا ما يهدف أي لقاح وقائي إلى تحفيز إنتاجها.

بائع في نيويورك (أ ب)

وتقوم الخلايا المصابة بالتضحية بنفسها عبر إرسال إشارات استغاثة للخلايا التائية، والتي تكتشفها وتقتلها بسرعة. الخلايا التائية مُسِمّة للخلايا، فهي عبارة عن مجموعة من الخلايا القاتلة القوية والتي يمكنها تحديد شظايا الببتيد للفيروسات الموجودة على سطح الخلية المصابة. وعندما تفعل ذلك، فهي تطلق شحنة من الإنزيمات السامة التي تقتل الخلية المصابة. ويُنظم الجهاز المناعي هذه التضحية التي تقوم بها الخلية المصابة، لحرمان الفيروس من مصانع التكاثر التي سيطر عليها، ويمكن أن تؤدي إلى تقليل العبء الفيروسي لدى المريض. ويستغرق توسيع الخلايا التائية وتوليد الأجسام المضادة للفيروسات عدة أيام.

أما الجانب المشرق من العملية، فيكمن في أن خلايا الذاكرة (المناعية) تضمن أننا إذا ما واجهنا الفيروس ذاته مرة أخرى، بإمكاننا أن نتفاعل فورًا عبر الدفاعات الموجودة مسبقًا. ويُعد "سارس-كوف-2" فيروسا جديدا على البشرية، لذا فليس لدينا ذاكرة مناعية وقائية ضده. ويمكن للّقاحات التي تُطور باستخدام أجزاء غير ضارة من الفيروس أن تساعد في بناء ذاكرة وقائية ضده.

ويُعد انتشار الفيروس أقوى خاصية لديه. ويحقق ذلك من خلال "التناثر" من المرضى المصابين به. و"سارس-كوف-2" خبير بالانتقال من شخص إلى آخر، ويتسلل خلسة إلى أجساد بعض الأشخاص محافظا على تستره مع أعراض خفيفة أو معدومة. وبمجرد إنتاج نسخ عديدة من الفيروس في الجسد، يُصبح الفيروس بحاجة إلى الانتقال لجسد مضيف آخر. ويتخذ من القطرات التي تخرج عبر السعال أو العطاس، وسيلة للانتقال يُمكنه الوصول عبرها لمسافة تبعد مترين، ويمكن للقطرات أن تعيش على الأسطح لعدة ساعات مما يتيح التقاطها من قبل مضيف جديد، أو يمكن استنشاقها مباشرة إذا كان شخص آخر على مقربة.

معالجة مريض إسبانيّ (أرشيفية أ ب)

وتتزايد الدراسات على المضيفات الحيوانية للفيروس، وحتى الآن، اكتُشف وجوده في عدد قليل من أنواع النموس والقطط والنمور والكلاب. ولم تذكر أي تقارير حتى الآن، نفوق حيوانات أُصيبت بالمرض، ولا نعرف ما إذا كان بإمكان الحيوانات نقل الفيروس إلى البشر.

ويشير الفارق العمري في الوفيات نتيجة "كوفيد-19"، مع بعض الاستثناءات، إلى أن نظام المناعة الصحي قادر عادة على السيطرة على العدوى. وفي المقابل، فإن الأنظمة المناعية الضعيفة أو الهرمة، قد تواجه صعوبة في نشر ترسانتها الوقائية. والأهم من ذلك، هو أن "سارس-كوف-2" لا يُمكنه دخول منازلنا أو أجسادنا بمفرده دون أن نسمح نحن له بهذا الاقتحام. ولهذا السبب تمحورت النصائح الرسمية حول تنظيف أيدينا وتجنب لمس وجوهنا.

ونحن نعلم أن جهاز المناعة الصحي قادر عادةً على القضاء على العدوى في غضون أسبوعين. ومع ذلك، ليس لدينا فهم لمكونات ترسانتنا المناعية التي تساهم في هذا الإنجاز؛ وتعمل بعض اللقاحات عن طريق إنشاء مضادات مناعية مُحيِّدة قوية؛ في حين تعمل اللقاحات الأخرى على توليد خلايا ذاكرة تائية قوية. وتظهر الأجسام المضادة للفيروسات خلال ثلاثة إلى أربعة أيام من اكتشاف الفيروس، ولكن هل تحمي من الإصابة مرة أخرى في المستقبل؟

سيدة تقي نفسها من الفيروس في نيويورك (أ ب)

نعتقد أن الأجسام المضادة للفيروسات التاجية الأخرى (سارس، وميرس) تعيش لمدى عام أو ثلاثة أعوام. ولأن هذا فيروس جديد، لا نملك حتى الآن إجابة على السؤال أعلاه. وتقوم منظمة الصحة العامة في بريطانيا اليوم، بتجنيد ما بين 16 ألفًا وحتى 20 ألف متطوع لمراقبة الأجسام المضادة لديهم، مرة شهريا لمدة 6 إلى 12 شهرًا لتأكيد ما إذا كان بإمكاننا توليد استجابات الأجسام المضادة طويلة الأمد لـ"سارس-كوف-2". إن تحديد جودة هذه الأجسام المضادة سيكون مهمًا لفهم الحماية على المدى الطويل.

ما هو أقوى سلاح مناعة لدينا ضد "كوفيد-19"؟ قد تلعب الخلايا التائية السامة للخلايا دورا مهما في ذلك. ويعمل أخصائيو المناعة وعلماء الفيروسات معًا لاكتشاف ارتباطات الحماية، بهدف تصميم لقاحات توفر حماية طويلة المدى ضد "كوفيد-19". ويفيد الاستثمار في الأبحاث على مدار الأعوام الماضية، بتمكيننا من استخدام المناهج الحالية للرد على هذا التهديد الجديد، والتعبئة المبكرة لممولي الأبحاث، والداعمين الخيريين والأكاديميين باتت تحوّل الموارد لدعم هذه الجهود على نطاق غير مسبوق. وعلمتنا التجربة أن اللقاحات قادرة على القضاء على العدوى عن سطح الأرض، والجدري أفضل مثال على ذلك، ويُمكن للأدوية المضادة للفيروسات التي لا تدمج مادتها الجينية في حمضنا النووي مثل تلك المضادة لالتهاب الكبد الوبائي، أن تحقق هذه الغاية أيضا.

إجراء الأبحاث هو سلاحنا السري. ويبذل العلماء اليوم مجهودا جادا لفهم "كوفيد-19"، والتعاون في ما بينهم هو مفتاح هذا المجهود. ولكن حتى توفُّر اللقاح أو العلاج للفيروس، تقع علينا مسؤولية حماية أنفسنا وعائلاتنا، عبر العزل ومنع انتقال العدوى باتّباع التباعد الاجتماعي، واستخدام أقنعة الوجه والحفاظ على النظافة. إذا قمنا جميعًا بدورنا، فلن يكون لهذا الفيروس الصغير الذي يتخذ العالم رهينة، أي فرصة للانتصار علينا.

التعليقات