24/05/2022 - 21:10

كارثة الغذاء القادمة

لا بد من إشراك ثلاثة دول في الحل: على روسيا أن تسمح لأوكرانيا بشحن بضائعها، ويتعين على أوكرانيا أن تزيل الألغام من ميناء أوديسا، وعلى تركيا أن تسمح لسفن الحراسة البحرية المرافقة بالدخول عبر مضيق البوسفور

كارثة الغذاء القادمة

(Getty Images)

في ما يلي ترجمة خاصّة بموقع "عرب 48" لتقرير أورده موقع "The Economist" المتخصص بالاقتصاد.

ترجمة: أنس سمحان.


يدمّر الرئيس الروسيّ، فلاديمير بوتين، من خلال غزوه لأوكرانيا، حياة الأشخاص البعيدين عن ساحة المعركة، وقد يدفع نطاق التدمير هذا ببوتين نفسه للندم، إذ تضرب الحرب نظامًا غذائيًّا عالميًّا أضعفته جائحة كورونا، وتغيُّر المناخ، وأزمة الطاقة العالميّة.

توقفت صادرات أوكرانيا من الحبوب والبذور الزيتية في معظمها نظرًا للحرب، كما أن روسيا نفسها صارت مهددة. يوفر البلدان معًا 12% من السعرات الحراريّة المتداولة عالميًّا؛ ارتفعت أسعار القمح بنسبة 53% منذ بداية العام، وقفزت بنسبة 6% أخرى في 16 أيار/ مايو، بعد أن قالت الهند إنها ستعلِّق الصادرات بسبب موجة الحرٍّ المُقلقة.

استخدام مصطلح "أزمة تكلفة المعيشة" لا يوفي الأزمة حقَّها. حذّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 18 أيار/ مايو من أن الأشهر المقبلة، تهدِّد "بشبح نقص الغذاء العالميّ" والذي قد يستمر لسنوات. لقد أدت التكلفة المرتفعة للأغذية الأساسية بالفعل إلى زيادة عدد الأشخاص الذين لا يستطيعون الوصول إلى ما يكفي من الطعام من 440 مليونًا إلى 1.6 مليار، منهم أكثر من 250 مليون بشريّ على شفير المجاعة.

(Getty Images)

وإذا استمرت الحرب، المتوقّع استمرارها، ولو بقيت الإمدادات من روسيا وأوكرانيا محدودة، فقد يقع مئات الملايين من الناس الآخرين تحت براثن الفقر، وسيؤدّي هذا إلى انتشار الاضطرابات السياسية، وسيُصاب الأطفال بالتقزُّم وسيموت الناس جوعًا.

يجب ألا يستخدم بوتين الغذاء كسلاح، وألّا يكون نقص الغذاء نتيجة حتميّة للحرب، وعلى قادة العالم أن ينظروا إلى الجوع على أنه مشكلة عالميّة تتطلب حلّاً عالميًّا عاجلًا.

تشكّل صادرات روسيا وأوكرانيا 28% من القمح المتداوَل عالميًا، و29% من الشعير، و15% من الذرة، و75% من زيت عباد الشمس. تساهم روسيا وأوكرانيا بنحو نصف الحبوب التي يستوردها لبنان وتونس، وثلثيها في ليبيا ومصر. توفر الصادرات الغذائية الأوكرانية السعرات الحرارية لإطعام 400 مليون شخص، وتعطل الحرب هذه الإمدادات، لأن أوكرانيا لغّمَت مياهها لردع أي هجوم آتٍ، وتحاصِر روسيا ميناء أوديسا.

(Getty Images)

حذّر برنامج الغذاء العالمي حتى قبل الحرب الروسية الأوكرانيّة من أن عام 2022 سيكون عامًا فظيعًا. وقالت الصين، أكبر منتج للقمح، إنه بعد هطول الأمطار التي أخّرت الزراعة العام الماضي، قد يكون محصول هذا العام هو الأسوأ على الإطلاق، والآن، بالإضافة إلى درجات الحرارة المرتفعة في الهند، ثاني أكبر منتج في العالم، يهدّد نقص الأمطار باستنزاف الغلّة في سِلال الخبز الأخرى، من حزام القمح الأميركي إلى منطقة بوس في فرنسا. كما يعاني القرن الإفريقي من أسوأ موجة جفاف منذ أربعة عقود؛ مرحبا بكم في عصر تغيُّر المناخ.

كل هذا سيكون له تأثير خطير على الفقراء، إذ تنفِق الأسَر في الاقتصادات الناشئة 25% من ميزانياتها على الغذاء، وفي إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يصل إنفاق إلى 40%. كما يُشكّل الخبز 30% من السعرات الحرارية المُستهلَكة في مصر، ولا تستطيع الحكومات في العديد من البلدان المُستورِدة، تحمُّل الإعانات لزيادة مساعدة الفقراء، وبخاصة إذا كانت تلك البلدان تستورد الطاقة أيضًا، وهو سوق آخر في حالة اضطراب.

قد تتفاقم الأزمة أكثر. لا تزال روسيا قادرة على بيع حبوبها، على الرغم من التكاليف الإضافيّة والمخاطر التي يتعرّض لها الشاحنون. ومع ذلك، إن مخازن الحبوب الأوكرانية التي لم يتلفها القتال لا تزال تعجّ بالذرة والشعير. ليس لدى المزارعين مكان لتخزين محصولهم القادم الذي يبدأ في أواخر حزيران/ يونيو، وبالتالي قد يتعفّن. وهم الآن يفتقرون إلى الوقود والأيدي العاملة اللازمة لزراعة محصول الموسم الذي يليه. قد تفتقر روسيا من جانبها إلى بعض الإمدادات من البذور والمبيدات الحشريّة التي تشتريها عادة من الاتحاد الأوروبيّ.

(Getty Images)

وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الحبوب، قد لا يعوّض المزارعون في أماكن أخرى من العالم، النَّقص، وأحد الأسباب هو أنّ الأسعار متقلّبة. والأسوأ من ذلك أنّ هوامش الربح آخذة في الانكماش بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة والطاقة. هذه هي التكاليف الرئيسيّة التي يتحمّلها المزارعون، وكلا السوقين معطَّل بسبب العقوبات والتسابُق على الغاز الطبيعيّ. إذا قلَّل المزارعون من استخدام الأسمدة، فستكون الغلّات العالميّة أقلّ في الوقت غير المناسب لتكون كذلك.

قد تزيد استجابة السياسيين القلقين الطين بِلّة، إذ أعلنت 23 دولة منذ بدء الحرب، من كازاخستان إلى الكويت، قيودًا صارمة على صادرات المواد الغذائيّة التي تغطي 10% من السعرات الحراريّة المتداولة عالميًّا، وصرَّحت إندونيسيا الشهر الماضي، مصدر 60% من زيت النخيل في العالم، إنها ستحظر الصادرات. أكثر من خمس صادرات الأسمدة مُقيَّدة، وإذا توقّفت حركة التداول، فلا مهرَب من المجاعة!

المشهد مُهيَّأ لإلقاء أصابع الاتهام، إذ يدين الغرب بوتين لغزوهِ، وروسيا تشجب العقوبات الغربيّة. وصحيحٌ أنّ الاضطرابات في الحقيقة ناتجة في المقام الأول عن غزو بوتين، إلا أن بعض العقوبات أدّت إلى تفاقمها كذلك، ويمكن استغلال كلّ هذا بسهولة ذريعةً للتقاعُس. وفي تلك المنطقة بين التقاعُس والفِعل، سيجوع ملايين الناس، وسيموت بعضهم.

(Getty Images)

يتعيّن على الدول أن تعمل معا، بدءا من إبقاء الأسواق مفتوحة، وينبغي لأوروبا أن تساعد أوكرانيا على تصدير حبوبها عبر السِّكك الحديديّة والطرق إلى موانئ في رومانيا أو دول البلطيق، على الرغم من أن أكثر التوقعات تفاؤلًا تشير إلى أن 20% فقط من المحصول يمكن أن يخرج بهذه الطريقة. تحتاج الدول المستوردة إلى الدعم أيضًا، حتى لا ينتهي بها الأمر إلى الالتزام بدفع فواتير ضخمة. يجب أن تذهب الإمدادات الطارئة من الحبوب إلى أفقر الناس فقط. وبالنسبة للبلدان أخرى، فإنّ تمويل الواردات يجب أن يكون بشروط مواتية، وربما يتمّ توفيره من خلال صندوق النقد الدوليّ، والذي من شأنه أن يسمح لدولارات المانحين بالمِضيّ قدمًا. قد يساعد الإعفاء من الديون أيضًا على تحرير الموارد الحيوية.

ويمكننا أيضًا طرح فكرة استبدال الاستفادة من محصول بمحصول، فنحو 10% من جميع الحبوب تُستخدم لصنع الوقود الحيوي و18% من الزيوت النباتية تُستخدم لصناعة وقود الديزل. وقد أضعفت فنلندا وكرواتيا الشروط والقرارات التي تتطلب اشتمال البترول على الوقود المُنتج من المحاصيل. يجب على الآخرين أن يحذوا حذوهم. تستخدم كمية هائلة من الحبوب لتغذية الحيوانات. وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المُتحدة، تمثل الحبوب 13% من الأعلاف الجافة التي تأكلها الماشية. واستوردت الصين في عام 2021 نحو 28 مليون طن من الذرة لإطعام الخنازير، أي أكثر من صادرات أوكرانيا في عام.

يأتي الحل عبر كسر الحصار المفروض على البحر الأسود. ما يقرب من 25 مليون طن من الذرة والقمح، أي ما يعادل الاستهلاك السنوي لجميع الاقتصادات الأقلّ نموًا في العالم، محاصر في أوكرانيا. ولا بد من إشراك ثلاثة دول في هذا الحل: على روسيا أن تسمح لأوكرانيا بشحن بضائعها، ويتعين على أوكرانيا أن تزيل الألغام من ميناء أوديسا، وعلى تركيا أن تسمح لسفن الحراسة البحرية المرافقة بالدخول عبر مضيق البوسفور.

(Getty Images)

لن يكون تطبيق هذا سهلا، حيث تحاول روسيا التي تكافح في ساحة المعركة، خنق الاقتصاد الأوكراني. أوكرانيا مترددة في إزالة الألغام، وسيكون إقناعهم بالرضوخ مهمة تقع على عاتق عددٍ من البلدان، بما في ذلك الهند والصين، اللتان نأتا بنفسيهما عن الحرب. وقد تتطلب القوافل مرافقين مسلحين يصادِق عليهم تحالُف واسع من الدول. تقع مسؤولية إطعام هذا العالم الهشّ على الجميع دون استثناء.

التعليقات