31/01/2024 - 19:42

محكمة العدل الدولية توبّخ إسرائيل والولايات المتحدة بحكمها

في توبيخٍ واضح وصريح لإسرائيل والولايات المتحدة، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بوقف انتهاكاتها لاتفاقية الإبادة الجماعية. وهذا انتصار لحركة الحقوق الفلسطينية والمدنيين في غزة...

محكمة العدل الدولية توبّخ إسرائيل والولايات المتحدة بحكمها

مظاهرة مؤيّدة للفلسطينيّين أمام محكمة العدل الدوليّة (Getty)

قرأت القاضية جوان دونوغو، رئيسة محكمة العدل الدولية، أمر المحكمة، الذي يوجب على إسرائيل الالتزام باتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية، في وقت سقوط القنابل على رؤوس المدنيين في قطاع غزّة. ووجدت المحكمة وجود احتمالية انتهاك إسرائيل للمعاهدة الدولية، المعروفة رسميًا باسم اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وأمرت إسرائيل، في حكمها بأغلبية ستة عشر صوتًا مقابل اثنين، بوقف انتهاكاتها، بما في ذلك القتل والتعذيب وفرض ظروف معيشية على الفلسطينيين تهدف إلى تدميرهم جسديًا بوصفهم شعبًا. وفي حكمين بواقع 16 إلى 1، أعلنت محكمة العدل الدولية أيضًا أنه يجب على إسرائيل حظر التحريض على الإبادة الجماعية من قبل كبار القادة الإسرائيليين والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.

والجدير بالذكر أن المحكمة فشلت في الدعوة إلى وقف إطلاق النار. ومع ذلك، أشادت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور، خارج المحكمة في لاهاي، بالقرار. وقالت: «يتوجب على إسرائيل وقف إطلاق النار لتنفيذ أحكام المحكمة، وبدونه، لن تُنفّذ». واعتبرت الأوامر الملزمة بمثابة توبيخ خطير ليس لإسرائيل فحسب، بل لمؤيديها الأقوياء في حكومة الولايات المتحدة.

خلفية القضية

آثار الدمار إثر القصف الإسرائيليّ على غزّة (Getty)

في أواخر ديسمبر/كانون الأول، بدأت جنوب إفريقيا إجراءات رفع التماسٍ ضد إسرائيل بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، إذ يوافق الموقعون على المعاهدة على سلطة محكمة العدل الدولية في تفسيرها. وقد سمحت محكمة العدل الدولية لأي موقّع على المعاهدة، وليس فقط أولئك الذين وقّعوا على ضحايا الإبادة الجماعية، بمقاضاة أي موقّع آخر ينتهك الاتفاقية.

سوف تستغرق قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل وقتًا طويلًا قبل تسويتها بالكامل، لكن بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، يمكن لأي طرف أن يطلب اتخاذ تدابير مؤقتة في انتظار نتيجة القضية. ولا تُمنح مثل هذه التدابير إلا في ظروف استثنائية. وفي حين أنهم لا يطلبون من المحكمة أن تثبت وقوع جريمة إبادة جماعية، مثل هذا القرار سيتّخذُ في وقت لاحق، إلا أنهم يشترطون أن تكون ادعاءات الإبادة الجماعية معقولة (محتملة)، كما أنها تتطلب استنتاجًا من المحكمة مفاده أنه بدون هذه التدابير، سيحدث ضرر لا يمكن إصلاحه للحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية.

قدمت جنوب إفريقيا خلال المرافعات الشفوية في وقت سابق من هذا الشهر حجة قوية مفادها أن مثل هذه الخطوات كانت ضرورية. وقدم محاموها تفاصيل عن الخسائر الفادحة في أرواح المدنيين والتدمير المتعمد للبنية التحتية المدنية. ووصفوا كيف أدى القصف الإسرائيلي المتواصل إلى تشريد الفلسطينيين، وتسبب في بتر أطراف الأطفال دون تخدير. وروى هؤلاء كيف طلبت إسرائيل من الفلسطينيين الفرار أو التعرض للقصف، ثم لتقصفهم وهم في طريقهم إلى المناطق الآمنة المفترضة، وفي المناطق الآمنة نفسها. وأوضحوا كيف تم استهداف المستشفيات، وحرمانهم المدنيين من الغذاء والماء والدواء. ومن بين الضحايا المدنيين، كان هناك مسعفون وموظفون في الأمم المتحدة وصحفيون، ويبدو أن بعضهم، على الأقل، قد تعرض للاستهداف المتعمد.

وقالت جنوب إفريقيا إن طبيعة هذه الهجمات الواعية والمروعة على المدنيين تشير ضمنًا إلى نية الإبادة الجماعية. لكنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك، مستشهدين بتعليقات مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى أظهرت نية واضحة للإبادة الجماعية. وقد اعترض الفريق القانوني الإسرائيلي على كل جانب من جوانب قضية جنوب إفريقيا تقريبًا. وأصروا على أن محكمة العدل الدولية تفتقر إلى الاختصاص القضائي للنظر في القضية لأنه لا يوجد نزاع بين جنوب إفريقيا وإسرائيل. لقد شككوا في دقة إحصاء القتلى، في حين أشاروا ضمنا إلى أن القتلى ربما قتلوا على يد حماس، أو أنهم كانوا مقاتلين، أو إذا كانوا مدنيين، فإن إسرائيل لديها ما يبرر قتلهم.

ولكن في انتقاد توبيخي مفاجئ لإسرائيل، رفضت الأغلبية الساحقة من أعضاء المحكمة، بما في ذلك في بعض الحالات قاض خاص اختارته إسرائيل، هذه الحجج. وكان حكم اليوم بمثابة انتصار حاسم لجنوب إفريقيا.

الانتهاكات الصارخة

مقبرة جماعيّة لشهداء في غزّة (Getty)

في تدابيرها المؤقتة المقترحة، أدرجت جنوب إفريقيا وقف كافة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، أي وقف إطلاق النار. وهو لم يقرّه حكم اليوم. وفي حين أن محكمة العدل الدولية لم ترفض صراحة الدعوة إلى وقف إطلاق النار، إلا أنها لم تأتِ على ذكره. وكان بوسع محكمة العدل الدولية، بل وكان ينبغي لها، أن تأمر إسرائيل بالوقف الكامل لهجومها على قطاع غزة. ولكن لا بد من الإشارة إلى أنه عندما طلبت البوسنة والهرسك اتخاذ إجراء مؤقت مماثل ضد يوغوسلافيا في التسعينيات، لم توافق محكمة العدل الدولية على ذلك بالمثل. ورغم أن جنوب إفريقيا كانت على حق في إثارة هذه القضية بشكل مباشر، إلا أنه كان من المستبعد إلى حد كبير أن توافق عليها محكمة العدل الدولية. وفي الوقت نفسه، كما أشارت وزير خارجية جنوب إفريقيا باندور والمقررة الخاص للأمم المتحدة المعني بالأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، فمن الصعب أن نرى كيف يمكن لإسرائيل أن تمتثل لأمر بوقف قتل وجرح الفلسطينيين في غزة دون وقف إطلاق النار.

ما يثير الدهشة هو مدى الإجماع على الأحكام تقريبًا. مثل العديد من المراقبين، كنت أتوقع حدوث انقسام جزئي على الأقل بين هؤلاء القضاة من الشمال العالمي وأولئك من الجنوب العالمي. رئيسة المحكمة، دونوغو، محامية في وزارة الخارجية الأميركية، وعملت في منصبها هذا مستشارةً قانونية للولايات المتحدة خلال قضية محكمة العدل الدولية «نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة»، والتي وجدت خلالها محكمة العدل الدولية أن الولايات المتحدة انتهكت القانون الدولي في جهودها للإطاحة بالساندينيين. كانت دونوغو مع الأغلبية كل أحكام المحكمة ضد إسرائيل.

تتكون محكمة العدل الدولية عادة من خمسة عشر قاضيًا. وعندما لا يكون أي من القضاة من دولة طرف في النزاع، يحق لتلك الدولة تعيين قاض من جنسيتها. وعينت كل من جنوب إفريقيا وإسرائيل قاضيًا خاصًا، مما رفع عدد القانونيين إلى سبعة عشر. وفي اثنين من الأوامر الستة، انضم القاضي الإسرائيلي إلى الأغلبية، تاركًا المحامية الأوغندية جوليا سيبوتيندي باعتبارها المعارضة الوحيدة. باختصار، كانت انتهاكات إسرائيل فظيعة إلى حد أن موظفًا محترفًا في وزارة الخارجية الأميركية، وقاضيها المختار أصدر حكمًا ضدها.

"حكم كبير"

فريق جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدوليّة (Getty)

ووصف فرانسيس بويل، أستاذ القانون الدولي الذي قاد الجهود القانونية التي بذلتها البوسنة والهرسك ضد يوغوسلافيا في محكمة العدل الدولية، حكم اليوم بأنه «نصر قانوني هائل وساحق لجمهورية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل نيابة عن الفلسطينيين». وأشار إلى أنها مهدت الطريق أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لتعليق عضوية إسرائيل ومحاكمة المسؤولين الإسرائيليين.

ليست جنوب إفريقيا الدولة الوحيدة التي تسعى إلى تطبيق اتفاقية الإبادة الجماعية. رفع مركز الحقوق الدستورية، ومقره الولايات المتحدة، دعوى قضائية أمام المحاكم الأميركية نيابة عن منظمتين غير حكوميتين فلسطينيتين ضد الرئيس جو بايدن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. ومن المقرر، اليوم، إجراء المرافعات الشفهية حول ما إذا كان سيتم رفض القضية «الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال وفلسطين ضد بايدن.

لقد صدق الكونجرس الأميركي على اتفاقية الإبادة الجماعية، وهو ما يعني بموجب الدستور الأميركي أنها «القانون الأعلى للبلاد»، ولا تحظر الاتفاقية ارتكاب الإبادة الجماعية فحسب، بل تحظر أيضًا التواطؤ فيها. من غير المرجح أن تصدر محكمة أميركية توبيخًا مباشرًا للسياسة الخارجية الأميركية على أساس اتفاقية الإبادة الجماعية، لكن حكم اليوم يوفر دفعة قوية للقضية المرفوعة ضد بايدن وبلينكن.

لن تنتهي الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ولا دعم الولايات المتحدة لسياسات الفصل العنصري التي تمارسها بجرّة قلم من القاضي. والقانون ليس بديلا عن النضال السياسي. لكن النصر الذي تحقق في محكمة العدل الدولية هو انتصار لحقوق الفلسطينيين بشكل كبير، ومن شأنه أن يساعد في بناء الحركة لإنهاء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.


** نُشر هذا المقال في في موقع "جاكوبين".

التعليقات