جديد حنان الشيخ - رواية "امرأتان على شاطىء البحر" والتركيز على التمييز في معاملة النساء

جديد حنان الشيخ - رواية
تتناول الروائية اللبنانية حنان الشيخ فى عملها الاخير ومن خلال نموذجين اجتماعيين صفحة واحدة محدودة من حياة امرأتين تتركز على التمييز فى معاملة النساء وذلك عبر رمز هو البحر. وعلى الرغم من ان المشكلات الانسانية التى واجهتها الاثنتان صحيحة الى حد بعيد فالقارىء يجد نفسه امام خيارين.. الاول ان يقرأ الرواية على انها واقعية كليا وفيها فعلا اشياء مقنعة لكنها تبقى محدودة لا تتناول من حياة الاثنتين المتشعبة والكثيرة الالوان الا علاقتهما بالبحر فتتحول الشخصيتان الى نموذجين يمثلان موقفا فكريا لكنهما اشبه بخيطين طويلين متوازيين من خيوط عديدة فى الشخصية البشرية الحافلة بالخيوط المختلفة.

والخيار الثانى هو اعتبار البحر رمزا يختصر كل ما له علاقة بالحرية والحرمان والاحلام البسيطة الممنوعة والمشاعر المقموعة عند المرأة فى هذه المنطقة من العالم. وهنا نجد ان الامر قد يراوح بين الواقعى والرمزى لتقول الكاتبة ما معناه ان المرأة فى بلداننا ليست حرة فى استعمال فكرها ومشاعرها كما تشاء ولا هى حرة فى استعمال جسدها فى مجالات بسيطة كالسباحة مثلا طلبا للراحة والصحة اساسا.

ويبدو لك ان هذه القراءة هى الفضلى للاطلال على عمل حنان الشيخ الروائى الاخير الذى صدر باسم "امرأتان على شاطىء البحر" عن دار الآداب ببيروت فى 95 صفحة.
وتستخلص مع حنان ان المرأة الشرقية ,والمثل هنا هو لبنان, قد تكون عامة وبقدر من النسبية اكثر حرية فى التصرف اجتماعيا وشخصيا عند الطوائف المسيحية العربية من اختها فى الطوائف الاسلامية. الا اننا نكتشف فى النهاية ان هذا الشعور المحدود بالحرية عند الاولى لا يلبث ان يتحول الى ما يشبه الوهم اذ تغدو هذه الحرية وسيلة لخدمة وافادة الرجال فى العائلة فكان عليها ان تخدمهم مجانا باسم المحبة.

وفى المحصلة النهائية نجد ان الفتاة المسلمة حرمت من قدر كبير من حريتها استولى عليه رجال العائلة والعائلة عامة بينما اوهمت الفتاة المسيحية بانها حرة لكن نتاج حريتها ليس دائما لها كفرد بل للجماعة التى يتحكم بها الرجال. اذن فهامش الحرية ما زال محدودا وما زالت سيطرة الرجل قائمة من خلال العائلة وتواطؤ ضمنى قد لا يكون واعيا من نساء العائلة.. الام والاخوات مثلا. فى الرواية شخصيتان. امرأتان لبنانيتان من بيئتين مختلفتين تعيشان فى الغربة. يجمع بين الصديقتين حب للبحر. ايفون المسيحية تمتعت بقدر من الحرية اكبر من قدر صديقتها هدى المسلمة الشيعية. عاشت فى منزل قرب البحر وسبحت فيه منذ صغرها ,انها تسبح مثلما يسبح اخوتها وتصطاد الاسماك وثمار البحر الاخرى فتتلذذ بذلك العائلة ذات الاصل التى تردى وضعها المادى بسبب حرية اخرى مارستها الوالدة فاختارت زوجا من طبقة اجتماعية دون مستوى العائلة. الصديقتان اللتان غربتهما الحرب التقتا فى مدينة ايطالية. ايفون قادمة من كندا حيث عملت واصبحت صاحبة شركة اعلانات وهدى من بريطانيا حيث اصبحت مخرجة مسرحية. دفعهما الشوق الى البحر. لكن تجاربهما فى بلدهما لبنان جعلتهما تختاران بلدا متوسطيا يشبه بلدهما لتتمتعا بما هو جميل فيه وتتجنبا الذكريات المؤلمة. انهما تمارسان فى هذه المدينة حريتهما الكاملة كما تمتعت بها كل منهما فى مغتربها الحر.
ايفون سباحة ماهرة وهدى تحاول اخفاء جهلها السباحة على رغم حبها للبحر الذى كانت تحلم به من بعيد فى قريتها فى جنوب لبنان وترسمه فى دفاترها المدرسية . ومرة او مرتين مرت قربه عند زيارة لبيروت مع الاهل والمدرسة. التجربة الاولى لها فى البحر كانت فى ثوب سباحة مستعار مع بنات من بلدتها كن يذهبن خفية مع قريبات لهن راشدات الى " حمام النسوان"فى بيروت المسقوف كسجن. اما ايفون فقد بقيت تعتبر ادنى من مستوى اخوتها وهى تعتقد ان امها "لم تكن تحب الا اخوتها الصبيان". ونجد الكاتبة فى هذا المجال تمسكت بفكرة صحيحة الى حد ما وهى ثانوية دور المرأة عامة. لكنها لم توفق تماما فى رسم ذلك قصصيا. نجد ان "نقطة الانفجار"بين ايفون ووالدتها جاءت فى شكل حادثة ليست مقنعة. وهى ان ايفون قامت بالغطس فى البحر قافزة عن الصخرة المخصصة لشقيقها فاتهمتها امها باذلال شقيقها قائلة لها بالمحكية اللبنانية "عطبتيه. خصيتيه. الله يخصيك على بكير".

واضح ان الامر يقوم على فكرة شائعة هى ان نجاح المرأة يخلق عقدة عند الرجل. الا انها بقيت فكرة فى الرواية. وتتحدث ايفون الى هدى عن العادات والعقليات البالية فى بلادها وتضحكان منها مدركتين كما تقول ايفون اننا " مسيحى ام مسلم جميعنا ننتمى الى عقلية واحدة".
______________________________________________

(بيروت)

التعليقات