حماس بعيون أميركية../ خالد الحروب

-

حماس بعيون أميركية../ خالد الحروب
يصف دنيس روس المبعوث الأميركي للشرق الأوسط لسنوات طويلة، خصوصاً بين 1988 و2000، كتاباً صدر حديثاً عن حماس بأنه كتاب قيم جداً ويدعو صناع القرار في واشنطن الى قراءته للإستفادة مما فيه عندما يصوغون سياساتهم إزاء الشرق الأوسط. الكتاب يرسم صورة عن الحركة الفلسطينية وكأنها إمبرطورية شر عالمية تمتد من فلسطين، إلى البلدان العربية، إلى أوروبا، إلى الولايات المتحدة واميركا اللاتينية. في كل هذه المناطق ترتكب حماس كل ما قد يخطر على البال من جرائم. فهي متورطة في الإتجار بالمخدرات، وبتزوير بطاقات الإعتماد، والسرقة وتزوير الوثائق والمنتجات، وتهريب السجائر والتهرب من الضرائب، وسرقة وصفات حليب الأطفال لتصنيعها من دون رخصة. كما أنها تعمل على تمويل نفسها وعملياتها عن طريق سرقة حقوق الملكية الفردية في سوق الإعلام وغير ذلك. وتصل قائمة الإتهامات الموجهة لحماس إلى أن أفراداً منها كانوا متورطين في جرائم تصنيع زيوت مغشوشة في الولايات المتحدة!

أما في فلسطين فمن الغرائب التي يسوقها ليفيت في كتابه ليصدم بها القارىء الغربي ان حماس تمارس كل أنواع القسوة و «الإرهاب» الفكري والإجتماعي والعنف الجسدي ضد الفلسطينين الذين لا يخضعون لها. فعلى سبيل المثال نقرأ أن حماس مارست التخويف ضد سكرتيرة كانت تعمل في إحدى المؤسسات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بغية الحصول منها على معلومات أمنية. وعندما رفضت السكرتيرة ضغوط حماس، فإن حماس هددتها ومارست تخويفاً مباشراً ضدها وضد عائلتها وصل إلى حد الضرب الجسدي! وعلى صعيد آخر فإن حماس مارست تهديدات ضد المسيحيين الفلسطينيين بسبب عقيدتهم، وكانت السبب في هجراتهم إلى الخارج. وقائمة التهم تطول أكثر ويجد المؤلف حرية كبرى في سوق ما يريد من تهم من دون إثباتات خصوصاً لقارىء غربي لا يدري اين هي فلسطين أصلاً.

عنوان الكتاب «حماس: السياسة، والعمل الخيري، والإرهاب في خدمة الجهاد» Hamas: Politics, Charity, and Terrorism in the Service of Jihad, by Matthew Levitt., وهو صادر، للغرابة، عن دار جامعة ييل، المعروفة بأنها ناشر رصين ومحترم في العادة. أما المؤلف فهو ماثيو ليفيت الذي شغل مناصب إستخباراتية في إدارة جورج بوش، وعمل قبلها مع الـ «اف بي آي»، ويشتغل حالياً كباحث ومدير لقسم دراسات الإرهاب في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.

عملياً يقدم هذا الكتاب جزءاً من الجواب، وإن بطريقة فاجعة، عن السؤال الآتي: لماذا لا يفهم الساسة الغربيون والرأي العام الغربي القضايا العربية والإسلامية كما هي على واقع الأرض؟ ولماذا تتكون لديهم صورة مخالفة تماماً لذلك الواقع وغالباً سلبية عن الأفراد والمجتمعات والمنظمات والقضايا في المنطقة العربية والإسلامية. فعلى رغم أن هذا الكتاب (وغيره كثير) يطفح بالمغالطات والأخطاء والأفكار المسبقة ولا علاقة له بالأكاديميا والبحث الموضوعي كما سنرى أدناه، فإن روس يطلب إعتماده في صناعة القرار. وإذا كان صناع القرار في واشنطن يبنون سياساتهم وإستراتيجياتهم على كتب ودراسات كدراسة ماثيو ليفيت عن حماس فإن هذا يفسر التوجهات الكارثية التي تنتج عنهم وعن سياساتهم.

يقوم الكتاب على فكرة واحدة وواضحة: حماس حركة إرهابية ولا فرق بين أجنحتها السياسية والإجتماعية والدينية والعسكرية، فكلها إرهابية وكلها يجب أن تحارب. ولتعزيز هذه الفكرة فإن المؤلف يستخدم كماً كبيراً، وإن كان ذا قيمة علمية ضحلة، من المعلومات الأمنية الإستخباراتية الأميركية والإسرائيلية والأردنية والإسرائيلية. ويوظف هذه المعلومات في فصول الكتاب التسعة التي تبدأ بتناول أصل حماس وتأسيسها، ثم إستراتيجيتها في «الدعوة»، انتقالاً إلى «الإرهاب وقيادة حماس السياسية»، ثم «الجهاد الإقتصادي»، و «لوجستيات الإرهاب»، وصولاً إلى العمل الخيري لحماس وكيف يستخدم لـ «الإرهاب»، وكيف تحصل حماس على دعم الدول العربية والإسلامية لتحقيق أهدافها. ويختم المؤلف حملته التحريضية بفصل بعنوان «هل ستضرب حماس الغرب؟»، مستنتجاً بأن احتمال تنفيذ عمليات عسكرية من قبل حماس في الدول الغربية ليس سوى مسألة وقت.

من ناحية منهجية، ينتمي كتاب ليفيت إلى تيار متصاعد في القراءات الغربية الخاصة بالحركات الإسلامية وحركات العنف السياسي بشكل عام لا يكترث بأسباب ظهور هذه الحركات وتبنيها للعنف ولا يهتم بأهدافها النهائية، ويركز في المقابل على وسائلها. وهذه المنهجية هي في الواقع إستخباراتية بحتة وليست سياسية براغماتية فضلاً عن أن تكون أكاديمية أو قائمة على التحليل السوسيولوجي للظواهر. فالمقصود هو مواجهة أمنية وتفادي الغرق في تفاصيل الأسباب: يجب قمعهم وليس ثمة وقت لفهمهم. فمحاولة فهم الأسباب ودراسة الأهداف التي تعلنها هذه الحركات ليست سوى مضيعة للوقت وتؤدي إلى التورط في معيارية لا نهاية لها مؤداها السؤال عما إذا كانت الأسباب المنتجة لهذه الظواهر منطقية، وأن أهداف تلك الحركات عادلة. وللهروب من هذا السؤال فإن الطريق القصير هو التركيز على وسائلها: العنف و «الإرهاب».

أحد أهم الاطروحات الرئيسية في كتاب ليفيت أن ليس ثمة جناح عسكري وآخر سياسي في حماس، هناك حماس واحدة وهي حماس الإرهابية. فالسياسي والثقافي والديني والإجتماعي هم جميعاً في خدمة ما يراه ليفيت «الإرهاب الفلسطيني» الذي تطلقه حماس. والقيادة السياسية لحماس مسؤولة عن عمليات التفجيرات في المدن الإسرائيلية بالدرجة نفسها التي يتحمل بها جناح حماس العسكري، عز الدين القسام، تلك المسؤولية. ويكتب ليفيت بنفَس تحريضي واضح أنه من غير المعقول ترك القيادات السياسية لحماس تتنقل في العالم وحصر المطاردة والتركيز بقياداتها العسكرية.

يحشو المؤلف كتابه معلومات تفصيلية وفائضة عن الحاجة بشأن نشاط سياسي حماس خارج فلسطين في حقل جمع التبرعات وتحويلها للداخل، ويتابع الكثير من الملفات والقضايا الأمنية خصوصاً في الولايات المتحدة القائمة على إتهام أفراد بأن لهم علاقة بحماس وأنهم كانوا مسؤولين عن تحويل أموال إلى جمعيات خيرية. ويظن المؤلف أنه عن طريق حشد تلك المعلومات العادية التي تشير إلى ان مئات الألوف من العرب والمسلمين والفلسطينين كانوا يرسلون تبرعات للجمعيات الخيرية الفلسطينية عن طريق منظمات إسلامية في أميركا فإنه يثبت أن حماس كانت تعمل بشكل إرهابي في الساحة الأميركية! والعمل الخيري الذي يوصف بأنه أحد أهم جوانب قوة حماس لأنه يستقطب لها شعبية كبيرة، ليس سوى غطاء لـ «الإرهاب». فحماس تستخدم رياض الأطفال والمساجد وجمعيات رعاية الايتام من أجل تخزين الأسلحة والتدريب العسكري، وإخفاء المطاردين من «الإرهابيين». وهي تستخدم الجمعيات الشبيهة خارج فلسطين لتمويل صفقات السلاح وسوى ذلك.

يفاجئنا المؤلف بأن حماس قريبة جداً من القاعدة وأن خطوط تمويل المنظمتين متقاربة إن لم تكن واحدة. وهو يعلم بالطبع أن ربط حماس بالقاعدة يعني شطبها عند صناع القرار الغربيين وفي أوساط الرأي العام الغربي بشكل عام. ويضخم المؤلف من أية إشارة عابرة هنا أو هناك ويعتبرها دليلاً دامغاً على «الأرضية المشتركة» لحماس والقاعدة. بل إنه يتحفنا بمعلومة أن حماس جندت للقاعدة بعض العناصر في قطاع غزة منهم الأنكليزي ريتشارد ريد الذي أتهم بأنه كان يحاول تفجير طائرة أميركية عن طريق قنبلة مزروعة في حذائه. كما يورد المؤلف تسجيلات إستخباراتية مبنية على التنصت لمحادثات ولقاءات مثل الشيخ اليمني المؤيد تتضمن إشادة بحماس وإشادة بالقاعدة ويستنتج منها أن المنظمتين تقومان بالعمل نفسه. وخلاصة مقولاته هنا هي أنه رغم حرص حماس على الإبتعاد «علنياً» عن القاعدة فإنها قريبة منها ولا يستبعد وجود تعاون تنظيمي وصلات قوية بين الطرفين. وحتى إن لم يتواجد هذا، فإنه سيحدث قريباً على الأغلب في المستقبل القريب.

يكرس المؤلف أكثر من فصل ليرسم صورة عن شبكة «الجهاد المعولم» التي تقودها حماس والمنخرطة فيها، بما في ذلك الدول الداعمة لإرهاب حماس. ففضلاً عن شبكات الجمعيات الخيرية الإسلامية التي لم يترك ليفيت واحدة منها من دون أن يتهمها بالإرهاب، فإنه يقول إن دولاً مثل السعودية وليبيا وإيران تدعم «إرهاب» حماس بالمال والمساندة، وهناك دول أخرى مثل قطر ولبنان واليمن تقدم «تسهيلات» لـ «إرهاب» حماس. وكل ذلك سيؤدي، بحسب المؤلف، إلى نتيجة واحدة مؤداها أن إرهاب حماس سيضرب في عمق الولايات المتحدة وفي قلب أوروبا. وأن بعض «السذج» كما يقول المؤلف من السياسيين الغربيين وخصوصاً في أوروبا يعتقدون بأن حماس لن تقوم بتغيير سياستها الملتزمة بها لحد الآن والقاضية بحصر الصراع في أرض فلسطين. والغريب في هذه النقطة هي أن المؤلف يزاود على الإسرائيليين أنفسهم ويختلف مع تقديرات خبراء إسرائيليين عسكريين يقولون بأنه من المستبعد عمليا أن تغير حماس إستراتيجيتها وتتبنى عمليات خارجية.

لكن السؤال الكبير الذي يغيب عن الكتاب وفصوله السبعة هو: أين إسرائيل وإحتلالها من كل هذا؟ إذ ليس هناك شرح للقارىء الغربي يربط بين نشوء الحركات الفلسطينية ومنها حماس والإحتلال ووحشيته. وهكذا تبدو حماس كأنها حركة إرهابية عمياء نزلت من كوكب آخر ليس لها هدف إلا قتل المدنيين الإسرائيليين والإستمتاع بذلك. يغيب المؤلف قصداً الإحتلال الإسرائيلي ووحشيته ومعاناة الفلسطينين جراء ذلك الإحتلال، وبما يدفعهم الى تبني أقصى أساليب الدفاع عن النفس. وإن حدث وأضطر المؤلف للإشارة إلى عمق الإحباط والفقر وفقدان الأمل في أوساط الفلسطينين فهو يعزوها إلى «فشلهم وإلى فساد سلطتهم وتعثر مجتمعهم»، ومن دون أدنى كلمة حول الإحتلال العسكري القهري الذي يواجهونه.

هذا الكتاب الذي يمكن وصفه بكل موضوعية ودقة بأنه تافه من ناحية المضمون والشكل، وتحريضي وتشويهي من ناحية الهدف، يعتبر دنيس روس أحد أهم خبراء الشرق الأوسط الكبار في دوائر صنع القرار الأميركي أنه كتاب خلاق لا غنى عنه للسياسيين الأميركيين المعنيين بقضايا الشرق الأوسط وخصوصاً قضية فلسطين!


"الحياة"

التعليقات