بحث أميركا عن الهيمنة على العالم / نوعام شومسكي

بحث أميركا عن الهيمنة على العالم / نوعام شومسكي
مؤلف هذا الكتاب هو الفليسوف الاميركي الشهير نعوم شومسكي الاستاذ في معهد ماساتشوسيتس العالمي للتكنولوجيا وصاحب المدرسة الالسنية والاكتشافات العلمية العديدة، كما انه مفكر سياسي راديكالي وينتمي الى اقصى اليسار في اميركا، وهو من أكبر منتقدي السياسة الاميركية والرأسمالية الشرهة التي تحاول الهيمنة على العالم كله.


وفي هذا الكتاب يتحدث شومسكي عن الوضع الحالي للعالم ويقول بما معناه: لاريب في اننا دخلنا في عصر جديد يمكن وصفه بعصر الرعب الاكبر، صحيح ان احدا، لم يستطع ان يتنبأ باحداث 11 سبتمبر، ولكن الجميع كان يعرف بأن احتكار الغرب الصناعي والرأسمالي للارهاب ولى الى غير رجعة،


والكل كان يعلم بأنه يمكن لاي جماعة ارهابية ان تدخل الى اميركا بعض اسلحة الدمار الشامل كالقنابل الذرية الصغيرة، او القنابل القذرة، او الفيروسات البيولوجية او الاسلحة الكيميائية والكل يعلم ان نسبة حظ الارهابيين في تنجيح ضربتهم داخل اميركا نفسها تصل الى 90%.


ولكن ينبغي ان يعلم الجميع ان جورج دبليو بوش لم يكن اول رئيس اميركي يعلن الحرب على الارهاب كما يتوهم الكثيرون، فالواقع ان هذه الحرب كانت قد اعلنت لاول مرة قبل عشرين سنة في ذلك التاريخ من قبل رونالد ريغان وبوش الأب، هذا بالاضافة الى بعض المسئولين الاخرين الذين لايزالون في مركز القيادة حاليا ثم يتحدث عن ريغان وبوش الأب


ويقول: فقد اقسما يمينا بالله بأن يحاربا سرطان الارهاب حتى آخر لحظة، فالارهاب يريد ان يعود بالبشرية من عصر الحضارة والحداثة الى عصر البربرية، وهذا ما لا يمكن ان نقبل به، ثم حددا بؤرتين للارهاب في العالم: الاولى هي اميركا الوسطى، والثانية هي الشرق الاوسط، وقام ريغان ونائبه بوش الأب بحملة كبيرة لاستئصال سرطان الارهاب من هاتين المنطقتين واعتبرا ذلك بمثابة احدى اولويات سياستهما الخارجية.


وبالتالي فالحرب على الارهاب التي شنتها ادارة ريغان كانت سابقة للحرب الحالية،وقد قامت بتعبئة شعبية واسعة ولاسابق لها من اجل اقناع الشعب الاميركي بالتدخل في اميركا الوسطى، ونجحت بذلك نظرا للقرب الجغرافي والعلاقات التاريخية بين اميركا الشمالية والوسطى.


وقد اتخذت ادارة ريغان الهندراوس كقاعدة عسكرية لمحاربة وباء الارهاب في المنطقة كلها، وكان المسئول عن العمليات طيلة السنوات الاكثر عنفا هو السيد «جون نيغروبونتي» الذي عينه جورج بوش الابن سفيرا لاميركا في الامم المتحدة من اجل شن الحرب الدبلوماسية على الارهاب.


ثم يردف البروفيسور شومسكي قائلا: وطيلة السنوات الاكثر بشاعة ورعبا في الشرق الاوسط كان المبعوث الخاص لريغان الى المنطقة هو وزير الدفاع الحالي لبوش الابن: اي دونالد رامسفيلد، وهناك مسئولون اخرون يقدمون خبرتهم السابقة الى بوش الابن في حرب على الارهاب.


وفي كلتا المنطقتين، اي الشرق الاوسط واميركا الوسطى، ارتكبت ادارة ريغان مجازر بشعة يندى لها الجبين، وفي الشرق الاوسط كانت الاعمال الاكثر همجية قد تمت بالاتفاق بين اميركا وعملائها المحليين، وهي الاعمال التي ادت الى تدمير لبنان والاراضي الفلسطينية المحتلة من قبل اسرائيل، وبالتالي فالارهاب ليس من جانب واحد وانما من جانبين، ويمكن القول بأن ارهاب القوي اشد عنفا.


واما اميركا الوسطى التي تعرضت لهجمات قادة واشنطن الارهابيين وعملائهم المحليين فقد تعرضت لمجازر أبشع مما حصل في الشرق الاوسط، واحد اهدافهم كانت دولة تدعى: نيكاراغوا، وقد اشتكت الى محكمة العدل الدولية في لاهاي التي اصدرت حكما لصالحها وأمرت الولايات المتحدة بايقاف المجازر والارهاب الدولي هناك، ولكن اميركا نظرت باحتقار الى قرار محكمة العدل الدولية وقالت بأنها هي التي تقرر ما هو شرعي وما هو غير شرعي في نيكارغوا وليس هذه المحكمة.


وعندئذ لجأت نيكارغوا الى مجلس الأمن الدولي الذي اصدر قرارا يؤيد قرار محكمة العدل الدولية ويدعو جميع الدول بما فيها اميركا الى احترام القانون الدولي، فماذا كان جواب واشنطن على ذلك لقد استخدمت حق النقض «الفيتو» لافشال القرار واستمرت في عملياتها العسكرية، هناك حتى اخضعت شعب نيكارغوا لارادتها.


وراحت الصحافة الاميركية تحتفل بهذا الانتصار العظيم على الرغم من انها اعترفت بأن ادارة ريغان استخدمت اساليب ارهابية للتوصل الى مقاصدها.


واما في بقية بلدان اميركا الوسطى فلم تكن توجه هناك جيوش لكي تحمي السكان المحليين من بطش الاميركان والميليشات الارهابية المتعاونة معهم، ولذلك كانت المجازر هناك اكثر رعبا وبشاعة مما حصل في نيكاراغوا.


وقد استخدمت اميركا كل الاساليب الوحشية في ضرب السكان الى درجة انها خلفت وراءها ما لا يقل عن مئتي الف قتيل وذلك بالاضافة الى ملايين اللاجئين واليتامى والمشردين.


وكانت الكنيسية الكاثوليكية هي الاهداف الاساسية للحملة الاميركية لان هذه الكنيسة تراجعت لاول مرة عن دورها كخادم للاغنياء والاقوياء وانضمت الى الشعب الفقير من اجل مساعدته، وراح الكهنة والراهبات والعلمانيون يوحدون صفوفهم تحت راية لاهوت التحرير.


وعندئذ اعتبرتهم الادارة الاميركية بمثابة شيوعيين ينبغي سحقهم وقد ابتدأت الحرب هناك باغتيال احد المطارنة الكبار وانتهت بقتل ستة مثقفين يسوعيين وكلهم ينتمون الى لاهوت التحرير الذي انضم الى الشعب البائس المدقع من اجل مساعدته.


وكل هذا تنساه اميركا ولا تعتبره ارهابا، بالطبع فان شومسكي يدين طغيان صدام، والمجازر التي الحقها بشعبه، وكذلك الحروب المستمرة مع الجيران كما ويدين ابن لادن والقاعدة وجريمة 11 سبتمبر اللا انسانية التي ذهب ضحيتها الاف البشر.


ولكنه يدين ايضا تعامل اميركا مع المتطرفين في افغانستان بل واستخدامهم في فترة ما لتحقيق ماربها وتصفية حساباتها مع العدو السوفييتي، وحتى صدام كان من عملاء اميركا في فترة الثمانينات عندما شن الحرب على ايران وتلقى كافة أنواع الدعم من رامسفيلد شخصياً. وبالتالي فأميركا ليست بريئة الى الحد الذي تحاول ان توهمنا به، وأيديها ملوثة بالدماء مثل هؤلاء الجلادين الذين كانت تتعامل معهم وتدعمهم سواء في أميركا أو في الشرق الأوسط. وابن لادن كان عميلها في افغانستان سنوات طويلة.


ثم يردف الفيلسوف الاميركي الشهير قائلاً وفاضحاً أساليب الهيمنة والبلطجة الاميركية: بعد استلامه للسلطة ببضعة أشهر أمر الرئيس كنيدي باستخدام كل وسائل الرعب في الأرض لاخضاع كاسترو أو لتصفيته جسدياً. وحتى قبل عشرة أيام من مقتله أمر المخابرات بتكثيف جهودها في هذا الاتجاه.


والواقع ان الأميركان كانوا يخشون من أن يصبح النظام الكوبي قدوة لبقية الانظمة في أميركا اللاتينية وأن تحاول هذه الاخيرة ايضاً تحدي أميركا، فهيبة أميركا ينبغي أن تفرض نفسها على الجميع، ومن يتحداها ينبغي أن يدفع الثمن.


وإذا ما استطاعت اميركا ان ترعب العالم كله فإن ذلك هو السبيل الوحيد أو الأفضل لتحقيق مآربها الاقتصادية والسياسية فيه.


ومنذ عهد ريغان والقيادة الأميركية تطلق الذعر في العالم من حين لآخر لتخويف من لم يخف بعد.


وكبار المسئولين السياسيين في واشنطن يقولون سراً ما يلي: الأساليب الدبلوماسية لا تكفي لاقناع البشر، وبالتالي ينبغي أن نترك الاجهزة الشرسة في المخابرات تفعل فعلها لارهاب الدول المترددة في اتباعنا، وبعدئذ يمكن للسياسة أن تتدخل.


ومعظم اصحاب القرار في عهد ريغان اليميني المتطرف لايزالون في مركز القيادة حتى الآن، ثم يروي شومسكي الحكاية التالية:


في شهر ابريل من عام 2002 جاء الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي في زيارة رسمية إلى واشنطن، وقال للمسئولين الأميركيين بالحرف الواحد: ان سياستكم الداعمة لشارون تحرج أصدقاءكم في المنطقة، فضلاً عن كونها منافية لمباديء الحق والعدل.


فماذا كان جوابهم؟ لقد ردوا عليه بكل برود بما يلي: ان مخاوفه غير مبررة على الاطلاق، واما قلبه وهمومه فليست بذات أهمية. ثم حاولوا أن يفهموه بأن قوة أميركا الآن أكبر من قوتها أثناء عاصفة الصحراء بعشر مرات.


وقد أثبتت الحملة على افغانستان مدى قدرتنا على الضرب وقلب الانظمة والمشاكسين، وبالتالي فليفهم من يفهم أو فليسكت!


ثم يقول شومسكي بأن نجاح أميركا كان في تخويف حركات الاحتجاج المضادة لها في غواتيمالا وهندوراس وتشيلي وبقية انحاء أميركا اللاتينية شجعها على نقل المناهج نفسها إلى منطقة الشرق الاوسط لتطبيقها عليها.


ففي لبنان سُحِق اللاجئون الفلسطينيون من قبل عمليات ارهابية مدعومة من قبل الولايات المتحدة، وعندئذ شهد لبنان صدمات مؤلمة جديدة، فحوالي العشرين ألف شخص قتلوا عام 1982 اثناء الغزو الاسرائيلي لهذا البلد الصغير. وقُتل أضعاف ذلك في السنوات التالية على يد الجيش الاسرائيلي والمرتزقة اللبنانيين المتعاملين معه.


ثم استمرت الأمور على نفس الشاكلة في التسعينيات وتكررت الغزوات الاسرائيلية مع كل أعمال الدمار والقتل والاجرام الناتجة عنها، وأدى ذلك ايضاً الى طرد مئات الآلاف من سكان جنوب لبنان فأصبحوا مشردين ولاجئين كالفلسطينيين.


وأثناء ذلك كله كان الدعم الاميركي متواصلاً وكبيراً، ولولاه لما تجرأت اسرائيل على فعل كل ذلك. ثم يردف البروفيسور شومسكي قائلاً: وفي الثمانينيات من القرن الماضي زاد قمع اسرائيل للسكان الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، وراحوا يصادرون أراضيهم ويزرعون المستعمرات فيها، ولولا الدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي والايديولوجي الاميركي لاسرائيل لما كانت مخططاتها هذه ممكنة.


وفي الأيام القليلة التي تلت حرب 5 يونيو واحتلال ما تبقى من أراضي فلسطين، قال موشي ديان لمعاونيه ووزرائه ما يلي: قولوا للفلسطينيين بأنهم سيعيشون أياماً قاسية كالكلاب! وان أي واحد منهم يريد أن يهاجر فليهاجر فوراً ولينج بنفسه.


ثم يعلق شومسكي قائلاً: فإذا كان ديان المعروف بتحسسه لآلام الفلسطينيين يقول ذلك، فما بالك بقادة اسرائيل الآخرين الذين لا شفقة لديهم ولا رحمة؟!


وفي عام 1972 عبّر الدبلوماسي حاييم هرتزوق الذي سيصبح لاحقاً رئيساً لدولة اسرائيل عن الوضع قائلاً: يحق للفلسطينيين أن يعبروا عن آرائهم بخصوص المسائل التي تهمهم، ولكن ينبغي أن يكون واضحاً للجميع ان هذه الأرض لنا منذ آلاف السنين، واننا بالتالي لا نعتبرهم شركاء لنا فيها، فبالنسبة ليهود هذه البلاد فلا يوجد شريك آخر أبداً.


ثم تدهورت أحوال الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، كما حصل لسكان أميركا الوسطى الواقعين تحت الضغط الأميركي، ولكن في عام 2000 قدم كلينتون وباراك عرضاً لا بأس به لعرفات الذي رفضه، صحيح ان العرض ليس كافياً ولكنه يمثل بعض التقدم بالقياس لما سبق.


فالشعب الفلسطيني كان مقسما الى 200 وحدة سكنية معزولة عن بعضها البعض وكلينتون وباراك اقترحا تجميعها كلها في ثلاث مقاطعات كبرى، ولكن المشكلة ان كل واحدة منها كانت مفصولة عن الاخرى وعن القدس الشرقية التي تمثل مركز الحياة الثقافية للشعب الفلسطيني.


والواقع ان مخطط كلينتون وباراك كان سوف ينتهي اخيراً الى تحويل الدولة الفلسطينية الى ذيل استعماري ملحق بدولة اسرائيل، وهذا ما رفضه عرفات والقادة الفلسطينيون بشكل عام.


مهما يكن من أمر فإن اذلال الشعب الفلسطيني وصل إلى ذروته ببناء جدار شارون الذي سيؤدي الى اقتطاع أراضي واسعة من الضفة الغربية وضمها إلى إسرائيل.


وهكذا نلاحظ ان المصائب تتوالى على الشعب الفلسطيني ولا أحد يتحرك لانقاذه من محنته، والسبب هو ان جلاده اسرائيل المدعومة من قبل الولايات المتحدة أكبر قوة عظمى في العالم. وبالتالي فلا يحق لأميركا أن تتبجح بالدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وسوى ذلك من البلاغيات المستهلكة. فحليفتها اسرائيل تدوس على هذه القيم يومياً برجليها منذ حوالي الاربعين عاماً، ومن يتجرأ على نقدها يتهم فوراً بمعاداة السامية


الكتاب: الهيمنة أم البقاء على قيد الحياة

بحث أميركا عن الهيمنة على العالم

الناشر: بنغوين بوكس ـ لندن 2004

الصفحات: 278 صفحة من القطع الكبير

(عن "البيان")

التعليقات