"عزمي بشارة: القضية والمحاكمة"- سيرة تيار وقامة مديدة من الجليل/محمود شريح

““عزمي بشارة: القضية والمحاكمة”* كتاب اعده زياد منى، ناشره، ومهد له عزمي بشارة نفسه وقدم له غسان الشامي صديقنا محرر مجلة “البناء” يوم كانت وافسح لنا فيها زاوية “يوميات مقيم” التي انتقلت الى هذه الصفحة مطعمة بالهجر. في 284 صفحة قطعاً وسطاً وغلافاً [من وحي بيكاسو] صممه نبيل المالح ودقة لغوية [ايمن شنار] واخراج متقن [زياد منى] وتنفيذ الكتروني [محمد غيث الحاج حسين] تكاد صلتنا به تنقطع منذ دخول الكهرباء الضاحية عقب خروجنا من فلسطين تحت ضربات الحملة الانكلو - عبرية، وها هي اليوم تتجدد بأنفاس اميركية موغلة في فلسفتها الليبرالية الرائجة في ادب الانكلو – ساكسون على ضفتي الاطلسي، وعدد لا بأس به من صروح العلم في ازقتنا شرق ترعة السويس.

يشير منى في مقدمته الى ان “قدمس” عزمت على اصدار هذا الكتاب تزامناً مع محاكمة عزمي بشارة ورفاقه قبيل اصدار الحكم، لكن صعوبات حالت دون نشره في حينه، ويشيد بجهود احمد ابو حسين وانطوان شلحت وغسان الشامي في توثيق الصلة ببشارة. فالى بحث بشارة عن رؤيته القومية والوطنية، وفهمه للممارسات العملية لتلك الرؤية، وكلمته لمناسبة منحه جائزة ابن رشد في برلين [2002.2.14]، ثمة ايضا ابحاث لانطوان شلحت واحمد ابو حسين تتناول هوية اهلنا في فلسطين ووضعهم الاقتصادي في اراضي 1948. القسم الباقي من الكتاب يشتمل على ترجمة النصوص الاصلية لمداولات المحكمة والتي انتهت بالحكم، فضلا عن الوثائق الاصلية ذات العلاقة يتصدرها بحث تفصيلي مهم عن “حزب الله” انجزه باحث اسرائيلي والح فيه على ان هذا الحزب “منظمة حرب عصابات نموذجية” هدفه التصدي للاحتلال الاسرائيلي في لبنان، وهو بحث لم ينشر من قبل.

رسالة عزمي بشارة الى الناشر [ص 17 – 20] فصل المقال في “[محاكمة] الجناة ضحاياهم اللاجئين، وبدل ان تحاكم اسرائيل على جريمة حرمان اللاجئين من العودة الى وطنهم قدمت ضدنا لوائح اتهام، ووافق مجلس النواب على نزع حصانتي على اساسها لانني ساهمت في تمكين الاخوة من لقاء اخوتهم في مخيمات اللاجئين في سوريا بعد خمسين عاماً من الفراق بلفتة انسانية وقومية من القيادة السورية التي قرأت بخطوتها هذه جيدا، خريطة الوطن” [ص 19-20]، فيشير عزمي بذلك في حكمة وحنكة الى ان محاكمته ورفاقه منطلقها ان مقاومة الاحتلال وحدها لا تعد جريمة بل التعاطف مع الواقعين تحت الاحتلال في لبنان وفلسطين وحقهم في مقاومة الاحتلال جريمة حوكم هو وصحبه في شأنها.

اما غسان الشامي في مقدمته فمختصر مفيد لسيرة بشارة السياسية اذ يرى انه بقدر ما تبدو محاكمة الدكتور عزمي بشارة “مستندا قانونيا” حيا لتحرك السياسي والثقافي لفلسطينيي عام 1948، فانها تظهر ايضا مدى ضيق الصدر الاسرائيلي بأي التفات الى الهوية، وتدلنا ايضا على وسع تداخل القضاء بالسياسة والامن، وهشاشة “خصخصة” الديموقراطية في الكيان العبري” [ص 27] ورؤية الشامي واضحة وجلية في اخذه ان هدف محاكمة بشارة قطع الطريق على اي انتماء صريح داخل الخط الاخضر حيث تحول المجتمع الفلسطيني الى مجتمع قروي بامتياز، اذ شاهد الفلسطينيون قراهم تسوّر بسياج من المستوطنات “وكان عليهم كي يتابعوا مسيرة العيش ان يقيموا شبكة علاقات مع من حكم واستوطن وامسك بزمام الاقتصاد وموارد الحياة الطبيعية والصناعية، وفي ظلال انتصارات عسكرية متتالية حققها هذا [المستوطن] الذي بدأ يتكاثر مع ذريته في ارض اقتنصها” [ص 28]. يعيد شامي الى الاذهان قصة لقائه الاول بعزمي بشارة ورفاقه المنضوين تحت راية “التجمع الوطني الديموقراطي” الذي يقوده بشارة نفسه حين وجد انهم “يعون تماما هويتهم القومية والثقافية ويتمتعون بحس نقدي لما يجري في العالم العربي” [ص 29]، فيلح على ان محاكمة بشارة “دعوى رابحة” وهي خطوة اولى على طريق طويلة ومتعرجة وشائكة”.

الجزء الاول: الخلفية” [ص 35-121] نص بشارة [“بيان قومي ديموقراطي”] في القضية القومية [“نحن قوميون عرب”] وفي القضية الوطنية [“في هذا الصراع يتداخل البعد القومي مع البعد الديموقراطي في شكل جوهري”] واليسار والمواطنة والمرأة [“لا معنى لمفهوم المواطنة اذا لم يتجاوز الحدود القومية والدينية في قضية حقوق المواطن، وحقوق العامل، وحقوق المرأة”]. ثم يفصّل البيان سمات التيار القومي الديموقراطي في الداخل تحت مقولتي “دولة لجميع مواطنيها وادارة ذاتية للاقلية القومية” و”القومية والديموقراطية والجمع الممتنع”. الى تحليل ومسرد تاريخيين بنشأة التجمع الوطني الديموقراطي.

الجزء الثاني: القضية” من “عزمي بشارة: القضية والمحاكمة” [ص 125 – 187] عن “المواطنة” والعرب و”دورهم الآني والمستقبلي” وفلسطينيي 1948 وهويتهم من المقترب الثقافي واقتصادهم في اسرائيل “بين الاندماج والدفاع عن المستقبل، الى خطاب بشارة في القرداحة وخلفية محاكمته وخطابه امام الكنيست بعد تجريده من الحصانة النيابية.

اما “الجزء الثالث: المحاكمة” [ص 191 – 216] فخص نص بمداولات المحكمة من ادعاء ودفاع الى لائحة اتهام وجلسة تثير قلق اسرائيل. فيما الجزء الرابع [ص 219 – 272] ملاحق خمسة هي: 1- حزب الله إرهاب ام مقاومة، بيان تجمّع بشارة في 2001-2-16، محطات رئيسة على طريق محاكمة عزمي بشارة، النائب بشارة يستغني عن حقه القانوني بالمثول امام المستشار القضائي للحكومة والادلاء باقواله، نشأة “التجمع الوطني الديموقراطي”.

بهذا الكتاب عن عزمي بشارة قضية ومحاكمة تخرج “قدمس” عن عرفها بتوثيق التاريخ السلف وبحثه فتروي بالوثيقة سيرة تيار بأكمله من خلال ممثله، قامة مديدة في الجليل تقول في بساطة غنائية لرئيس بلدية الناصرة حتى 1994 توفيق زيّاد انّا هنا باقون في اللد والرملة والخليل.


(عن النهار)






*عن “قدمس للنشر والتوزيع”، دمشق 2003، مع ثبت اعلام وثبت جغرافي وثبت الاحزاب والجبهات والمنظمات مؤسسات.

التعليقات