صدور مجموعة الكتابات السياسية للإمام محمد عبده

في نطاق "كتاب الدوحة" الذي يوزع مع "مجلة الدوحة"، صدرت مجموعة الكتابات السياسية لمفتي الديار المصرية، الإمام محمد عبده، مع مقدمة مهمة بقلم الدكتور محمد عمارة.

صدور مجموعة الكتابات السياسية للإمام محمد عبده

 

- الإمام محمّد عبده -

في نطاق "كتاب الدوحة" الذي يوزع مع "مجلة الدوحة"، صدرت مجموعة الكتابات السياسية لمفتي الديار المصرية، الإمام محمد عبده، مع مقدمة مهمة بقلم الدكتور محمد عمارة.

وقد ورد الكتاب في 223 صفحة متوسطة القطع، مع لوحة خطوطية للغلاف للفنان العراقي صباح الأربيلي تقول: "أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر."

وأدرجت كتابات الإمام محمد عبده السياسية تحت أربعة عناوين انطوت المقالات تحتها، والعناوين هي: "ما قبل الثورة العرابية"، و"في الثورة العرابية"، و"مفكرة الأحداث العرابية"، و"في السجن."

"هكذا تحدث الإمام"

وكتب الدكتور محمد عمارة مقدمته للكتاب وجعل عنوانها "هكذا تحدث الإمام"، واستبق مقدمته بكلام للإمام، يلخص كثيرا من الأهداف التي سعى إلى تحقيقها.

وقال الإمام: "لقد ارتفع صوتي بالدعوة إلى أمرين عظيمين: الأول تحرير الفكر من التقليد، والثاني إصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير. وهناك أمر آخر كنت من دعاته والناس جميعا في عمى عنه، وهو التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب، وما للشعب من حق العدالة على الحكومة."

"نعم، كنت ممن دعا الأمة المصرية إلى معرفة حقها على الحاكم.. فالحاكم وإن وجبت طاعته هو من البشر الذين يخطئون وتغلبهم شهواتهم، ولا يرده ويوقفه إلا نصح الأمة له بالقول والفعل."

الغرب وضرب مشروع محمد علي النهضوي

استهل عمارة مقدمته بالقول: "كانت الحملة الفرنسية على مصر (1213 هـ / 1798 م) بمثابة الزلزال الذي أحدث صدمة حضارية لدى المصريين. لقد شابهت صدمة اللص الذي نبه صاحب الدار على الخلل البنيوي القائم في المنزل الذي يعيش فيه."

وأضاف: "صحيح أن هذه الغزوة لم تكن جديدة في ممارسة العنف المفرط الذي مارسته سابقتها الصليبية، لكن الحملة الفرنسية البونابرتية التي مثلت الامتداد للعنف الصليبي تميزت عن سابقتها تلك بأنها قد جاءت على بلادنا بفكر النهضة الأوروبية الحديثة، وإنجازات وتقنيات الثورة الصناعية وفلسفة العدالة الغربية. جاءت مع المدفع بالمطبعة والصحيفة والبعثة العلمية."

وقال: "لكن أوروبا الاستعمارية قد اجتمعت - على رغم تناقضات دولها وإمبراطورياتها - على ضرب المشروع النهضوي الذي بناه محمد علي، والذي بنى فيه 'دولة' كبرى سعت إلى تجديد شباب الشرق وإنقاذه من التخلف العثماني الذي فتح الأبواب أمام الغرب الاستعماري كي يلتهم ولايات دولة الرجل المريض."

وسطية محمد عبده بين الموروث والوافد

ويقول أيضًا: "وعندما حاصرت أوروبا - مستعينة بالسلطان العثماني - 'دولة' محمد علي بمعاهدتي لندن سنة 1840 وسنة 1841، انتقلت جذوة التنوير والتجديد من 'الدولة' إلى 'الامة'، فتبلور تيار التنوير الشعبي الذي قاده جمال الدين الأفغاني (1254-1314 هـ 1838-1897م)، والذي هندس بناءه الفكري الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (1266-1323 هـ 1849-1905م)، والذي رابط على ثغور مناهج الفكر، وإحياء ملكات الاجتهاد، والتجديد، وإصلاح المؤسسات التي تصنع عقل النخبة والصفوة: الأزهر، والمعارف، والمساجد، والأوقاف، والقضاء، لتأخذ الأمة طريقها بالتدريج إلى إفراز الدولة الرشيدة التي تحكم الشورى وترعى العدل بين الناس."

ومضى يقول: "كان العقل الإسلامي في مصر يتنازعه تياران: أولهما ينكفئ على الموروث الذي كتب أغلبه في عصور التراجع الحضاري، والذي خلا من الإبداعات المتوهجة لعصر الازدهار والاجتهاد، وثاني هذه التيارات تيار الوافد الغربي الذي رفض أصحابه هذا الموروث وخافوا منازلة شيوخ الأزهر على أرض التجديد، وآثروا استعارة النموذج الغربي في جملته بديلًا وسبيلًا للتقدم والنهوض."

"هنا.. أمام هذا الاستقطاب الحاد بين أهل الموروث وأهل الوافد.، جاء الدور الرائد والمميز للإمام محمد عبده في حركة الإصلاح. جاء دور التيار الوسطي ينتقد الموروث ويختار منه الثوابت والمناهج التي تجعل لهذا الموروث فعالية في إصلاح الواقع واستشراف المستقبل، والذي يميز أيضًا في الوافد بين النافع الملائم الذي هو 'حكمة' تمثل ضالة المؤمن إن وجدها، فهو أحق الناس بها، وبين الخصوصيات الغربية التي أفرزتها معالم طريق التطور التي عرفت الكهانة الكنسية والدولة الثيوقراطية، وما أحدثته من فلسفات وضعية ومادية وقطيعة معرفية مع الدين."

ويستشهد عمارة  هنا بقول الإمام محمد عبده: "لقد خالفت في الدعوة إلى الإصلاح رأي الفئتين العظيمتين اللتين يتركب منهما جسم الأمة: طلاب علوم الدين ومن على شاكلتهم، وطلاب فنون هذا العصر ومن هو في ناحيتهم."

السلفية

ويضيف عبده: "إنه في سبيل تحديد موقع الوسطية الجامعة بين النافع من الموروث والنافع من الوافد، سعى الإمام محمد عبده إلى تحرير مصطلح 'السلف' من أسر تيار الجمود والتقليد، فالسلف الصالح هو المنابع الجوهرية والنقية - البلاغ القرآني، والبيان النبوي لهذا البلاغ القرآني، ومناهج النظر في هذه المنابع قبل ظهور الخلاف الذي اتسم في أحيان كثيرة بشغب الفرق وتعصب المتكلمين. لذلك وجب التمييز بين السلفية في الدين وثوابته، وبين المستقبلية في فقه الواقع والمستجدات."

في هذا المنهاج المتميز قال الأستاذ الإمام وفق مقدمة عمارة: "يجب تحرير الفكر من قيد التقليد وفهم الدين على طريقة سلف هذه الأمة قبل ظهور الخلاف، والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى، والنظر إلى العمل باعتباره قوة من أفضل القوى الإنسانية، بل هي أفضلها على الحقيقة''.

أضاف: "وفي نظرة الأستاذ الإمام إلى النهضة الأوروبية الحديثة، والإنجازات العبقرية التي أحدثتها هذه النهضة في حياة الإنسان الأوروبي، أنصف الأستاذ الإمام هذه الحضارة التي كشفت الكثير الذي ارتقى بحياة الناس وخفف آلامهم، ووفر لهم سبل التقدم والرفاه.. لكنه عاب سيادة الطابع المادي في هذه النهضة الأوروبية، وغلبة الطابع الدنيوي، وغيبة الدين الذي مثل ويمثل الفطرة الإنسانية السوية."

التعليقات