صدور نساء لبنان في سلك القضاء عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

يحاول الكتاب الإجابة عن سؤال: هل يشكّل وجود نساء في سلك القضاء اللبناني إضافةً أم أنه مزيد من الشيء نفسه؟ وفي سبيل ذلك، ينطلق من ملاحظة مفادها أن المنظمات النسائية تسعى إلى إبراز أهمية دخول المرأة المجال العام،.

صدور نساء لبنان في سلك القضاء عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، كتاب نساء لبنان في سلك القضاء: تعزيز السائد وإهمال الهوامش، من تأليف عزة الحاج سليمان وعزة شرارة بيضون، ويقع في 247 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًا، بحسب ما أفاد المركز في بيان صدر عنه اليوم، الإثنين.

ويحاول الكتاب الإجابة عن سؤال: هل يشكّل وجود نساء في سلك القضاء اللبناني إضافةً أم أنه مزيد من الشيء نفسه؟ وفي سبيل ذلك، ينطلق من ملاحظة مفادها أن المنظمات النسائية تسعى إلى إبراز أهمية دخول المرأة المجال العام، وإلى وجوب زيادة أعداد النساء في مختلف فضاءاته تحقيقًا للمساواة الجندرية، لا لحسبانها أن المساواة حقٌ لهنّ كرّسته المعاهدات الدولية فحسب، بل لاعتقادها أيضًا أن تزايد النساء الكمّي في هذا المجال يُفضي إلى تغيير نوعي حميد فيه تُحدثه ممارساتٌ نسائية متأصلة في أدوارهنّ الاجتماعية القائمة على الحضن والعناية بالآخرين، وعلى سمات مكتسبة تُعلي العلائقية والاشتمالية فوق قيم الفردانية والتنافسية والإقصائية غير المتناسبة مع "روح العصر".

وتقوم الدراسة المثبتة في هذا الكتاب على خلفية نظرية تستعرض تطوّر الأنظمة القضائية ووظيفة القضاء في المجتمعات المعاصرة، وموقع النساء من ذلك التطور. وفي بابها الميداني، تسعى إلى البحث عن ممارسة نوعية للقاضيات في سلك القضاء اللبناني، حيث تكاثرت أعداد النساء لتصبح مساويةً لأعداد الرجال. ويبحث الكتاب تحديدًا في مدى تكريس ممارسات القاضيات، عبر الأحكام الصادرة عنهنّ، لثقافة حقوق الإنسان وأخلاقيات المهنة القضائية، وعن تجلّيات الحساسية الجندرية في تلك الممارسات؛ وذلك عبر مقارنة أدائهنّ بأداء زملائهنّ القضاة، الأعرق وجودًا في المحاكم الجزائية.

ويبدأ الكتاب بتعريف مقتضب لماهيّة السلطة القضائية في النظام الدستوري اللبناني الذي يوصف بأنه برلماني ديمقراطي، والذي يجعل منها سلطة دستورية مستقلّة عن السلطتَين التشريعية والتنفيذية. ومع أهمية دور القضاة، فإن تكاثر النساء في سلك القضاء بنسبة تقترب من النصف بات ظاهرة على قدرٍ غير قليل من الأهمية في سلطةٍ تتساوى في علوّ شأنها مع السلطتين التشريعية والتنفيذية اللتين مُنعتا على النساء، سواء أكان هذا المنع بتأثير المنظومة الجندرية البطريركية أم بسبب تقاعس السلطة السياسية عن تصحيح هذا المنع. ومنه تأتي أهمية الكتاب بوصفه محاولةً للنظر بعدسة جندرية في هذه الظاهرة.

ويتألّف الكتاب من خمسة فصول موزعة على قسمين. يطرح القسم الأول موضوع الدراسة بسياقَيه النظري والبحثي، فيقدّم الفصل الأوّل عرضًا للاتجاهات المعاصرة في أدوار السلطة القضائية والقاضي وتبدّلاتها في نظام القانون المكتوب، وضمنها النظام القانوني المعتمد في لبنان، وموقع النساء من تلك التبدّلات.

في حين يناقش الفصل الثاني أدبيات مختارة تناولت النساء في سلك القضاء عمومًا، وفي القضاءَين العربي واللبناني خصوصًا، ويسلط الضوء على زوايا الموضوع التي بقيت غائمة تحتاج إلى مزيد من المعالجة، ويبيّن كيف تسهم هذه القراءة في إحداث تراكمٍ مطلوب للمعرفة ويمنع تكرارًا لا لزوم له. أما القسم الثاني فخُصّص للدراسة الميدانية، في ثلاثة فصول.

ويتضمن الفصل الثالث وصفًا لتشكيل مجتمع الدراسة الكمّية وعيّنتها وأداة البحث ومكوّناتها، إضافة إلى تفصيلٍ بالصعوبات الجمّة التي واجهت تنفيذ الشق الميداني من الدراسة، والظروف التي أمْلَت تعديلات في إجرائها حين مباشرة تنفيذها (تضييق مجتمع البحث الكمّي وجعله محصورًا في مكان جغرافي وحيد، بدلًا من مكانَين، وعيّناته، والاستغناء في الدراسة النوعية عن ملفّات دعاوى العنف الجنسي في المحاكم الجزائية، والاكتفاء بأحكامها/ قراراتها).

وتبرز الباحثتان، في هذا السياق، قضية أساسية هي منع الباحثات والباحثين في المجتمعات العربية من الوصول إلى المعلومات والأرشيفات وغيرها من مصادر المعرفة الضرورية لعملهم، فضلًا عن استمرار تلكّؤ صانعي القرار في الاعتراف بضرورة اعتمادهم على نتائج الأبحاث الميدانية. أما الفصل الرابع، فيقدّم عرضًا لنتائج الدراسة الكمّية واستنتاجاتها.

ويقدّم الفصل الخامس ثبْتًا لدراسة حالة/ استطلاع أوّلي في الممارسة القضائية لقاضيات وقضاة في أحكام جزائية تناولت "العنف الجنسي"، يتضمن قراءة في أحكام معدودة لاستطلاع أوّلي حول صحّة مقولة مفادها أنّ القاضية تميل إلى أن تتعاطف وجدانيًا مع ضحية العنف الجنسي بدرجة أكبر من زميلها القاضي.

ووضعت الباحثتان هذه القراءة في السياق القانوني للمسألة من جهة، وفي سياق التحرّك النسوي الراهن في لبنان من جهة أخرى. وأخيرًا، تضمّنت خاتمة الكتاب قراءة في نتائج الدراسة الميدانية بشقّيها، الكمّي والنوعي، في محاولة لسبر ما وراء تلك النتائج.

ويخلص الكتاب إلى عدد من النتائج ذات الصلة بمنهجية البحث من ناحية، وإشكاليته من ناحية أخرى، وقد ناقشتها الباحثتان باستفاضة في الخاتمة المعنونة بـ "على ضفاف الدراسة وما وراءها". وكانت أبرز ما بيّنته تلك النتائج أنّ "ما تميّزت به ممارسة النساء القضائية قد اقتصر على الالتزام بقواعد القضاء التنظيمية والأخلاقية على نحو يفوق التزام الرجال بها.

لكنّ ممارسة النساء القضائية لم تتناول المضمون، بل بقيت في حدود الأداء الوظيفي الشكلي". فلم ترصد الباحثتان "محاولة للاجتهاد ولا لمساءلة عدالة قانون وانتقاد تقادمه، ولا إشارة إلى سوء احتواء اللغة التي صيغت بها القضية قيد المعالجة (العنف الجنسي، مثلًا)، إلى ما هنالك من مواقف، لا أثر مباشر لها في صوْغ الحكم القضائي، إنّما تصلح لتسجيل سابقة تؤثّر في اتجاهات المجتمع ذات الصلة بالقانون، وفي اتجاهات المشرّع، تاليًا، وتمهّد لتعديل قانون، أو تشريع آخر، كما ينبغي لها أن تفعل في المجتمعات الديمقراطية المعاصرة. أي إنّ تحاشي ’المضمون‘ كان، وفق نتائج الدراسة، القاعدة في الممارسات القضائية في لبنان. ويتساوى في ذلك النساء والرجال".

وتناقش الباحثتان مثالًا عن ذلك في الممارسة القضائية في إطار قانون "حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري"، إذ تبيّنان وجود صلة "بالحراك النسائي الذي لم يتوقّف مع صدور القانون، بل استمرّ مراقِبًا لحسن تطبيقه ولرصد ثغراته سعيًا لسدّها في تصحيح تشريعي حملته المنظمات النسوية المعنية بمناهضة العنف ضد النساء. أي إنّ المبادرة إلى التعديل في الممارسة القضائية، في هذا المقام، لم تأتِ من القاضيات المتكاثر عددهن في المرفق القضائي، بل من الحركة النسوية التي خوّلت نفسها مَهمّة مساءلة القضاء ومحاسبته، وتولّت مَهمّة الضغط على المشرِّع من أجل تعديل القانون في ضوء تقييم الممارسات القضائية في إطاره". وتخلصان هنا إلى أن الدور الذي اضطلعت به الحركة النسوية، بوصفها جزءًا من المجتمع المدني، كان أهمّ من دور القضاء بوصفه مرفقًا حكوميًا، الذي لم يبدر منه ما يشي بأنّه فاعلٌ مبادرٌ في مواكبة مجريات الحدث الاجتماعي.

ويخلص الكتاب إلى استنتاج مفاده أن تكاثر عدد القاضيات، في إطار نظام القانون المكتوب الذي يحكم الممارسات القضائية في لبنان، لم يُفضِ إلى تعديلٍ نوعي في تلك الممارسة. وتشير الباحثتان إلى أنّ محاولتهما الإجابة عن سؤال البحث الرئيس ولّدت أسئلة إضافية، وأبرزت مسائل على ضفاف المسألة الرئيسة التي يناقشها الكتاب، ومن ثم فهما تختمان الكتاب بالتساؤل عما إذا كان "هذا التكاثر، الحاصل منذ مدة زمنية قريبة، يحتاج إلى وقت أطول كي يستدخل وعيًا بذاته، واستيعابًا لتضميناته النسوية؟ وهل ستكون لهذا الوعي تضمينات ذات صلة بالطروحات العالمية الراهنة، والحساسية الجندرية من ضمنها؟ أم أنّ وطأة القانون المكتوب والالتزام بإملاءات ’الوظيفة‘ في المرفق القضائي سيضيّقان مجالات العمل بموجب هذه الحساسية، إن وجدت، في ممارسة القاضيات؟"، فضلًا عن أسئلة أخرى من شأنها أن تحفز الباحثات والباحثين لإجراء بحوث ودراسات إضافية ذات صلة.

التعليقات