تبيُّن تنشر ملفًا يتناول مفهوم "الثقافة السياسية المعاصرة"

تضمّن العدد ملفًا خاصًا عن مفهوم "الثقافة السياسية المعاصرة"، شمل الدراسات التالية: "الثقافة السياسية: ملاحظات عامة" لعزمي بشارة، حيث تبدأ دراسته بتقديم مفهوم الثقافة السياسة وظروف نشوئه، بغية التأسيس لعدة قضايا ملحّة في ميدان الثقافة السياسية.

تبيُّن تنشر ملفًا يتناول مفهوم

مرشحي الرئاسة في العاصمة تونس، سبتمبر 2019 (للتوضيح - Getty Images)

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الخامس والأربعون من الدورية المحكّمة تبيُّن للدراسات الفلسفية والنظريات النقدية.

وتضمّن العدد ملفًا خاصًا عن مفهوم "الثقافة السياسية المعاصرة"، شمل الدراسات التالية: "الثقافة السياسية: ملاحظات عامة" لعزمي بشارة، حيث تبدأ دراسته بتقديم مفهوم الثقافة السياسة وظروف نشوئه، بغية التأسيس لعدة قضايا ملحّة في ميدان الثقافة السياسية؛ الأولى أنه لا علاقة ضرورية بين طبيعة نظام الحكم والثقافة السياسية في بلد ما، والثانية أنه لا يمكن اشتقاق الثقافة السياسية من الثقافة عمومًا، والثالثة أن هناك شكوكًا في استنتاج الممارسة السياسية من الثقافة السياسية مباشرة، والرابعة أن الثقافة السياسية للنخب السياسية ذات أثر لا يجوز تجاهله في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية.

وتتطرق الدراسة في بدايتها إلى "الثقافة المدنية"، مشددةً على أنها تنمو في ظل الديمقراطية، وعلى أن وظيفتها من المنظور البنائي - الوظيفي هي الحفاظ على استقرار النظام الديمقراطي. وتميز نسبيًا بين الثقافة المدنية، بوصفها مجموعة مواقف وتوجهات سلوكية Attitudes، والإيمان بالقيم الديمقراطية الليبرالية. وتتناول الصراع على "الأخلاق العمومية" بوصفها ذات تأثير في السياسة لا يقل أهمية عن أهمية الثقافة السياسية، بل قد يزيد. وترى الدراسة أن ثمة علاقة بين تحالف دول غربية ديمقراطية مع دكتاتوريات موالية في حقبة الحرب الباردة ونشوء نظريات تربط طبيعة نظام الحكم بالثقافة السائدة. ووصل الأمر إلى حد تبني مقاربات غير تاريخية، تنطلق ضمنًا من فكرة وجود جوهر ثابت لثقافات الشعوب. وتجادل بأنه لا صحة للادعاء بأن النظام السياسي الديمقراطي ينشأ على أساس ثقافة سياسية ديمقراطية؛ إذ لا يتاح للثقافة الديمقراطية أن تنمو إلا في ظل الديمقراطية، وأن القول بوجود ثقافة ديمقراطية سابقة على نشوء نظام ديمقراطي مجرد فكرة متخيلة يدحضها التاريخ، من دون أن يقلل ذلك من أهمية توافق النخب على الالتزام بالخيار الديمقراطي شرطًا أساسيًا في أوقات الانتقال الديمقراطي.

غلاف العدد الخامس والأربعين لـ تبيُّن

أما دراسة "الثقافة سلاحًا: حروب الثقافة في الولايات المتحدة ومصر" لعبد الوهاب الأفندي، فتناول فيها الظاهرة التي تُعرف بـ "حروب الثقافة" في الولايات المتحدة، وهي تطور جذب الانتباه في التسعينيات من القرن الماضي، الذي بلغ ذروته في عصر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتقارنه بتطورات مماثلة شهدتها مصر في الفترة التي سبقت انقلاب يوليو 2013، ولا يزال هذا التطور مستعرًا حتى اليوم. وتطرح هذه الظواهر تحديًا كبيرًا لنظريات "الثقافة السياسية" وفرضياتها حول تأثير الثقافات السائدة في السلوك السياسي.

وتخلص إلى أن ديناميات هذا الصراع "الثقافي" تكشف أن دور الثقافة المحوري في رسم الهوية وإعطاء المعنى للفعل السياسي والاجتماعي، يتفاعل كذلك مع تعدد وتنوع إمكانيات استخدامها أداةً للصراع والانقسام. وبخلاف مقولة صامويل هنتنغتون إن اختلاف الثقافات يرسم حدود الصراع بين الأمم، فإن تحليل الحالات موضوع الدراسة هنا (وبصورة أوسع طبيعة الصراعات في عالم اليوم)، يشير إلى أن الاختلافات داخل المجتمعات ذات الهوية الثقافية المشتركة، قد تخلق صراعات أعمق وأطول أمدًا. وقد يدفع الاستقطاب بأطراف هذا الصراع إلى التحالف مع جهات من خارج محيطها الثقافي، بل على تناقض أشد حدة معها. ويؤكد هذا أن الثقافات في تحول مستمر، وأن حالات التحول (والمقاومة التي تواجهها) قد تخلق صراعات حادة، كما حدث خلال "الحروب الدينية" بعد الإصلاح البروتستانتي في أوروبا، أو الحرب الأهلية الأميركية حول منع الرق. وبناءً عليه، فإن دور الثقافة لا يحدد مسبقًا المسار السياسي، وإنما يعتمد هذا على تآلف الفئات المتشاركة في هذه الثقافة ومخاوفها. ويمكن اعتبار الثقافة نفسها نتاجًا لحسم الصراعات والخلافات بين أطرافها، إما سلمًا وتأقلمًا وتعايشًا وإما عنفًا وانقسامًا (كالاستقلال الأميركي مثلًا).

وأكد رجا بهلول في دراسته "التوجهات الانفعالية والثقافة السياسية الديمقراطية" أنَّ هناك أنماطًا مختلفة من الثقافة السياسية، كما أنّ هناك عناصر متعددة في الثقافة السياسية على اختلاف أنماطها. وأوضح أنه من خلال هذه الدراسة لن يهتم بالثقافة السياسية بعناصرها كافة، بل سيفحص ويناقش الجزء المتعلق بالتوجهات الانفعالية Emotions، أي كل ما يتعلق بالمشاعر، والعواطف، والوجدانيات المختلفة التي نختبرها في حياتنا الثقافية السياسية التي نعتقد أنها لا تنفصل عن القيم والأحكام التقييمية. كما أن هناك تحديدًا آخر امتثل إليه بهلول في هذه الدراسة، وهو أنه لن يناقش أنماط الثقافة السياسية المختلفة، بل سينصب جهده على نوعٍ محدَّدٍ من الثقافة السياسية، وهو "الثقافة السياسية الديمقراطية". وسيتمخض عمله عن مناقشة علاقة مفاهيمية بين "الثقافة السياسية" و"النظام السياسي"، هي: علاقة التوائم Congruence أو التناسب. وهذه العلاقة أقل إثارة للخلاف من العلاقة السببية التي يراها البعض بين النظام والثقافة، ولكنها تمهد للقيام بالأبحاث التجريبية، بحثًا عن علاقات سببية، ذلك أنها تزوّدنا بمفاهيم تَصْلُح للاستخدام في صياغة الفرضيات التجريبية.

أما يوسف زدّام في دراسته "الثقافة السياسية في زمن التنوع الثقافي: الأنماط الحضارية في مواجهة التطرفية المعيارية"، فاستند إلى اعتبار مفاده أن الثقافة السياسية هي عبارة عن تمثل سياسي للثقافة بمفهومها الشامل. وتساءل عن المنزلة التي تحظى بها في جهود إدارة التنوع الثقافي، وتوصل إلى أنها لا تزال تُعاني معاملة مختلفة، تتجلى في بذل غاية الوسع لنمذجتها حتى تتوافق مع الديمقراطية، باعتبارها نظامًا سياسيًا وليس مجرد مبدأ لإدارة الشأن العام. وعلى الرغم من تضمن المواثيق الدولية اختلاف تطبيق "النظام" الديمقراطي بما يتوافق والأنماط الحضارية، فإن جهود الدمقرطة تتضمن فرضًا لنموذج سياسي بتفاصيل دقيقة، وهو ما تضمنته الوثائق المؤسسة للسلوك الخارجي للاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية، التي أدت إلى نشوء مؤسسات سبقت الثقافة، وسعت إلى خلق ثقافة سياسية نمطية عالمية. وقد أدت النمذجة السياسية الناتجة من سوء فهم لجوهر الديمقراطية، إلى تشوهٍ في مفهومها وتفكيك لرأس المال المعرفي وللمؤسسات الأصلية المعبّرة عن رأس المال الهيكلي للمجتمعات. ونتج من هذه التشوهات فشلٌ وعجز مستدام في تفعيل المبدأ الديمقراطي في كثير من الدول.

وتضمن العدد دراسات أخرى منوعة هي: "العلمانية واللاهوت: قراءات لاهوتية وفلسفية معاصرة لعلاقة التنوير والحداثة بالفكر الديني" لنجيب جورج عوض، أوضح فيها بأنَّ ما تبنَّاهُ عدد مهمّ من الباحثين والمفسرين في الغرب من الاقتناع القائل: إن المخيال الفكري الذي يقترن بـ "التنوير" و"الحداثة" هو في جوهره حراك علماني إلحادي يحمل في طياته عداوةً للدين، كان مبتغاه الأساسي إخراج الإيمان الديني من الفضاء العام، وجرى تسويق هذا الاقتناع. وخلافًا لهذا الاعتقاد التقليدي، عرض الباحث في دراسته نماذج لأصوات لاهوتية وفلسفية أنكلوسكسونية معاصرة، أطلقها باحثون يدْعون فيها إلى إعادة قراءة مشروع "التنوير" و"الحداثة"، والتأكيد على أنه مشروع يعبّر عن حراك معرفي متجذر بعمق في أرضية مقاربات ومفاهيم دينية ولاهوتية.

وتقدم هذه الدراسة في القسم الأول منها ثلاثة أصوات من حقل الفكر اللاهوتي المعاصر في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، وناقش قضية مفادها أن علمانية "التنوير" و"الحداثة" لم تكن في حقيقة الأمر إلحادية أو ضد الدين بطبيعتها، وأن أتباعها ومنظّريها لم يتنكروا لانتماءاتهم واهتماماتهم المسيحية الدينية، أو حتى الكنسية. أما القسم الثاني فيتوقف عند قراءة مماثلة موجودة في سياق التفكير الفلسفي الأنكلوسكسوني، كما قدّمها تشارلز تايلر الذي طور أطروحة تدور حول الجذور والافتراضات الدينية الطبيعية والأصلية للعلمانية، مناقشًا مسألة مفادها أن الدعوة الحداثوية للتخلص من السحر والتطير، مستوحاة من أفكار ومفاهيم مشتقة في أصلها من المخيال اللاهوتي للإصلاح البروتستانتي، والحركة الإنسية في عصر النهضة. واختتم الدراسة ببعض الملاحظات والأفكار المتعلقة بالقراءة الغربية الكلاسيكية لحركتَي التنوير والحداثة، من حيث كونهما حركتين تتبنيان رؤية ضد دينية وإلحادية، والنظر في الكيفية التي يمكن لقراءة الغربية الجديدة الحالية لنفس الموضوع أن تقدم دعوة متجددة لإعادة النظر في العلمانية وقيمتها من زوايا ومقاربات مختلفة.

أما محمد الهادي العمري، في دراسته "كبرياء المدينة وجرأة الفيلسوف"، فاستهدف النظر في العلاقة النزاعية بين "الفيلسوف" و"مدينته" من زاوية نظر مخصوصة، تتعلق بتصادم هُويتين: هوية يحركها العقل وهاجسها البحث عن الحقيقة وسياستها، وهوية سلطة سياسية. يتعلق الأمر هنا بوضع الفلسفة ذاتها في مدينة تتنكر أهواؤها ومصالحها في صورة معايير اجتماعية ورموز دينية. ولمعالجة هذه الإشكالية، توقف الباحث في لحظةٍ أولى عند تصادم "الفكر الفلسفي" و"الفعل السلطوي" في الفضاء العمومي، من خلال قراءة كتاب في "السياسةِ وعدًا" لحنة أرندت. وبيَّن أن الخصومة بين "الفلسفة" و"السياسة"، كانت بين من "يسوس الفكرة" و"يتدبر الفعل" في المدينة. أما اللحظة الثانية، فتحدث فيها عن الالتزام الفلسفي ومقتضياته عند الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر، وتابع علاقته بالحرية. وفي خاتمة الدراسة، نزّل المشكل في حاضر مُدننا اليوم التي تنهار أمام أعيننا، لينتهي إلى نتيجة مفادها أن التزام الفيلسوف في أزمنتنا أكثر عُسرًا من التزام أسلافه؛ لأنه يواجه أشكالًا جديدة وما بعد حداثية من التحكم والضبط والعنف، ويبقى معرضًا للخطر حتى وهو في أبعد عزلة ممكنة. وفي دراسته رهانٌ مفاده أن قدر الفيلسوف أن يبدأ مجددًا، رغم ما يُرافق استئناف قوله من آلام ومحن.

وفي باب "مراجعات الكتب"، نقرأ مراجعة كتاب "مدرسة فرانكفورت: تاريخها وتطورها النظري وأهميتها السياسية " لرولف فيغرسهاوس، أعدّها كمال طيرشي، ومراجعة كتاب "نظرية الفعل التواصلي" ليورغن هابرماس (المجلدان 1-2)، أعدّها محمد الأشهب.

التعليقات