20/01/2012 - 20:12

ندوة: هل أنقذت الثورة المصرية حركة "الإخوان المسلمون"؟

الانتخابات بعد الثورة أوصلت "الإخوان المسلمون" إلى السلطة، والمرحلة القادمة كما يتوقع الباحث مهند مصطفى ستشهد تسييسا أكثر للإسلاميين واندماجًا أكبر في السلطة، وتسوية معينة مع العلمانية، لكن الإسلاميين لن يسحبوا الدين من الحيز العام، وسوف يبقوه حاضرًا، فرغم براغماتيتهم عندهم خطوط حمراء.

ندوة: هل أنقذت الثورة المصرية حركة

تثار في الساحة السياسية العربية أسئلة عديدة وبالغة الأهمية حول مستقبل ودور الحركات السياسية الإسلامية، خصوصًا بعد فوزها في الانتخابات البرلمانية في الدول التي شهدت ثورات أسقطت رؤوس الأنظمة أو حتى في الدول التي بادر النظام فيها إلى إصلاحات سياسية في اتجاه الديمقراطية..جمعية "بلدنا" استضافت الباحث مهند مصطفى ليطرح وجهة نظره وأجوبة عن بعض هذه الأسئلة..

اكتظت القاعة البيضاء لنادي "بلدنا" في حيّ وادي النسناس في مدينة حيفا بالجمهور الشبابي غفير، من الناشطين والناشطات، كما اكتظت بالأسئلة وبشغف معرفة تفاصيل التاريخ السياسي في إطار شائك وشائق؛ إطار الحركات الإسلامية في العالم العربي. متى نشأت؟ هل هي حركات دينية أم سياسية أم كلاهما معًا؟ ما الفرق بين تياراتها؟ كيف ستواجه الواقع المتغيّر الذي يحوّلها من المعارضة إلى السلطة بعد كل انتخابات؟

قدّم الباحث مهند مصطفى، خلال الندوة في نادي "بلدنا"، عدّة أجوبة حول هذه الأسئلة طارحًا رؤيته التي صاغها ضمن أطروحة الدكتوراه خاصته حول هذه القضايا تحديدًا. 

ينطلق مصطفى، في مستهل مداخلته، من إن وصول الحركة الإسلامية إلى السلطة السياسية بعد الثورات العربية، من خلال عملية ديمقراطية، كما في مصر وتونس والمغرب، هو تحوّل هام جدًا في تاريخ الحركات الإسلامية وبالذات الحركة الإسلامية المصرية، وهذا الأمر يحتاج بالفعل يحتاج إلى قراءة تاريخية ونظرية جديدة.

- جانب من الحضور -

تجربة جديدة؟

ويسأل السؤال، ما الجديد؟ فقد وصل الإسلاميون إلى السلطة أو شاركوا فيها، ولهم تجاربهم، مثل التجربة الإسلامية في أفغانستان وفي السودان والتجربة الإيرانية والتجربة التركية؟ أو تجارب الإخوان في الأردن والبحرين والكويت؟

يقول مصطفى إنّ ثمة أمران جديدان؛ الأول: سيواجه الإسلام السياسي النظام الديمقراطي، الثاني أن النظام الجديد سوف يأتي على ركام النظام السابق وليس استمرارية له كما النموذج التركي، كما أن النظام الاسلامي لم يكن ديمقراطيًا بل نظام سلطويًا.

هل شهد التاريخ العربي الإسلامي إسلامًا سياسيًا؟

"لم يشهد التاريخ العربي الإسلامي إسلامًا سياسيًا، كون النظام الذي كان قائما كان إسلاميا ويعتمد على الإسلام كمصدر شرعية وتشريع، وبغض النظر عما إذا كان يطبق الشريعة أم لا، إلا أنّ السياق كان إسلاميًا، فالتاريخ شهد حركات دينية خرجت ضد الدولة الإسلامية، والتي حملت طابعًأ فكريًا وفلسفيًا وعسكريًا، أما حركات الإسلام السياسي فقد ظهرت بعد انتهاء الخلافة الإسلامية ودخول الاستعمار وطرح سؤال الحداثة والدولة" يقول مصطفى.

ويضيف إلى ذلك: يجب التفريق بين إسلاميين انتظموا بحركات سياسية وبين إسلاميين ساهموا بالتنظير للإسلام السياسي ولم ينتظموا، إضافة إلى تيار ثالث ألا وهو التيار السلفي الإصلاحي.

الإخوان المدنيون؛ المدرسة الإخوانية انبثقت من المدينة وليس الريف

وأشار مصطفى إلى أن فلسفة الثورة المصرية عام 2011 كانت مخالفة لفلسفة "الإخوان المسلمون" كونها نادت بإسقاط النظام، بخلاف الإخوان الذين طالبوا بالتغيير من داخل النظام وبحثوا عن شرعية من قبله، فهم منذ عهد السادات وحتى سقوط مبارك شاركوا في جميع الانتخابات (عام 1984 تحالفوا مع حزب الوفد الليبرالي)، فحركة الإخوان ليست ثورية إنما براغماتية، ولهذا السبب تحديدًا تأخروا بالالتحاق بالثورة.

وعن جذور هذا التوجه السياسي للإخوان، شرح مصطفى أنّ نشوء حركة "الإخوان المسلمون" في مصر، مثل باقي حركات الإسلام السياسي في العالم العربي، انبثقت من المدينة، حيث كانت الطبقة الوسطى هي الداعمة لها، فبعد عدة سنوات على تأسيس الحركة في مصر كان عدد المنتسبين لها أكثر من نصف مليون غالبيتهم من أصحاب المهن الحرة، وهي لم تكن حركة فقراء ولم تعتمد على بيئة الفقر.

 ففي مرحلة تأسيسها على يدي حسن البنا تشكّلت كحركة غير ثورية كونها تؤمن بالإصلاح والتغيير التدريجي من داخل النظام القائم ومن القاعدة حتى الهرم، بخلاف تيار ومرحلة سيد قطب الذي نظّر ووضع الأرضية الفقهية والتأصيلية للسلفية الجهادية التي تؤمن بوجوب الخروج ضد المجتمع أو النظام الذي لا يطبق الشريعة الإسلامية، ويؤمن بأنّ التغيير يأتي من خلال العنف، خارجًا على كل الفلسفة الإسلامية التي تبلورت منذ مئات السنين (السنية وليست الشيعية).

ونوّه مصطفى إلى أنّ السلفية الجهادية هو مفهوم حديث انطلق من السيد قطب، الذي حيث ليست كل سلفية هي جهادية، فقبل قطب وبعده هناك حركات سلفية إصلاحية تدعو إلى إصلاح التخف الديني والمجتمعي.

- مهند مصطفى -

بين المشرق والمغرب

المغرب العربي، كما تحدّث مهند مصطفى في الندوة، لم يعرف الإسلام السياسي بالمفهوم الإخواني حتى السبعينيات، حيث نشطت هناك حركات سلفية إصلاحية نظّرت حول تجديد الإسلام بما يلائم العصر، أما الإسلام السياسي فركز على قضايا النهضة والحداثة لأنه كان هناك تحدٍ على مستوى الهوية والثقافة بسبب الحضور الثقافي للاستعمار، بخلاف الشرق، الذي واجه أسئلة حول الدولة.

واعتبر مصطفى التيار الإسلامي في المغرب العربي أكثر انفتاحًا منه في المشرق العربي، حيث لا توجد لديه إشكالية بين العروبة والإسلام، وكون الهويات في تلك البلاد متجانسة.

تحولات مركزية في تيار الإسلام السياسي الإخواني الوسطي

وأجمل مصطفى التحولات المركزية التي حصلت عند "الإخوان المسلمون" إلى ثلاث تحولات؛ تحول فلسفي وفكري وفي أنماط الممارسة السياسية، فلسفيًا هناك عودة لمدرسة حسن البنا ورؤية التغيير من الداخل، فكريًا بمنحييْن؛ منحى تحوّل الحركات الإسلامية إلى حركات وطنيّة يهمّها البعد الوطني أهم من البعد الإسلامي الأممي، ومنحى تربوي أثمر عن مراجعة فكرية لإعطاء أجوبة سياسية على أسئلة العصر، وممارسةٌ سياسيةٌ من خلال لعب دور سياسي براغماتي في اللعبة السياسية من دون فرض قيم يؤمن فيها التيار الإسلامي على المجتمع.

ثورة الإنقاذ

ويقول مصطفى: لقد أنقذت الثورة المصرية حركة "الإخوان المسلمون" من مأزق حقيقي وتاريخي كانت سوف تشهده الحركة لعدة عوامل أهمّها وجود تيار "ريفي" كبير داخل الحركة يخالف جذورها التاريخية كحركة مدينية، والإحباط السائد عند تيار سلفي داخل الإخوان بسبب عدم التغيير، ووجود صراع أجيال داخل الحركة.

تسوية وخطوط حمراء

الانتخابات بعد الثورة أوصلت "الإخوان المسلمون" إلى السلطة، والمرحلة القادمة كما يتوقع الباحث مهند مصطفى ستشهد تسييسا أكثر للإسلاميين واندماجًا أكبر في السلطة، وتسوية معينة مع العلمانية، لكن الإسلاميين لن يسحبوا الدين من الحيز العام، وسوف يبقوه حاضرًا، فرغم براغماتيتهم عندهم خطوط حمراء.

...................................................................................

تيار سلفي في الداخل؟

خلال جولة الأسئلة التي فُتحت أمام الجمهور، وفي رده على سؤال حول الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني وعدم ظهور النقاشات الداخلية في الحركة على السطح كما هو الحال في الوطن العربي، قال مصطفى إنه وبالرغم من أنّ الحركة الإسلامية في الداخل هي من نفس المدرسة الإخوانية، إلا أن الاختلاف هو أنّ الحركة في الداخل قدمت من الريف وليس من المدينة بخلاف باقي حركات الإسلام السياسي في العالم العربي، لذلك نرى أنها محافظة أكثر كون الريف متمسك بالعادات والتقاليد الشعبية واقل انفتاحا من المدينة.

وتوقع مصطفى بنشوء تيار سلفي خلال السنوات القادمة في الداخل يخرج من رحم الحركة الإسلامية بسبب حالة الإحباط من عدم تقديم حول وأجوبة حول سؤال الدولة.

 

* مهـند مصطفى: محاضر في كلية الدراسات الأكاديمية "أور يهودا"، وباحث في مركز "دراسات- المركز العربي للحقوق والسياسات"، ومركز "مدار" المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية.

التعليقات