21/10/2017 - 14:05

الدوحة: المركز العربي يناقش عوامل بقاء وهجرة وتهجير المسيحيين العرب

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يفتتح اليوم، السبت، مؤتمرًا يستمر يومين بعنوان "المسيحيون العرب في المشرق العربي الكبير: عوامل البقاء، والهجرة، والتهجير"

الدوحة: المركز العربي يناقش عوامل بقاء وهجرة وتهجير المسيحيين العرب

افتتح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، اليوم السبت، مؤتمرًا بعنوان "المسيحيون العرب في المشرق العربي الكبير: عوامل البقاء، والهجرة، والتهجير".

ومن المقرر أن يستمر المؤتمر، يومي السبت والأحد، والذي تجري أعماله في معهد الدوحة للدراسات العليا، بمشاركة 20 باحثًا من مختلف التخصصات في العلوم السياسية والاجتماعية من سورية ولبنان والأردن ومصر والعراق وفلسطين.

وتنبع أهمية الندوة من "اللحظة المفصلية" التي دخلها الوجود المسيحي في المنطقة العربية، فبعد نحو ألفي سنة تخلّلها تعايش المسيحيين وتفاعلهم مع الإسلام ودوله المتعاقبة، يبدو هذا الوجود معرّضا للفناء مع تسارع "نزيف الهجرة إلى الغرب".

وتتوقع بعض مراصد الحركة الديمغرافية في المشرق العربي، التي تُقدّر أعداد المسيحيين فيه بنحو 14 مليونا، أنه لن يبقى فيه سوى ستة ملايين مسيحي خلال أقلّ من عقد من الزمان. ولذلك، يبدو من المهم إعادة نقاش موضوع الوجود المسيحي في المنطقة، ودراسة واقع المسيحيين وأسباب هجرتهم.

افتتح المؤتمر بمحاضرتين، الأولى، لوزير الخارجية الأردني السابق، كامل أبو جابر، تناول فيها "الدور الغربي في تسهيل هجرة المسيحيين من المشرق العربي"، عرج فيها على العلاقة بين المسيحية الشرقية والمسيحية الغربية، ومايز بينهما. ووجد أن الغرب تاريخيًا لم يكن صديقًا للعرب؛ مسحيين ومسلمين. أما المسيحيون العرب فلم يطلبوا الحماية من الغرب يومًا، بل كانوا مندمجين دائمًا في المجتمع الإسلامي. كما أن المسلمين لم يتسامحوا مع المسيحيين، بل قبلوا العيش مع المسيحيين؛ فالتسامح يعني الرضا بالعيش المشترك إكراهًا، أما القبول، فيعني التساوي في حقوق العيش على أرض واحدة طواعية من المسلمين والمسيحيين.

وذهب المحاضر إلى أن تهجير المسيحيين من المشرق العربي، هو عداء للقومية العربية بحد ذاته، وهو ما يصب في خدمة إسرائيل؛ لأن القومية العربية تجمع بين المسلم والمسيحي وجميع العرب، بغض النظر عن دينهم، فضلًا عن أن هذا التهجير هو ما سيحرم الحضارة العربية الإسلامية من جوهرها الأساسي المتمثّل في التعددية. ولذلك، فإن هجرة المسيحيين العرب ليست مشكلة مسيحية فحسب، وإنما عربية إسلامية عامة.

وكانت المحاضرة الثانية للمؤرخ وجيه كوثراني: "في مأزق مشروع المواطنة وتعثّر الانتقال من نظام الرعية والملة إلى الدولة الوطنية: أوهام التسامح والحماية"، وقد وجد فيها أن أمرين أو مسارين مترابطين رافقا عملية التحوّل التاريخي للدولة في البلدان العربية، ولا سيما تلك البلدان التي ارتبط تاريخها بتاريخ السلطنة العثمانية هما: مسار التحوّل من دولةٍ سلطانية، أي إمبراطورية متعددة الأديان والإثنيات، إلى دول/ أمم، ومسار يضرب بجذوره عميقًا في التجربة التاريخية الإسلامية، ويتعلّق بمسألة "أهل الذمة" في الدولة المسمّاة "دولة إسلامية".

وخلص المحاضر إلى أن الاستشهاد بنظام الملل بصفته "نظامًا متسامحًا" حيال المسيحيين، عملًا بقاعدة عهود "أهل الذمة" في التاريخ الإسلامي، لا يصلح البتة لأنظمة تقول دساتيرها "بحقوق المواطنة" و"المساواة" بين المواطنين.

واقع المسيحيين العرب قبل الدولة الوطنية

تضمنت الجلسة الأولى من المؤتمر ثلاث مداخلات عن واقع المسيحيين قبل نشوء الدولة الوطنية العربية الحديثة. قدم فيها يوسف كرباج مداخلة بعنوان "المسيحيون العرب في الإمبراطورية العثمانية: من معركة مرج دابق إلى معركة عين دارة"، وجد فيها أن تعداد المسيحيين كان يقارب 7 في المئة من سكان المشرق العربي، عندما ورث العثمانيون الهلال الخصيب من المماليك. وبعد ثلاثة قرون، شكلت هذه النسبة نحو 30 في المئة (ولكن 8 في المئة فقط في مصر). بعد بضعة قرون من السلطة العثمانية السنية، تضاعفت الطائفة المسيحية أربع مرات بفضل مواردها الديموغرافية: الولادية والوفاتية، وليس من خلال مساهمة الهجرة الأجنبية كما هو الحال في ظل الحروب الصليبية.

وأكملت الباحثة حلا نوفل في محاضرتها التسلسل التاريخي الذي بدأه يوسف كرباج، في مداخلة لها بعنوان: "المسيحيون العرب في الإمبراطورية العثمانية: من معركة عين دارة إلى الحرب العالمية الأولى". فقد أثرت معركة عين دارة في العام 1711 في التركيبة الاجتماعية في جبل لبنان؛ إذ هاجر الدروز، المنقسمون بين قيسيين ويمنيين، على نطاق واسع إلى الداخل السوري في حوران وحل محلهم بالتدريج المسيحيون الموارنة. كما استفاد المسيحيون من عدم تدخل السلطة العثمانية في شؤون الجبل اللبناني والجماعات المسيحية في كامل بلاد الشام، إلى درجة أنهم جعلوا السلطة المحلية تنتقل إلى أيدي مسيحيين مثل أسرة شهاب التي اعتنقت المسيحية. وقد تبع ذلك هجرة مسيحيين من دمشق إلى لبنان بعد دخول جيش محمد علي باشا دمشق؛ ما عزز النفوذ السياسي للمسيحيين في لبنان لعوامل تتعلق بالنمو الديموغرافي وتعزيز سلطتهم السياسية، وهو ما مهد للعنف الطائفي في بلاد الشام عام 1860.

أما المداخلة الثالثة، فكانت للباحثة فدوى نصيرات، بعنوان "أوضاع العرب المسيحيين الاجتماعية في مصر وبلاد الشام". تناولت فيها الأوضاع العامة للمسيحيين العرب في ظل الحكم العثماني 1516-1918، ومن ثم أوضاعهم الاجتماعية قُبيل حكم محمد علي باشا لمصر وبلاد الشام وخلاله. كما بحثت في الآثار التي تركها حكم محمد علي في الأوضاع الاجتماعية للمسيحيين العرب، ووصفت الباحثة أحوالهم الاجتماعية في ظل التنظيمات العثمانية. واختتمت مداخلتها بالآثار التي تركتها الإرساليات التبشيرية في حياة العرب المسيحيين الاجتماعية.

تجدر الإشارة إلى أن أعمال المؤتمر تستمر بمشاركة عدد من الباحثين المتخصصين العرب؛ إذ تناقش الجلسة الثانية الأوضاع السياسية والقانونية للمسيحيين العرب في المشرق العربي. أما الجلسة الأخيرة في أعمال اليوم، السبت، فتبحث في المسألة المسيحية في الخطاب الإسلامي المعاصر.

التعليقات