24/10/2019 - 16:26

معهد الدوحة: "الشعبوية وتحولات السياسة المعاصرة"

اختتمت أمس، الأربعاء، سلسلة محاضرات "حوارات العصر" التي نظمتها كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في معهد الدوحة للدراسات العليا. وشهد اليوم الثاني والأخير عقد ورشة عمل بعنوان: "الشعبوية وتحولات السياسة المعاصرة"، تحدث فيها ثلة من الباحثين والأكاديميين.

معهد الدوحة:

اختتمت أمس، الأربعاء، سلسلة محاضرات "حوارات العصر" التي نظمتها كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في معهد الدوحة للدراسات العليا. وشهد اليوم الثاني والأخير عقد ورشة عمل بعنوان: "الشعبوية وتحولات السياسة المعاصرة"، تحدث فيها ثلة من الباحثين والأكاديميين.

وفي الجلسة الافتتاحية للورشة التي تضمنت أربع جلسات، سلطت أستاذة النظرية السياسية في جامعة وستمنستر في لندن، الدكتورة شانتال موف، الضوء على موضوع الديمقراطية التصادمية والشعبوية اليسارية: مقاربة من منظور الهيمنة.

وناقشت موف في ورقتها عددًا من المفاهيم بينها مفهوم السياسي، السياسة، الهيمنة، الديمقراطية التصادمية، والديمقراطية الراديكالية، مشيرة إلى أن تطوير هذه المصطلحات يتم في إطار ما يعرف بـ"ما بعد الماركسية"، وأن أي عمل سياسي لا بد أن يقوم على تحديد العدو والصديق بصورة واضحة، والتعامل معه.

ورأت موف، على خلاف الكثير من المفكرين السياسيين الليبراليين، أن السياسة لا يمكن حسم الأمور فيها بالتوافق، مؤكدة على ضرورة وجود صراعات هيمنة لا بد أن تحسم. وأضافت أن السياسة هي صراع حول الهيمنة، وأن الليبرالية بتبنيها فكرة التوافق لا يمكن أن تفسر وتفهم ظواهر مثل الشعبوية.

وشهدت الجلسة الثانية، مشاركة أستاذة الفلسفة في الجامع ة البابوية الخافيارية، لوشيانا كاداهيا، بورقة عمل تناولت: "الشعبوية النسوية"، ناقشت فيها التلميحات التي تشير إلى إمكانية تخيّل بديل لليبرالية الجديدة عن طريق البحث في الإشكالية النسوية والشعبوية، موضحةً أن الشعبي والنسوي هما شكلان من أشكال النضال القائم بالفعل ضد الليبرالية الجديدة.

من جهته، تحدث عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، الدكتور عبد الوهاب الأفندي، حول ما سمّاه: "ما بعد السياسة، لاهوت وبلاغيات عصر الشعبوية". وحاول الأفندي في مداخلته الإجابة على سؤال هل تشير الشعبوية إلى عودة السياسي أم أنها تعني في الواقع نهاية السياسة؟ وذلك عن طريق معالجة البعد اللاهوتي في الموضوع. وأضاف الأفندي أن الحركات الشعبوية تتسم بتكثيف وإلهاب المشاعر إلى مستويات خطيرة لدرجة أنها تطغى على العقلانية والمنطق، موضحًا أن السمة المميزة للشعبوية ليست المطالب المشتركة، وإنما سرديات التآمر حول المخاطر المحدقة.

وفي الجلسة الثالثة، تحدث كريستوف فينتورا، زميل باحث أول في المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والإستراتيجية، تحدث عن تجليات الشعبوية الأوروبية، موضحًا أن أوروبا الغربية تجد نفسها اليوم في لحظة شعبوية متعددة الأشكال. وتطرق الباحث إلى أشكال الشعبوية في فرنسا، وميزان القوة بين اليمين الشعبوي واليسار الشعبوي.

"في السّعي نحو الفائض" كان عنوان الورقة التي قدمها أستاذ مشارك في برنامج علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، إسماعيل الناشف، وفيها تناول الناشف مفهوم "السياسي" مجادلًا أن تسميته تتناقض بالضرورة مع إمكاناته كأداة تغيير جماعية.

وألقى مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ورئيس مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات العليا، الدكتور عزمي بشارة، محاضرة عامة حول الشعبوية والأزمة الدائمة للديمقراطية، رصد فيها ثلاثة توترات دائمة في الديمقراطية الليبرالية، أولها التوتر بين البعد الديمقراطي المتعلق بالمشاركة الشعبية القائمة على افتراض المساواة الأخلاقية بين البشر، والبعد الليبرالي الذي يقوم على مبدأ صون حرية الإنسان وكرامته، وثانيها يوجد داخل البعد الديمقراطي ذاته بين فكرة حكم الشعب لذاته من جهة وضرورة تمثيله عبر قوى سياسية منظمة ونخب سياسية. ويتلخص التوتر الثالث حسب بشارة بين التمثيل بالانتخابات ما يقود إلى اتخاذ قرارات بأغلبية ممثلي الشعب، أو بأصوات ممثلي الأغلبية من جهة ووجود قوى غير منتخبة مثل القضاء وبيروقراطية الدولة.

ووصف الدكتور بشارة الديمقراطية بأنها: "نظام سياسي قام تدريجيًا من خلال الصراع على السلطة السياسية، وأيضًا من خلال التجربة والخطأ، وتوسع تطبيق إجراءاته بالتدريج"، موضحًا أنه نظام لا يعتمد على العقلانية فقط، بل على القيم أيضًا، ولا يتجاهل المصالح بل يخاطبها، ويستمد ديمومته من عناصر "غير عقلانية" مثل التعويد، وإرساء ذاته في الهوية والمشاعر الوطنية ونمط الحياة وغيرها. وقال بشارة إن النظام الديمقراطي الليبرالي ليس أيديولوجية نهائية، ويمكن بالطبع أن تنشأ بدائل عالمية له غير الشيوعية. مضيفًا أن هذا الأمر ممكن من الناحية النظرية، وأن انتصار الديمقراطية ليس حتميًا.

وفضّل الدكتور بشارة التمييز تحليليًا بين الشعبوية والحركات الأيديولوجية الشمولية التي تكتسب تأييدًا شعبيًا عبر استخدام الديماغوجيا والأدوات الشعبوية، والتحريض ضد الآخر، موضحًا أن الشعبوية ليست أيديولوجيا، وأن الحركات الأيديولوجية الشمولية تستغل الشعبوية في التعبئة ضد الخصوم السياسيين، أو للتجييش ضد النظام الديمقراطي نفسه، وليس فقط ضد فساد السياسيين والبرلمانيين، ولكن هدفها تسييد أيديولوجية نخبوية باسم الشعب.

هذا، وأعقبت المحاضرة جلسة نقاشية مفتوحة حول عدد من القضايا الفكرية الراهنة، على رأسها الشعبوية بشقيها الإيجابي والسلبي، إضافة إلى النقاش حول الديمقراطية، والديمقراطية الليبرالية.

 

التعليقات