محمد الماغوط لصحيفة "تشرين": أمي أعطتني الحس الساخر وأكتب كما أعيش

محمد الماغوط لصحيفة
في الطريق إليه تذكرت فقرة شعرية له يقول فيها: «أنا رجل غريب لي نهدان من المطر». وتساءلت كيف السبيل لإقناع هذا الرجل الغريب بحوار، وهو الذي صرّح لي أكثر من مرة: أكره الاستجواب، أكره السين والجيم من اليوم الذي حقق فيه معي السراج.‏ ‏
قلت والحل:‏ ‏
قال الماغوط: أكتب على ورقة بيضاء ما تريد ولكن رجاء لا تشغل مسجلة.‏ ‏

فسألته عن آخر أخباره، فأجاب: زارني الأستاذ معن حيدر، مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ووقع معي عقداً لكتابة مسلسل من ثلاثين حلقة، سيكون مخرجه علاء الدين كوكش وسيساهم في إعداد السيناريو عدد من الكتاب السوريين.‏ ‏

«أشعل الماغوط لفافة تبغ جديدة» فقلت له لماذا لا تقلع عن التدخين؟ فقال: "لا أستطيع تركه، أنا أحب السيكارة، إنها تخلق لي جواً".‏ ‏

(*) والموت هل تفكر به؟‏ ‏

- لا أبداً لا أخاف من الموت ولا يخطر على بالي أصلاً، أنا شكل من أشكال الموت.‏ ومرة قلت: «يخيل لي أنني أكثر الأموات كلاماً».‏ ‏

(*) مازال الاهتمام النقدي بنتاجك الإبداعي مستمراً ما هو السبب في ذلك برأيك؟‏ ‏

- في شعري الكثير من الصور الفنية الجديدة والأمر نفسه في المسرح الذي كتبته وفي المقالة الناقدة.‏ ‏

(*) من علمك السخرية في الكتابة؟‏ ‏

- أمي أعطتني الحس الساخر، وأعطتني الصدق والسذاجة، ورؤية العالم كحلم قابل للتحقق.‏ ‏

(*) حين كتبت قصيدة «القتل» قلت لم تكن تعلم أنها شعر أو كأن الأمر لا يعنيك، كيف يفهم ذلك؟‏ ‏

- كنت أفعل يومها كما يفعل الكُتاب، عادة الكُتّاب يكتبون مذكراتهم، وأنا أردت أن أفعل مثلهم، كنت أكتب معاناتي في السجن وكتبت قصيدتي هذه على ورق التبغ وهربتها خارج السجن وحين قرأها أدونيس قال: «هذا شعر».‏ ‏

(*) كيف تكتب؟‏ ‏

- أكتب كما أعيش.‏ ‏

(*) هناك من يحاول أن يفلسف كآبتك وحزنك، في وقت كنت تحتاج فيه لجرعة أمل؟‏ ‏

- هم أحرار ليكتبوا ما يشاؤون «يصطفلوا».‏ ‏

(*) الآن هل أنت حزين؟‏ ‏

- لا أبداً.‏ ‏

(*) سلمية التي قلت عنها: الدمعة التي ذرفها الرومان على أول أسير فكّ قيوده بأسنانه، لماذا لا تزورها وهي مسقط رأسك؟‏ ‏

- «أخذ نفساً عميقاً من لفافة تبغه وتنهد»: هل تريدني أن أزور سلمية لأعرف أخبار زملائي وأصدقائي ومنهم من مات ومنهم من باع مبادئه؟!، دعها وردة بالذاكرة أفضل من أن تكون شوكة أمام العيون، أريد أن أبقي في ذاكرتي على سلمية كما أتخيلها كما أحبها.‏ ‏

(*) من أحببت من النساء؟‏ ‏

- لم أحب غير سنية صالح «زوجتي» الراحلة، ربما تعرفت على كثير من النساء لكنني لم أحب غيرها.‏ ‏

(*) كيف تنظر لمؤسسة الأسرة؟‏ ‏

- أنا أقدس الأسرة، دون الأسرة لا يمكن أن تنجب أبناء، وتطلقهم للحياة وأنا علمت (شام وسلاف) وربيتهما، أحسن تربية.‏ ‏

ومع ظهور الضجر عليه.. حاولت استدراجه إلى الإجابة عن سؤال جديد يتعلق بالسعادة، لكنه قال بوضوح: يكفي.‏ ‏

دامت الجلسة معه حوالي الساعة والنصف وفيها تذكرت ما قيل فيه: «محمد الماغوط، الحنون، الجارح، الطفل الغجري، الجائع إلى لمسة حنان».‏ ‏

نعم الماغوط جائع للحنان، للحب من وطن قال عنه: «قولوا لهذا التابوت الممدد حتى شواطئ الأطلسي أنني لا أملك ثمن منديل لأرثيه».‏ ‏

وضع في آلة التسجيل الكاسيت: فأطلقت فيروز صوتها مغنية " يا دارة دوري فينا ضلي دوري فينا".‏ ‏

وقبل مغادرتي سألته من يتصل بك من أصدقائك في لبنان قال: بول شاوول وأنسي الحاج..‏ ‏

غادرت منزله حاملاً أوراقي هذه بعد أن زودني ببراءته وغضبه وفرحه المسروق منه دائماً.‏ ‏
______________________________________________

(مصطفى علوش - دمشق)

التعليقات