تأنيث الخطاب كضرورة لأخْلَقَة اللغة (1/3)/ د.سمير خلايلة

-

تأنيث الخطاب كضرورة لأخْلَقَة اللغة (1/3)/ د.سمير خلايلة

مقدمة


 


إعتمدت  إسلوبية كتابتي في اللغة العربيّة قدر المستطاع  تأنيث الخطاب كموقف أخلاقيّ لمناصرة الفكر الأنثويّ, متأثرة بالخطاب الفلسفي الأنثويّ feminist philosophical discourse)) الغربيّ (أنظري المراجع). الشرارة الأولى  كانت قد مثّلت "ثورتي " الصغيرة على اللغة العربية الفصيحة (لا أكترث إذا كانت الصفة هنا "الفصحى") والأسلوبية الأدبية الكلاسيكيّة في كتابي "النثشعري" (مأخوذة من نثر+شعر) "عشق المعاني المحظورة" (2002), مُرتويا بخمرة فلسفة مابعد الحداثة (postmodernism), المُفككّة لقدسية المُثل الأفلاطونيّة المُخلّدة للتصوّر المحافظ من جهة, ومُعبئا بثقافة الفلسفة التّحليلية (analytic) وعلم اللّغة التوليدي التشومسكيّ (Chomskyan generative linguistics ), من جهة أخرى.  فقد دعت الى تفكيك مفهوم الجنس المعياري المذّكر, وإحلال الجنس المعياري المؤنث كبديل يجلّي الموقف الأخلاقي لرفع الغبن عن الأناث/ النساء, الذي يتموضع في فضاء "التفضيل التصحيحي" كأضعف الإعتقاد, وخلق رؤية كونيّة للوجود الإنساني من منظور أنثويّ أموميّ واعد. إنّ  عملية تغليب الصّيغة المؤنّثة أو تأنيث الخطاب هي المُقدمة الأولى لأنْسَنَة (humanization) الأخرى أو الآخر , وأخلقة اللغة (جعلها أخلاقيّة) هي أخلقة الإنسان-الذكر- المنحاز الى منظوره الذاتيّ المتعسّف, الذي يمحى حضور ووجود الأنثى (من فضاء الحضارة), ويذكّرعادة كل شيى ويخلع عادة معنى وإستعارات سلبية على المدلولات  التي تتشكّل بصيغة المؤنّث في اللّغة. لم ولن تغفل, طبعا, حقيقة أنّ من تريد رفع أو نزع أصْنَمّة العقليّة الذكوريّة من المعجم الذهني الإنسانيّ  يتوجب عليها كل الحَذَر ألا تُأصْنِم البديل وتتعبّد نفس الروح المُقدِسة الحصريّة للأنا المُتضخّمة و"البالعة" لكل غَيْرِيّة الأخرى أو الآخر.


 


على الرغم من أنّ معظم اللّغات الطبيعيّة (إن لم تكن جميعها) تنسب عادة مجموعة من الإستعارات الإيجابيّة لمفهوم الذَكَر (male) ومجموعة من الإستعارات السلبيّة لمفهوم الأنثى (female), فقد قدّمت بعض الدلائل للطرح أنّ مفهوم الأم/ الأنثى يشكّل مركبا أساسيا في عملية تكوين مفاهيم الحبّ والتماهي الوجدانيّ (empathy) والذات الإلهيّة (أنظري نصيّ " الأمّ, الإسم, الحب" و"جمهوريةٌ أنا ديمقراطيّتها تحتضر" في كتابي "عشق المعاني المحظورة"). ففي هذا التصوّر يتبيّن أنّ العقل البشري يستخدم مفهوم الأم/الأنثى كتعبير حقيقي وأصيل بحكم ماهيّته ومبناه الجوّاني بالرغم من الهيمنة للأيديولوجية الذّكوريّة في تغييب وإقصاء العنصر الأنثوي في الحضارة الإنسانيّة. وقد أظهرت أنّ التصوّر الدينيّ التوحيديّ (monistic) للذات الإلهية ("الله") المُتمثلة في الصفات "الرحمن" و"الرحيم" تتصل ماهيّا بمفهوم الرحمة المشتقّة لغة من أصل ال"رحم" الأنثويّ, الذي يمثّل فضاءا أخلاقيّا ومقدسا.


 


فمثلا, بدل إستخدام اللغة المذكّرة للإشارة والدلالة على المجموعة البشرية القارئة  بالأسماء المُفردة المُذكّرة (كَ "عزيزي القارىء" في مقدمة الكتاب)  والأفعال المُصرّفة للضمير الغائب المذكّر المُفرد او  الضمير المخاطب المفرد المذكّر, إخترت الصيغة المُؤنثة للإسم المفرد (كَ "عزيزتي القارئة" و "ما أقسى أن يُساء فهم نصِّ لكاتبة!") والفعل المضارع للفاعل المفرد المُؤنث. (في النصوص العلميّة والفلسفيّة باللّغة الإنجليزيّة الحديثة, تستخدم الأنثويّات والأنثويّون (feminists) الصيغة المؤنّثة في سياق الدلالة التعميميّة, الغير مُعيّنة ( generic reference), بدل الصّيغة المذّكرة المألوفة.)


 


دوافع تأنيث الخطاب في اللّغة


 


البعد الإستراتيجي في عملية تأنيث الخطاب من قبل الكاتب  يهدف إلى مَرْكزة وتذويت في الوعي الجمعي الحضور الإنسانيّ والأخلاقيّ والحضاريّ للأنثى العربيّة, وإلى مساهمة في تفكيك وتقويض قوالب وأنمطة فكرية ذكوريّة  تقصي, تهمّش, وتُسكت, و تُغيّب الأخرى والآخر. أن تناصر إنسانةٌ أي حركة أنثويّة هو أمرٌ  طبيعيّ وأخلاقيّ لأنّ من تجيز التميز بين البشر على أساس الجنس يعني أن تسكن في جمهوريّة عقل غير أخلاقيّة, وبالتالي تدعّم تكريس النظرة الإستعلائيّة المهيمنة في المجتمعات الذّكوريّة.


 


إنطلاقا من قناعاتي الأخلاقيّة والعلميّة العقلانيّة لمفهوم اللغة الطبيعيّة, عزمت على تفكيك اللغة العربيّة الفصيحة كلغة طبيعيّة حيّة ومنطوقة في السياق الحاضر او على الأقل تغيير وجهها الأخلاقيّ, لأنّ تغلييب الصِيغ المؤنثة بدل  تغليب الصيغ المذّكرة للإشارة للإنسانيّة العامّة في سياق الخطاب (discourse) باللّغة هو إعترافٌ بنسف إحدى صور الإجحاف بحق الإناث/النساء في التاريخ البشري لأن اللغة الطبيعية والفكر يتمفصلان/يتلازمان ويُجوهِران طبيعة وحقيقة الإنسانة او الإنسان. أن يُقال, مثلا, إنّ العربية الفصحى لم تعرف المفردة "إنسانة" هو أمرٌ ثانوي لأنّها لم تعد منطوقة وحيّة تخضع لقوانين ومبادىء التحوّل والتغيّر والتطوّر كأي عنصر في الطبيعة, ومجرد إضافتها إلى المُعجم اللغوّي للعربيّة ليس خرقا لقواعد اللغة وتطاولا على قدسيّة اللغة  (قدسيّة الذَكَر) أو إستفزازا لسلطويّة اللّسانيّين المعياريين الجُدد (لا أستبعد أن تكون المفردة  في بعض اللهجات (dialects ) أو ال idiolects, اللّغات الفرديّة عند متكلّمي اللغة في فترة زمنيّة,  من العربيّة غير لغة قريش, لأنّ العربيّة المكتوبة المُقّعدة (standardized) لا تجسّد أو تمثّل التنّوع في اللهجات أو (اللغات العربيّة المتعدّدة المنطوقة), بل هو طبيعيّ (وأخلاقيّ) كتجلّي للجانب الإبداعي اللّغويّ الذي يميّز الطبيعة البشريّة, ووجودها في المُعجَم (الذهني) للغة العربية الفلسطينية المنطوقة (حصريّا) محفّزٌ آخر لتوطينها في بيتها اللغويّ العربيّ بدل إقصائها الى منفى العدميّة ( ;تجدر الإشارة هنا أنّ المفردتين "بنادمِه" و"بنادَم" تتوأمان في اللغة العربية الفلسطينية وترمّزان مفهوم الإنسانيّة كذلك).


 


إنّ إحدى الدوافع المركزيّة لإختيار مفردة "إنسانة", بدلا من مفردة "إنسان", لتدلّ على الجنس البشري أو مجموعة الأشخاص التي يُنسب اليها صفة الإنسانيّة في سياق الجمل التي ترمّز (encode) الإحالة او الدلالة التعميميّة (generic reference), كما هو ممثّل في (1),  هي ترسيخ مفهوم علاقة المحبّة البشريّة بمنظور الإحتواء الأنثويّ الأموميّ.


 


(1)     ا.        الإنسان (عادة) يبكي عندما يفقد أمّه/ حبيبه.


          ب.      الإنسانة (عادة) تبكي عندما تفقد أمّها/ حبيبها.


 


فكلمة "إنسانة" تحتوي كلمة "إنسان" مورفولجيّا, وبذلك تكون الصيغة المؤنّثة حاويّة (أو حاضنة) في رحمها كلمة "إنسان", التي تكوّن ذرة جزئيّة. هذا الإحتواء الحاضن الأنّثوي والأموميّ للعنصر المذّكر, بالطبع, له بعد أخلاقيّ وأنطولوجي. لا يمكن, مثلا, أن يعيش الجنين الإنساني خارج الوطن الطبيعي الأموميّ بدون إعتناء ومسؤوليّة أخلاقيّة وتضحيّة أنثويّة لدرجة المخاطرة بالموت عند الولادة وإستمرار وجود البشريّة.


 


ثمة دافع أخر يأتي من جهة الحقائق اللغويّة في اللغة العربيّة الفلسطينيّة المُمثلة في (2).


 


(2)     ا.        ازّلام (عادة) بتكذب عَ نِسوانْها.


          ب.      ازّلام قاعدين (ب-)يكذبو عَ نِسوانهِن.


 


الحقييقة النّحويّة الواضحة في (2) هي ظاهرة الجنس النحويّ (أنظري لاحقا عن تبيين المصطلح اللغويّ). عندما تودّ المُتكلّمة أن تعبرّ عن حدث كذب الرجال على نسائهم  في سياق الحاضر المستمر, الأسم المُعرّف "ازّلام" في (2ب) يدّل على مجموعة رجال محدّدة (او معيّنة) ومجموعة النّساء المرتبطة دلاليّا (referentially bound) بالرّجال في سياق زمن التلفّظ أو التفوّه بالجملة. إسم الجمع المعّرف "ازلام" في (2ب) تحدّد سمة الجنس على مفردات المسند أو الخبر, "قاعد" و "(ب-)يكذب" و "نِسْوان". كون الإسم المعرّف المُحدّد "ازّلام" يحمل سمة الجنس ]+مذكّر[ وسمة العدد ]+جمع[, يفرض على  الخبر أو المسند أن يحمل نفس هذة السمات اللغويّة, كي يتحقّق قيد أو شرط التطابق بين المُسند (predicate) والمُسند اليه (subject) حتى يكون هناك إسناد (predication) في المبنى النظميّ/ النحوّي للجملة وسلامة بناء الجملة (grammaticality). بالمقابل, الإسم المعرّف "ازّلام" في (2ا), رغم أداة التعريف, يدل على نوع أو جنس (genus) مجموعة الأفراد التي تحمل صفة الرّجوليّة. يسمّى عادة في الإصطلاح الحديث kind-referring noun phrase أو generic noun phrase  (أنظري The Generic Book, 1995).  كون المبتدأ "ازّلام" لا يشير أو يدلّ على مجموعة رجال محدّدة, يُلزم إستخدام صيغة الحاضر البسيط, "بتكذب", التي تحمل سمة الجنس النحوي ] +مؤنّث[, رغم حقيقة أنّ الأسم المفرد  "زَلَمِه" والإسم الجمع "زلام" (أو "زُلُم") يتحدّد بسمة ] + مذّكر[ في معجم اللغة العربية الفلسطينيّة, حتى يكون هناك إمكانية التعبير عن صفة إسناديّة إعتياديّة أو تعميميّة أو مميّزة أو إنتظاميّة  في مبنى الجمل التعميميّة (generic sentences). معظم معرفتنا عن العالم, بما في البشر,  وكثير من معتقداتنا عن العالم, تعبّر عنها بهذا النّوع من الجمل في اللّغات الطّبيعيّة.


 


نستنتج, اذاً, أنّ اللّغة الفلسطينيّة تستخدم الصّيغة المؤنّثة للدلالة على صفات مميّزة للأشياء والأفراد في صيغة الجمع في عملية الإسناد المُميّز (characterizing predication) في الجمل التعميميّة, ولن يكون خرقا فاضحا أذا عمّمنا الصّيغة الإنثويّة في حالة الإفراد للإشارة الى النّوع  أو الجنس الخاص  للفرد الإنساني. فمثلا, بدل أن نقول أو نكتب (3) نقول أو نكتب (4).


 


(3)     الإنسان طمّاعٌ بطبعه.    ("الإنسان بطبعُه طمّاع " في اللغة الفلسطينيّة)


(4)     الإنسانة طمّاعةٌ بطبعها. ("الإنسانه بطبعَه  طمّاعَه" في اللغة الفلسطينيّة)


 


 


إنّ إتخاذ موقف تأنيث الخطاب الأخلاقيّ كبعد إستراتيجيّ في موقف  وإسلوب الكاتب يتعزّز من قبل جانب المعنى التعبيري (expressive meaning) للّغة الطبيعيّة: في اللّغة الفلسطينيّة, حتى تعبّر عن موقف ودوديّ  أيّ متكلمة تعرف اللّغة الفلسطينيّة فطريّا وكلغة أمّ طبيعيّة, مختزلة البعد  ومجسدة القرب والألفة, إتجاه الشّخص الذي يحمل إسم علم شخصي (proper name) مذكّر, تلجأ الى إحداث عملية  تصغير, تأنيث لصيغة الأسم المذكّر, كما هو واضح في (5).


 


(5)     ا.        وِصِلْ نادِر.


          ب.      وِصِلْ نَدْورَه.             (قارني لغة الأم مع طفلها: وِصْلَت ندوره)


 


المُدهش لغويّا هنا  هو أنّ الفعل الماضي "وصل" في (5ب) قد يحمل سمة الجندر النحويّة ]+مؤنّث[ في سياق تكون المُتلفظّة بالجملة أمٌ ترى أبنها نادر يعود الى البيت من الروضة, جاعلة من تصغير الإسم موقفا ودوديّا مُحبّا إتجاهه. لا نستغرب, أيضا, أنّ لغة المحبّة تُأنّث. فالمحبوبة قد تنادي أو تخاطب حبيبها بصِيغ مؤنثة مجلية الموقف الشعوريّ الأموميّ. من هنا, نستطيع أن نفهم الحالة النّفسية للمحبّين. إقصاء الإتصال الجسدي مع المحبوبة أو الحبيب في الحبّ العذري  هو تشكّل لمفهوم تحريم الجِماع مع الأم على الصعيد الباطني/ اللاواعي.


إنّ مستوى المعنى التعبيري هو جزءٌ لا يتجزّأ من مجموعة الجوانب الشاملة لمعنى ودلالة العبارات اللغويّة المركبّة. المعنى التعبيري في اللغة يتجسّد سلبيّا في الكنايات الإسميّة أو الصفتيّة في اللغة:


 


(6)     ا.        وصل نادر الهَبَلِه.


          ب.      وصل الهَبَلِه/ الخَرَه.


 


إنّ مجرد إضافة القيد أو النّعت الصفتيّ (adjectival) أو الإسميّة "الهَبَلِه" من قبل المتكلّمة في (6ا) يُضاف المعنى التّعبيري الغير ودوديّ تجاء الشخص المسمّى ب "نادر" الى المعنى او الدلالة الحرفيّة للجملة. لاحظي أنّ المُسمَّى بِ "نادر" قد يكون إنسانا غير أهبل بالمطلق. في (6ب),  بموقف المتكلّمة تُنزَع صفة الإنسانية عن الشّخص المُشار اليه في الإسم ذي الدلالة السّلبيّة "الخَرَه", وبذلك تكون قد خرقت مبدا أخلاقيا أوليّا في رؤية الأخر أو الأخرى في رؤية إنسانيّتها أو إنسانيته, من حيث هي إنسانة أو هو أنسان. فلا نتخيّل وجود عبارة سليمة في اللغة العربيّة الفلسطينيّة,  مُكوّنة من إسم علم مذّكر خضع لعملية تصغير (أو تأنيث صيغته) وكناية سلبيّة , تجسّد المعنى التّعبيري, كما هو بائن في (7).


 


(7)     ا.*      وصل ندوره الخَرَه.      ( الإشارة * تعبّر عن عدم إستقامة بناء الجملة بالعربيّة الفلسطينيّة.) 


          ب.*    وصل كَمّوله الحمار.     ("كمّوله"  مأخوذة من "كمال")        


         


 


الأنثويّة والجنس النّحوي (feminism & grammatical gender):


حضور الذّكوريّة في التّرجمة والإستعارة


 


لو تأملت أيّ إنسانة الى حقيقة التّرجمة (والتّعريب), لأكتشفت يقينا أنّ الرّوح الذّكوريّة حاضرةٌ بقوة في نقل المصطلح Feminism الى العربيّة الفصحى. إنّ مجرد ترجمته كَ "النّسوّية أو الحركة النّسوّية" يجلّي تغييب الأنثى العزبة (او العزباء) من مجال اللواتي يحق لهنّ أن يتحرّرن جنسيّا من إمتلاكية وإحتكار السّلطة الباترياركية في المجتمع الذّكوريّ لجنسانيتها (sexuality) ( ; تاريخيّا, نضالات الفِمينيزم تتضمّنت التّحرر الجنسي في موجتها الثّانية, أنظري, مثلا, Saul 2005 ). في اللّغة العربية الفصحى مفهوم ال "مرأة" أو "نسوة/نساء" يحمل دلالة الحالة الإجتماعية الزّواجيّة; ومن هنا ليس صعبا أن يُصادر حق التحرّر الجنسي عند الأنثى العزبة. فمؤسسة الزواج جاءت في الأساس لتنظيم وإحلال ممارسة الجنس في  إطار أخلاقي من منظور الباترياركيّة في المجتمع الذكوري (المتديّن). لا أستبعد أنّ من ترجمّ أو ترجمت المصطلح الى العربية الفصحى كان او كانت مذوّتة للعقليّة الذكوريّة الإستعلائيّة. في المجتمعات الذكورية المُغلقة, يُحرّم على العزباءات ممارسة الجنس, فيُسحق جانبٌ مركزي طبيعيّ من  إنسانيّة وكينونة الأنثى. أن "تتبنّت" الأنثى العزباء في المجتمع المسلم, مثلا, ليس هو الحلّ السحريّ العادل في تصّوري.  تجدر الإشارة أنّ المصطلح المُترجم "النسّوية" مشتقّ من أسم جمع وليس بمفرد, كما هو الحال في المصطلح الأصلي الغربيّ "الفيمينزم". هل  يمكن إدراج هذ الحقيقة في إطار المنظور المُجَنْسِن (sexist perspective) للّغة, أم هي مجرد حقيقة مورفولوجيّة أو صوتيّة  لمبنى كلمة المفرد المؤنّث "إمرأة", منزّة من كل إنحياز لصالح الجندر الذكوري؟ ما العيب البنيّوي في "المَرْئويّة" و "إمْرَئَويّة" أو "إمْرَئويّ"؟ ولماذا لم يُترجم المصطلح feminism الى العربيّة كَ "الأنثويّة", بموازة المفردة "الذكوريّة"؟ يخيّل لي أنّ مثل هذه التّرجمة تنصبّ في عقلية ذكوريّة تكرّس المُعتقد أنّ الإنسانة الأنثى/ المرأة كفرد مستقل لا يمكن لها أن تكون أنطلوجيّا ككيان واحد لوحدها, بل يجب ضم مجموعة كل المجموعات للإشخاص التي تحمل صفة الإناثة, المجسّدة بصيغة الجمع "نسوة", كي تتساوى أنطولوجيّا مع الإنسان الذَكَر/ الرّجل, كمفرد مستقل ذي كيان واحد لوحده.

التعليقات