ما الذي يعنيه لدولة إحتلال وصول "الجنة الآن" وهاني أبو أسعد إلى هوليوود/ جهاد هديب

-

ما الذي يعنيه لدولة إحتلال وصول
ما الذي استفز دولة الاحتلال الإسرائيلي وأنصارها من رجال الأعمال الصهاينة في أميركا كي يُصار إلى إتخاذ قرار شبه مُعْلن بمحاربة الشريط السينمائي " الجنة الآن " للفلسطيني هاني أبو أسعد والسعي إلى الحيلولة دون فوزه بأي جائزة ما إن جرى الإعلان عن ترشيحه منافسا على جوائز الأوسكار الخاصة بالفيلم الأجنبي التي تبدأ في الخامس من الشهر المقبل وذلك بعد فوز كبير ولافت للأعين من الجهات كلها بجائزة " غولدين غلوب "؟ فلقد أثار الكثير من الغضب الإسرائيلي أن يرد اسم " الجنة الآن " قادما من فلسطين بوصفها دولة منشأ كسائر الأعمال السينمائية الأخرى.

قد لا يفوز " الجنة الآن " بأي من جوائز الأوسكار غير أن وصوله إلى هناك بعد سلسلة من الجوائز الرفيعة وبهذا القدر من الضجيج الإعلامي الذي رافقه وما أثاره من جدل واسع حول موضوعه اتفاقا واختلافا وارتفاع سويته الفنية أعلن بلا أي نقاش أن الموضوع الفلسطيني براهنيته شديد الحضور في الأوسكار حيث من جاري عادة التركيز الإعلامي أن يجعل من الشخصية السينمائية شخصية عامة مؤثرة ما يعني أن حضور الموضوع الفلسطيني لن يقتصر حضوره على الكيفية التي أراد له أن يحضر بها شريط ستيفن سبيلبيرغ الأخير " ميونخ " هذا المخرج الأثير من قبل الدوائر اليهودية والصهيونية في عاصمة السينما العالمية هوليوود حيث تجري مسابقات الأوسكار.

هناك وجهة نظر أخرى من فاسطيني عايش الواقع الفلسطيني وحايثه منذ الطفولة وجاء محمولا إلى الأوسكار على جوائز مرموقة من بينها جائزة أميركية.

وليس هذا وحده ما جرى فحسب بل إن المخرج هاني أبو أسعد قد حقق حضورا لافتا في الإعلام الغربي منذ فوزه في مهرجان برلين السينمائي للعام الماضي بجائزة ألفرد باور وجائزة منظمة العفو الدولية وجائزة الملاك الأزرق لأفضل فيلم أوروبي.

يسأله الصحفي الألماني إيغال أفيدان في حوار نشر بالعربية على الموقع الإلكتروني المعروف قنطرة أثناء أثناء مهرجان برلين وقبل الإعلان عن فوزه بتلك الجوائز معا: هل تدين العمليات الانتحارية؟ فيردّ أبو أسعد: لماذا؟ أنا ضد قتل البشر، وأريد إيقاف ذلك. ولكنني لا أدين من يقوم بعملية انتحارية. إن هذا بالنسبة لي رد فعل إنساني جدا على وضع عصيب جدا.
إن هذا المنطق المتفهم للدوافع الإنسانية الكامنة خلف العمليات الاستشهادية كإحدى ظواهر المقاومة الممكنة يُحرج الغرب الذي لا يريد أن يرى من الصورة إلا جانبا واحدا تشيعه " إسرائيل " والدواءر اإعلامية الصهيونية شديدة التأثير على رجل الشارع في الغرب.

يفهم أبو أسعد تلك الآليات التي تحرك الإعلام الغربي هو الذي يقيم في هولندا على نحو متقطع منذ العام 1981 والحال انه يتعامل معها بذكاء وحساسية لافتين. يجيب على سؤال لصحفي من نيويورك تايمز حول موضوع " الجنة الآن " بالقول : إن معالجة بعض القضايا الحساسة لا يعني بالضرورة تمجيدها أو الموافقة عليها ، قائلاً : "اعتقد أن فيلم (الأب الروحي) لا يمجد المافيا ، تماماُ كمسلسل (عائلة سوبرانو) الذي لا يمجد الجريمة ، وفيلمي أيضاً لا يبرر القيام بالعمليات الاستشهادية ،فأنا فقط أصف الأشياء كما هي".

ويضيف في السياق نفسه : "كل ما يظهر في الفيلم ليس محض خيال ، فمعظم ما ستشاهدونه حدث بالفعل". وقد كان ذلك قبل فوزه بجائزة " غولدين غلوب " بأيام، فلم يمنح أبو أسعد أي من دوائر لجان التحكيم وما شابهها أي من الذرائع التي تتيح إقصاء وجهة نظره وإقصاء رفعة صنيعه السينمائي وأهلية منجزه الإبداعي للحصول على ما يجدر به من جوائز عالمية في الوقت نفسه الذي يعالج فيه موضوعا حساسا على صعيد الداخل الفلسطيني والعربي عموما. ومَنْ يجرِّب الدخول إلى الشبكة الإلكترونية قد يكتشف ذلك الكم من القدح الذي يتعرض له أبو أسعد من خصوم مزعومين وغير مزعومين على هذا الصعيد. أليس هذا الأمر نوع من القتال على جبهتين؟

بعد حصوله على الجائزة " غولدين غلوب " مباشرة قال أبو أسعد : إن فوز " الجنة الآن " بهذه الجائزة يعني أن الشعب الفلسطيني يجدر بحرية غير مشروطة.

وينطوي هذا التصريح في قلب الغرب الأصمّ الذي بلا قلب على رسالة سياسية مباشرة من رجل بات يدرك تلك المكانة السياسية التي وضعه فيها صنيعه السينمائي على نحو مباشر وقضيته وموقفه من العالم والمعرفة على نحو فعلي وبالتالي أهمية ما يقوله وما يصرّح به للإعلام الغربي الذي يتابع الأعمال السينمائية التي تفوز بهذا النوع من الجوائز ، أي الاختراق بما أمكن من الوسائل وأرقاها وأكثرها تأثيرا على رجل الشارع العادي دافع الضرائب. هو الذي كان قد صرّح سابقا في معرض تعليقه على جوائز برلين : " لقد هزمنا إسرائيل سينمائيا، علما أن لا شريط سينمائيا إسرائيليا واحدا في المنافسة ذاتها.

صحيح أن " الجنة الآن " سيكون محدود التأثير إلى هذا الحدّ أو ذاك غير أن القرار الإسرائيلي الاستباقي بعرقلة فوزه بأي من جوائز الأوسكار دلالة على أنه يخز فيوجع وقد يكرس فلسطينيا بذكاء وحساسية أبو أسعد كشخصية فلسطينية عامة في الغرب وهذا أمر من المحرمات أصلا.

بالمقابل ينطوي منطق أبو أسعد على السعي إلى تبديد الأوهام المتعلقة بالدوافع الفلسطينية تجاه العمليات الاستشهادية التي ينظر الغرب إلى منفذيها على أنهم قد تعرضوا لعملية غسيل دماغ فيرد بالقول في نيويورك تايمز ذاتها: "التعرض للمهانة يجبر الناس على القيام بمثل هذه الأفعال ، عندما يصبح دافعك الأول هو شعورك بالعجز ، فأنت محاصر داخل مدينتك ، كما أنك غير قادر على الخروج من هدا الموقف ، إذن فأنت في حقيقة الأمر لا تساوي شيئاً في هذا العالم".

ويضيف : "الحل هو أن تهاجم عدوك ، أن تتحول من خاسر إلى رابح كبير ، أما الحديث عن غسيل المخ ، وحوريات الجنة فهو من وجهة نظري ليس إلا طقساً من الطقوس الدينية ، وهو رأي يشاركني فيه الكثيرون".

وقد يثير هذا الرأي خلافا أو جدلا لكنه جدل يبقى في الدائرة الفلسطينية والعربية ولا يخرج عنهما إلا أنه رأي بالفعل يتشاطر فيه كثيرون فلسطينيا وعربيا وإسلاميا أيضا. إلا أنه ينقل تصورا آخر في الغرب ليس لجهة أنه ضرب من المقاومة في مواجهة غطرسة التي تمارسها قوة الإحتلال على نحو مذلّ للناس في عيشهم اليومي بل إن أبو أسعد رغم أنه ينفي تشجيعها إلا أنه في الوقت نفسه يدعو الغرب إلى تفهم دوافعها في شريطه وفي تصريحاته فالمرء يجده واضحا على هذا النحو في إرادته كفلسطيني وكصانع أفلام لا يحتاج إلى مَنْ يدافع عنه أو عن وجهة نظره سواء هنا أم في الغرب.
يسأل صحفي عربي أبو أسعد : لماذا تنطق العربية بصعوبة وكيف جاء عملك في المجال السينمائي وهل أنت من عرب 1948، أم من فلسطينيي الداخل؟ فيردّ بالقول: " أرفض الجزء الأخير من سؤالك لأن التقسيم للفلسطينيين ما بين عرب 1948، وعرب 1967، وعرب 2003، هو هدف إسرائيلي لتشتيت الشعب الفلسطيني الواحد، وأنا من الناصرة ولدت عام 1961، والدي (حسن أبو أسعد) رحمه الله كان يعمل في مجال المقاولات ووالدتي (سهيلة) كانت ربة منزل وعدم نطقي العربية باللهجة العامية البسيطة ربما يرجع الى وجودي في هولندا لمدة 15 عاماً على فترات الأولى من 1989 – 1981 والثانية من 1998 – 1993. ولكن أنا حالياً أعيش في فلسطين ومنذ سنوات ولن أغادرها.

أما بالنسبة للسينما فأنا أحببتها فعملت بها فأنا مهندس طيران وعملت في هذا المجال لمدة عامين من 87 – 89 ولكن وجدت أن الهندسة تقوم على معاملة واحدة 1+1=2 وهذه المعادلة ثابتة في كل أنحاء العالم، ولأنني بطبيعتي أعشق المغامرة وأعشق الخيال فقد اتجهت للإخراج السينمائي وأنا عشقت السينما منذ كنت طفلاً، ففي مدينتنا الناصرة كانت هناك سينما (ديانا) تقدم كل أحد فيلمين في تذكرة واحدة أجنبي (كاوبوي) ومصري. وعشقت من خلال مشاهدتي الأبطال المصريين فريد شوقي ورشدي أباظة وتوفيق الدقن ومحمود المليجي وهند رستم وميرفت أمين. لذلك عندما شعرت بقسوة الواقع وضيق مجال الهندسة هربت الى عالم السينما الرحب الواسع الذي كان يساعدني وأنا طفل على الهروب لمدة 4 ساعات من الواقع الصعب في ظل الاحتلال الاسرائيلي". إذا فالكلام واضح ولا لبس فيه.

كان أبو أسعد قد قرر تصوير"الجنة الآن" في المواقع الحقيقية للأحداث في مدينة نابلس ، لكن يبدو أن الفكرة لم تكن عملية بالشكل الكافي ، خاصة في ظل المواجهات المسلحة التي طغت على شوارع المدينة أثناء الانتفاضة الفلسطينية ، حيث كان لهذه الخطوة تبعاتها المريرة يصفها أبو أسعد : "لقد كان قرارنا بالتصوير في نابلس قراراً ساذجاً ، لقد تعرضنا لخطر بالغ ، كنا على مشارف كارثة حقيقية".

ويتتبع فيلم (الجنة الان) مصير خالد وسعيد وهما شابان فلسطينيان وقع الاختيار عليهما لتنفيذ عملية استشهادية في " تل أبيب ".

إلا أن الخطة لا تسير على ما يرام ما يضطر الصديقان لاتخاذ قرار مرة أخرى بما اذا كانا يرغبان حقا في المضي قدما في تنفيذ العملية. وينتهي بهما الحال الى اتخاذ قرارات مختلفة تماما وغير متوقعة.

يصف أبو أسعد ذلك : "المأساة في القصة هي أن الاب تعين عليه التواطؤ مع العدو لتوفير حياة أفضل لابنائه... أما الابن فيتعين عليه قتل نفسه حتى يجعل حياة أسرته أفضل. هذا يحدث. إنها قصة أسطورية.. أن تقتل نفسك مع العدو... أنا أعيد كتابة الاسطورة من وجهة النظر البشرية ومن وجهة النظر الفلسطينية ومن وجهة النظر الواقعية."

التعليقات