ندوة في كفرقرع: " سبعون عاماً على حركة الشيخ عز الدين القسام واستشهاده "

-

ندوة في كفرقرع:
في اطار ندوة نظمتها جمعية الزهراوي الثقافية في بلدة كفرقرع (في المثلث)، وضمن سمنار أكاديمي تديره هذه السنة حول الرواية التاريخية الفلسطينية كان موضوعها هذه المرة " سبعون عاماً على حركة الشيخ عز الدين القسام واستشهاده "، أكد الباحث د.مصطفى كبها ان الابحاث التاريخية والروايات الشفهية حتى الان لم تثبت انتماء الشيخ عز الدين القسام الى اطار سياسي فلسطيني دون سواه وان بعض الجوانب المتعلقة بحركته وشخصيته لا تزال غائمة وبحاجة الى المزيد من الكشف والتوضيح.

وأشار الدكتور كبها ان القسام عمل في ظروف سرّية متوخيا الحذر الشديد في تحركاته وخططه عشية انطلاق حركته في مطلع تشرين الثاني 1935 .

ولفت كبها الى ان المصادر المكتوبة والشفهية قد نوهت الى علاقات ربطت القسام بالمفتي الحاج امين الحسيني الذي سبق وأسند إليه وظيفة في المجلس الاسلامي الأعلى الذي ترأسه (مأذونا ومدرسا في مدرسة البرج الاسلامية وواعظاً في مسجد الاستقلال في حيفا)، واضاف" غير ان ذلك لا يؤكد انتماءه للحزب العربي الفلسطيني (حزب المفتي)، علما ان الكتابة التاريخية حول سيرة القسام والتي كتبت عقب وفاته قد تأثرت بالميول السياسية للمؤلفين.

وبسياق متصل اشار كبها الى ما قاله الكاتب صبحي ياسين ابن مدينة شفاعمرو واصغر اتباع القسام سناً في حينه (عمل رسولا اوصل رسائله) في كتابه حول الثورة ان القسام لم يتبع لجهة سياسية ما. وكان كبها قد استعاد سيرة القسام منذ ان درس في جامعة الازهر في القاهرة وبتأثره باستاذه محمد عبده صاحب التوجهات التي مزجت بين الاسلامية والعروبة اضافة الى تأثره بالسلفية عن طريق زملاء واساتذة اخرين امثال محمد رشيد رضا".

كما تطرق كبها الى نشاط القسام في حيفا فور استقراره فيها فارًّا من ملاحقة الفرنسيين في سوريا عام 1920 واوضح انه نشط في مساجد ومدارس المدينة خاصة في مسجدي الاستقلال والجرينة، منوها الى دوره بحض الناس على الثورة.

واضاف" نشط القسام في احياء الصفيح التي سكنها الوافدون من العمال والفلاحين من الارياف الفلسطينية طلبا للرزق فيما كانت علاقات ضعيفة جدا تربطه بالطبقة البرجوازية عدا بعض الاستثناءات ومنها علاقته الحميمة مع رشيد الحاج ابراهيم الزعيم الاستقلالي المعروف( رئيس جمعية الشبان المسلمين ايضا) الذي كان من وجهاء المدينة وهو ذو اصول فلاحية بالاصل ( من ام الفحم) ".

واوضح المحاضر كذلك ان التصاق القسام بالطبقات الدنيا في حيفا ربما تتعدى رغبته بتجنيد جمهور الهدف المرشح للاستجابة لنداء الثورة، لافتا الى امكانية وجود دوافع ايدلوجية تتمثل بميله لرفع شأن هذه الشريحة الاجتماعية.

وشكك كبها بنية القسام لحظة مغادرته المدينة نحو قرى مرج ابن عامر وجبال فقوعة ثم جبال أم الفحم، بالشروع الفوري بالثورة مرجحا رغبته بالتمهيد لها من خلال زيارة الاهالي في الريف الفلسطيني وتعبئتهم على طريقة الثورات الريفية في شمال افريقيا (ثورة عبد الكريم الخطابي في المغرب والأمير عبد القادر في الجزائر ). واضاف" كيف يمكن له الخروج بقصد الشروع بالثورة وقد اصطحب نفراً قليلاً فقط من اتباعه وأبقى الأخرين في حيفا ودون ان يستوفي الاحتياجات اللوجستية التي تقتضيها الثورة المسلحة؟".

ونوه كبها بهذا السياق إلى أن مكابدة المجموعة للجوع قد ادت الى انكشاف امرها مبكرا، موضحا ان احد افرادها( محمود سالم المخزومي من قباطيا- و.ع) بادر الى احضار ثمار البرتقال من بيارات اليهود في الجهة الشرقية من مرج ابن عامر( مستعمرة كفار يحزيل) فاضطر الى قتل الحارس اليهودي( الشاويش روزنفلد) حينما احس به ما ادى الى افتضاح امر الحركة المسلحة وقاد الى الصدام معها.

واستعرض كبها ملابسات المعركة التي استشهد فيها القسام واثنان من رفاقه ( عطفة عطية المصري وابو عبد الله الشيخ يوسف الزيباوي) وضابط انجليزي في خربة الشيخ زيد بعد نحو ساعتين من تبادل اطلاق النار مع الانجليز الذين حرصوا على اصطحاب مجنّدين عرب في محاولة ماكرة لاثارة نزعات عائلية واهلية.

واشار كبها الى احجام القيادة الفلسطينية عن المشاركة بجنازته التي شارك فيها عشرات الالاف من المشيعين الذين اختطفوا الجثمان وطافوا به من حيفا الى بلد الشيخ طيلة خمس ساعات بعد ان كان نقله مخططاً على عربة عسكرية.

وكان قد شارك في تأبين القسام كل من الصحفي الاستقلالي النابلسي اكرم زعيتر وصلى بالجموع الشيخ يونس الخطيب مفتي مكة السابق والشيخ نمر الخطيب زعيم جماعة الاعتصام الاسلامية في حيفا.

وشدد كبها على ان استشهاد القسام كان عاملا ممهدا وملهما للثورة الفلسطينية الكبرى في نيسان 1936 والتي شكلت الحدث الابرز والعلامة الفارقة في التاريخ الحديث للفلسطينيين قبل ان تنهك قواهم وتمزق وحدتهم بعد انحراف مسارها في اماكن مختلفة من البلاد صوب ضرب من الحرب الاهلية.

ونوه كبها الى مسألة تأريخ الثورة موضحا ان انتماء المؤرخ لطبقة اجتماعية معينة ساهم في حسم طبيعة وتوجهات المادة المكتوبة، واضاف" في حالات كثيرة كان انتماء المؤرخ للطبقات الرفيعة قد دفعه الى تصوير الثورة كسلسلة من اعمال الزعرنة وتصفية الحسابات فيما اعتبرت ثورة وطنية خالصة من قبل الكتاب المنتمين للطبقات الدنيا."

واستذكر الباحث كبها انه في قرية كفرياسيف على سبيل المثال كان يسمون الثورة ب"ثورةعكوز" لمشاركة الاخير وهو فلاح حوراني الاصل في اعمال الثورة، وفي منطقة جنين والكرمل يسمونها "ثورة أبو درة " على اسم قائد المنطقة هناك يوسف سعيد جرادات المشهور بأبي درة ، وهكذا ....

وفي نهاية المحاضرة دار نقاش حول الموضوع شارك فيه عدد كبير من الحضور الذين اكتظت بهم قاعة الجمعية .

التعليقات