"أراب آيدول": المخلص والوادعة والشرسة؟ / راجي بطحيش

تكرر نانسي كلمات "آه ونص" بشقاوة ونغاشة وطفولة جبلية مفتعلة، وهي تعرف أن الكلمات قد تصل إلى مخيلتنا القذرة على صورة "آه ومص"، لكنها متأكدة من أننا متأكدون أنها لا تفقه شيئا في فنون الجنس الفموي، بل سمعت عنها هكذا بالصدفة من النساء "الشريرات" "الشرسات".

عساف المخلص:

نعيش في المشرق العربي لحظة نادرة، تستدعي توثيقها ودراستها من الأنثروبولوجيين وباحثي الثقافة الشعبوية، تتمثل بأننا جميعا وبدون استثناء نعيش حالة انتظار حتمية لانفجار ما، قد يكون شاملا أو موضعيا ينعكس على كل شيء بأحسن الأحوال، ومن جهة أخرى وبينما الطائرات الحربية تصدح فوق رؤوسنا ليل نهار، مبشرة بما هو أسوأ... فإننا مشغولون بـ "أراب آيدول"، ولا مشكلة في ذلك على العموم، فتلك مظاهر طبيعية ومفهومة في حالات الخوف من الغد واللايقين، ويسمى ذلك في مجال العلوم السلوكية(escapism)، وما لفتني هنا وسط هذه الفوضى غير المتوازنة من عدة جبهات، فإلى جانب الوطنية الفلسطينية المفتعلة والتي تعول على شخص عساف بينما تترهل ثوابتها الأخرى، خاصة في ظل صراع الهويات الذي عصف بالمشرق العربي بدون رجعة على حساب الشخصية الوطنية "المتجانسة" التي تهاوت في كل قطر وقطر كأحجار الدومينو؛ حيث يعتبر عساف المخلص الأخير للوطنية  فقد جاء أيضا ذلك الفرز المثير والملفت بين نموذجين نسائيين يطرحان أبعاد هامة، إن شئنا أم أبينا، ترتبط بصراع الهويات مقابل العروبة المتجانسة والأحادية الأبعاد والمتخيلة بطبيعة الحال... بكلمات أخرى "أحلام" و "نانسي عجرم".

أحلام الشرسة:

تهدد أحلام النظام الاجتماعي، تزلزل أركانه بذكاء خارق ومنهجية لا تأبه بالمخاطر، أحلام هي نموذج للمرأة التي نخافها ولا تبقي لنا سوى أن نكرهها ونورطها بكل توابع إحباطاتنا، فأحلام هذه تشد أضلاع المستطيل الضيق الذي تم رسمه من الإعلام والمجتمع للأنوثة العربية المبتغاة، وهي وفي كل لحظة معطاة تخترق جسديا بأزيائها ومجوهراتها التي تستهويني، ذلك المستطيل الخانق المرسوم ضمنا وتنهض عن كرسيها وتصرخ بأعلى صوت كل ما يدور برأسها من مضامين وتداعيات، هي خليط بين مهنية موسيقية تنعدم لدى الآخرين في لجنة التحكيم، وخاصة راغب ونانسي، وكذلك شبق شجاع لكل ما حولها، حتى لو كان ذلك أفخاذ دجاج من كنتاكي، وهي خليط أيضا من طفولة لا تشغل الرقابة العسكرية على ذاتها، والأهم من كل ذلك... بداوة عربية أولية لم تشوهها علوم اللياقة في صالونات بيروت الاجتماعية والتجميلية.

نانسي الوادعة:

بينما تتمرد أحلام على الشخصية الأبوية - الذكورية في البرنامج، والمتمثلة براغب علامة، وتدير معه صراعا يخرج منه هو في معظم الوقت مهزوما وأبله، فإن نانسي تتقن دور البنت "المؤدبة" "المرباي" و"بنت العيلة"، وتوافق أستاذها على كل ما يتفوه به حتى لو كان ذلك عبارة عن مجموعة من الترهات المغلفة باللباقة الإعلامية اللبنانية التي باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة (انظروا ما يحدث في الإعلام الخاص المصري بعد 25 يناير على سبيل المثال).. نانسي متواضعة الموهبة تستمد وجودها من "العراب" الذي يجلس إلى جانبها.. وهي للأسف فتاة أحلام كل رجل عربي غارق في ترسباته الموروثة والحاضرة.. نانسي تنكمش بقوة داخل المستطيل الأنثوي المرسوم اجتماعيا والذي تحدثت عنه، فهي ناعمة، شعرها أملس يلتصق برأسها، ملابسها متواضعة وتكاد لا تميزه الكاميرا، هي تقول ما يجب أن يقال وما يتوقع منها المشاهد الوسطي أن تقول، حتى لو ظهرت غبيةً لدى بعض من يحملون قدرًا من الروح النقدية.

تكرر نانسي كلمات "آه ونص" بشقاوة ونغاشة وطفولة جبلية مفتعلة، وهي تعرف أن الكلمات قد تصل إلى مخيلتنا القذرة على صورة "آه ومص"، لكنها متأكدة من أننا متأكدون أنها لا تفقه شيئا في فنون الجنس الفموي، بل سمعت عنها هكذا بالصدفة من النساء "الشريرات" "الشرسات".

التعليقات