قطار التكنولوجيا السريع يدهس الحرف المصرية القديمة

صدت دراسة حديثة صدرت عن مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية، بصعيد مصر، عددا من المهن والحرف التاريخية والشعبية، التي باتت مهددة بالاندثار في ظل التطور المجتمعي والتكنولوجي.

قطار التكنولوجيا السريع يدهس الحرف المصرية القديمة

رصدت دراسة حديثة صدرت عن مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية، بصعيد مصر، عددا من المهن والحرف التاريخية والشعبية، التي باتت مهددة بالاندثار في ظل التطور المجتمعي والتكنولوجي.

وجاء في الدراسة التي أعدتها الباحثة المصرية، مديحة أحمد أبو المجد، أن أول مهنة توارت عن الأنظار، وباتت أقرب إلى الاندثار منها إلى الوجود، هي مهنة الندابات، وهن النساء اللاتي يقدن جنازات الموتى لترديد أبيات من الشعر البكائي والحزين .

وأشارت الدراسة إلى أن هذه المهنة كانت منتشرة في كل قرى مصر، وبخاصة في قرى الصعيد، لكنها باتت اليوم نادرة الوجود، وقاصرة على قرى بعينها، وتقول الدراسة إن الندابات عادة مصرية قديمة، توارثها المصريون عن أجدداهم الفراعنة.

وقالت الدراسة إن الاقباط يبالغون في إظهار الحزن أكثر من المسلمين، وقد شوهدت النساء وهن يسدلن شعورهن على الأكتاف وحافيات الاقدام مشيعين المتوفى ويمسكن ببعض العصي مرددات 'بو بو'، وهى كلمة فرعونية معناها يا 'بؤسى ويا شقائي'، وشوهدت أيضا ندابات يمسكن بعصى وأخريات يضربن على الدف سويا خلف الجنازة، وهن يرددن أبيات من شعر الحزن والرثاء.

ورصدت الباحثة المصرية مديحة أحمد أبو المجد في دراستها، أن مهنة 'السقَا' أو 'السقاة'، الذين كانوا يحملون الماء إلى المنازل، وإلى المحال والأسبلة العامة التي كانت تقام ليشرب منها المارة من عابري السبيل، في 'قربة' تصنع من جلود الماشية، وهى مهنة انقرضت بعد أن دخلت خطوط وشبكات مياه الشرب إلى كل مكان، واستبدلت الأسبلة بمبردات المياه الكهربائية التي يتم ربطها بخطوط المياه التي تمر بكل شارع اليوم.

وأشارت الدراسة إلى مهنة 'حاملات الجرار'، حيث كانت بعض النساء يحملن الجرار المصنوعة من الفخار لجلب المياه من نهر النيل إلى المنازل، وهى مهنة تشبه مهنة السقا أو السقاة، وكانت صاحبات تلك المهنة من النسوة اللاتي يتمتعن بالقوة والشدة.

وتحدثت الدراسة عن مهنة 'المكاري' أو 'الحمّار' حيث كانت الحمير والدواب هي وسيلة النقل في أزمنة كثيرة، وهى لاتزال باقية في غرب مدينة الأقصر، حيث يقوم كثير من السياح بزيارة الآثار الفرعونية والتنقل من منطقة لأخرى، فوق ظهور الحمير حتى اليوم.

ولفتت الدراسة إلى مهنة 'الطرابيشى' أو 'صانع الطرابيش' تاج المصريين الذى اختفى تماما اليوم، وصار لا يستخدمه سوى طلبة المعاهد الأزهرية، وأئمة المساجد، بعد أن كان بمثابة تاج فوق رؤوس المصريين لعقود طويلة.

وكذلك مهنة 'مغنى العمال' حيث يصرف للمغنى أجرا مساويا للعامل الذى يعمل بيده في الحقل أو في البناء لما له من دور في بث الحماسة وتحفيز العمال على العمل وتخفيف المشقة عنهم، لكن تلك المهنة تجرى اليوم بين عمال البعثات الأثرية التي تنقب عن كنوز وآثار الفراعنة في الأقصر وبقية مدن مصر التاريخية.

واختفت أيضا مهنة 'حلاق الرصيف' حيث كان الحلاقون، يقومون بقص الشعر والحلاقة للمارة في الأسواق، وهم يفترشون الأرصفة، وقد استبدلت اليوم بمحال الحلاقة والكوافير الرجالي.

وتوارت مهنة 'الحصري' الذى يصنع ذلك البساط المصنوع من نبات الحلفا، وهى مهنة تراجعت كثيرا لكنها لاتزال باقية في كثير من القرى المصرية، وذلك برغم انتشار البساط أو الحصير المصنوع من مادة البلاستيك.

وتحدثت دراسة مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية، عن مهنة 'البوسطجي' أي موزع رسائل البريد، حيث أشارت الدراسة إلى أن تلك المهنة لم تنقرض، كما انقرضت كثير من المهن، لكن الذى انقرض بحسب الدراسة، هو اللهفة على الخطابات والرسائل، وانتظارها بشوق كما كان في السابق، وذلك نتيجة لتزايد وسائل التواصل الاجتماعي والهاتف الجوال، فلم يعد الأهل والأحبة ينتظرون خطابات أحبيتهم كما كان في السابق، خاصة أنهم باتوا يرونهم بالصوت والصورة.

اقرأ/ي أيضًا | عقوبة الإعدام... عبر التاريخ

وفى الماضي، كان الأهالي، وخاصة في المناطق الريفية، ينتظرون وصول الخطابات بشغف، وكان هناك المختص بقراءة الخطابات في كل قرية، وكان يتقاضى أجره من الخبز والبيض والجبن، ولما انتشر التعليم في القرى تلاشى القارئ و كاتب الخطابات، وتراجع استخدام البريد في إرسال الرسائل للمسافرين والمتغربين وذويهم بفضل التقدم التكنولوجي السائد اليوم في كل نجع وقرية ومدينة.

التعليقات