سبسطية ... عاصمة الرومان في فلسطين

من أبرز آثار سبسطية، جامع النبي يحيى، الذي بناه القائد صلاح الدين الأيوبي عام 1187م، بعد هزيمة الصليبيين في معركة حطين.

سبسطية ... عاصمة الرومان في فلسطين

سبسطية.. بلدة فلسطينية قديمة وواحدة من المواقع الأثرية الرئيسية في الأراضي المقدسة، التي يرجع تاريخها إلى ما يقرب من 3000 سنة، حيث شهدت العديد من الأحداث التاريخية وفترات الحكم المختلفة، مثل: الكنعانية، الإسرائيلية، الهلنستية، الهيرودي، الرومانية، البيزنطية، وكان أبرز عصورها خلال الحقبة الرومانية، والتي شهدت تزايد آثار ومعالم العصر الروماني، حتى أطلق عليها “عاصمة الرومان في فلسطين”، وكان يطلق على المدينة اسم “شومرون” خلال فترة حكم الملك هيرودس، ولكن تمّ تغيير اسمها إلى “سبسطية” تكريماً وتخليداً للملك أوغسطس.

ووفقاً للتاريخ تمّ بناء بلدة “شامر” في عام 876 ق م من قِبَل الملك السادس من إسرائيل، وكانت تقع على تلة ومعزولة تماماً والتي سُميت آنذاك بـ”السامرة”، حيث جعلها الملك عاصمة للحكم، كما شيّد معبداً تخليداً لذكراه، لكنه دُمر في وقت لاحق من قِبَل الملك “ياهو” الذي أعطى السامرة أعظم أيامها، وشهدت فترة حكمه الطويلة تطوير الأرستقراطية القوية.

وفي عام 721 ق م ، حكم الآشوريون البلدة بعد هزيمة هوشع آخر ملوك إسرائيل، واستولوا على المدينة بعد حصار لمدة ثلاث سنوات وسقطت مملكة إسرائيل، كما تمّ القبض على ملك إسرائيل ونقله إلى بابل.

وفي عام 331 ق م تمّ تدمير المدينة من قِبَل الإسكندر الأكبر، ودمرت مرة أخرى عن طريق القائد جون هيركانوس في عام 108 ق م. ولكن في عام 27 ق م عمل الإمبراطور الروماني هيرودس الكبير على توسيع وتجديد المدينة، وأطلق عليها اسم “سبسطية”، بمعنى “أوغسطس” أو “الموقر”، تكريماً للإمبراطور. وعند الفتح الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص احتفظت البلدة بهذا الاسم حتى اليوم.

وخلال فترة العصور الوسطى شهدت سبسطية ازدهاراً خلال الفترة الصليبية، فهناك الكنيسة الجميلة أو ملجأ القديس يوحنا المعمدان التي بناها الصليبيون في عام 1165م، وقد بنيت الكنيسة على أنقاض كاتدرائية بيزنطية، كما توجد بقايا رائعة من الحضارة الرومانية، مثل: منطقة سترة، وأعمدة خارجية، وكنيسة، وقاعة كبيرة مقسّمة إلى ثلاث بلاطات وصفين من الأعمدة، وأيضاً بوابة المدينة الرومانية الأثرية التي يحيط به برجان إلى الغرب من المدينة، وإلى الجنوب من معبد أوغسطس توجد الكثير من قطع الفخار التي تحمل نقوشاً يونانية وعبرية وفارسية وهيلينية. وفي عام 1908م تمّ اكتشاف أوانٍ طينية مكسورة مع نقوش قديمة تعود إلى الحقبة الرومانية القديمة.

ومع بداية العصر العثماني 1517م، كانت سبسطية أحد أهم مناطق الإمبراطورية العثمانية في فلسطين. وفي عام 1596م شهدت البلدة ازدهاراً في التجارة والصناعة، وهو ما ظهر في سجلات ضرائب البلدة التي تمّ اكتشافها، حيث كان يدفع القرويون الضرائب على القمح والشعير والذرة والمحاصيل الصيفية وأشجار الزيتون، بالإضافة إلى ضرائب تربية الماعز وخلايا النحل، ويذكر المستكشف الفرنسي فيكتور غيران عندما زار القرية في عام 1870م، أنها كانت بلدة متميّزة وتلقى رواجاً اقتصادياً هائلاً، رغم أن عدد سكان البلدة وقتها كان أقل من ألف نسمة.

وخلال عهد الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1922م، كان تعداد بلدة سبسطية يبلغ أكثر من 10 آلاف شخص متنوعي الديانات. وفي عام 1932م تمّ اكتشاف آثار من العاج مزينة بنقوش دقيقة، والتي كانت تُستخدم في تزيين الأثاث للمنازل، كما عُثر على بقايا كنيسة بُنيت على موقع الاكتشاف الأول من السلائف تعود إلى القرن الخامس الميلادي، وفي سرداب في الطرف الشرقي من البلدة، تمّ اكتشاف بعض اللوحات الجدارية التي تمثّل مشاهد من قطع رأس القديس يوحنا.

وفي أعقاب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948م، وبعد اتفاقيات الهدنة عام 1949، أدرجت سبسطية تحت الحكم الأردني، ولكن بعد حرب الأيام الستة (النكسة) في عام 1967م، وهزيمة الجيوش العربية في فلسطين، وضعت سبسطية تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي، ووفقاً لاتفاق سلام بين إسرائيل وفلسطين برعاية الأمم المتحدة، تمّ إدراج البلدة ضمن حدود الدولة الفلسطينية وتتبع مدينة نابلس، ولكن تتقاسم فلسطين وإسرائيل تأمين البلدة، فهناك مواقع أثرية تخضع للسيّطرة الإسرائيلية الكاملة، وبعض المناطق أيضاً خاضعة لسيّطرة فلسطينية وفق إطار اتفاقات السلام 1990م.

ومن أبرز آثار سبسطية، يوجد المسجد الرئيسي المعروف باسم جامع النبي يحيى، الذي بناه القائد صلاح الدين الأيوبي عام 1187م، بعد هزيمة الصليبيين في معركة حطين، وقد شيّد المسجد على ما تبقى من الكاتدرائية الصليبية التي يُعتقد أنها بُنيت على قبر النبي إيليا ويوحنا المعمدان، وتحتوي البلدة أيضاً على المقابر الملكية الرومانية، والعديد من المباني التي ترجع إلى الحقبة العثمانية في حالة جيدة.

ويقول حمدان طه، مسؤول عن الآثار في السلطة الفلسطينية: إن بلدة سبسطية في حاجة إلى ترميم المباني الأثرية التي تعود إلى حقبات تاريخية مختلفة، مثل الصليبية والعثمانية وغيرها، بالإضافة إلى أن البلدة تُعاني من تزايد سرقة الحفريات والتماثيل والمزهريات والنقود المعدنية، فضلاً عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي في سياسة هدم وتدمير مواقع التراث الثقافي والتاريخي للبلدة.

اقرأ/ي ايضًا| صفد .. عائدون

ويؤكد أن نهب الآثار مشكلة كبيرة تُعاني منها السلطة الفلسطينية، رغم بذل جهود حثيثة لرفع مستوى الوعي الثقافي للسكان المحليين، ولكن دون جدوى، ومع ذلك توجد محاولات دولية لرفع مستوى البلدة من الناحية السياحية.

التعليقات