هل يمكن إعادة إعمار حلب القديمة؟

منذ تدمير معظم معالمها، بات سؤال هل يمكن إعادة إعمار المدينة القديمة بحلب وإعادتها إلى سابق عهدها يشغل بال المهندسين السوريين وآخرين حول العالم، إضافة إلى ملايين الأشخاص المهتمين بالآثار.

هل يمكن إعادة إعمار حلب القديمة؟

خارطة حلب القديمة (أ.ف.ب)

منذ تدمير معظم معالمها، بات سؤال هل يمكن إعادة إعمار المدينة القديمة بحلب وإعادتها إلى سابق عهدها يشغل بال المهندسين السوريين وآخرين حول العالم، إضافة إلى ملايين الأشخاص المهتمين بالآثار.

وجاءت الإجابة من المندوب المحلي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، الذي قال إنه بالإمكان إعادة بناء المدينة القديمة في حلب السورية.

واعتبر منسق برنامج اليونسكو في حلب، مازن سمعان، أن "رؤيتنا هي إعادة بناء المدينة القديمة تماما كما كانت قبل الحرب وبنفس الحجارة إن أمكن".

وأضاف أن هناك خططا مفصلة للمساجد والأسواق والحمامات والقلعة التاريخية من مخطط ترميم سابق سيتيح إعادة البناء بدقة.

لكن رغم أن هذا ينطبق على أهم آثار المنطقة فإن أحياء كاملة، ليس لأزقتها ومنازلها التقليدية نفس القيمة التاريخية رغم أنها جزء من هوية المدينة القديمة، تحولت الآن إلى أنقاض.

وتقول الأمم المتحدة ومنظمات ثقافية دولية إنها ملتزمة بالحفاظ على التراث السوري وترميمه لكنها ستعتمد في نهاية المطاف على الجهود المحلية.

وتحتاج هذه الجهات إلى وجود مجالس محلية لضمان أن يناسب العمل طابع المدينة القديمة، سواء من الناحية المعمارية أو في كيفية تقسيم الأراضي بين المحلات التجارية والمنازل والأماكن العامة.

كما تعول على أن يختار سكان المدينة القديمة البالغ عددهم 100 ألف نسمة العودة إلى ديارهم وأعمالهم التي بات كثير منها الآن أكواما من الحجارة والأنقاض.

لكن هذه الجهات تحتاج أيضا إلى مهارات الحرفيين في حلب الذين ترك العديد منهم المدينة خلال الحرب بينما قتل آخرون. ورحل البعض مع الجماعات المسلحة أو بدأوا حياة جديدة كلاجئين في الخارج. وقال سمعان "نفكر في إنشاء مدرسة للحرفيين".

حرفي عتيد

أحد الحرفيين الذين قد يساعدون في إنشاء هذه المدرسة هو مصطفى النو، الذي كان يعمل في الزخرفة والألواح الخشبية المطلية والنوافذ والأبواب والأسقف التي تزين منازل حلب القديمة.

ومنذ سيطرة مقاتلي المعارضة على منطقته في المدينة القديمة نقل النو ورشته إلى متنزه بغرب حلب. وعلقت على الجدران لوحات رسمت مع أشكال زهور بألوان الأحمر والذهبي والأسود والبني والأخضر.

وقال إن ورشته كانت واحدة من ثلاث ورش يتدرب فيها العمال الحرفيين في حلب. أما باقي الورش فقد أغلقت الآن ورحل العديد من العمال المهرة. وقال "يجب أن أعلم جيلا جديدا".

وعلى بعد بضعة كيلومترات إلى الشرق في حي الحميدية من المدينة القديمة، حل الركام الذي تناثر على منزل النو القديم وورشته محل التحف التي كانت تملأ الفناء المظلل.

وغادر النو منزله فجأة في عام 2012 هاربا عبر أسطح المنازل خوفا من تعرضه للانتقام من جانب جماعات مسلحة لأنه كان يعلق في ورشته صورا للأسد الذي زاره خلال جولة في المدينة.

أما الآن فإنه يتوقف لسحب قطعة من الخشب المطلي صنعها بيديه من تحت حجر كبير. وفي زقاق قريب، لا يزال معظمه سليما، يشير إلى نافذة خشبية قال إنه رممها قبل سنوات لفندق في منزل قديم.

لكن في الجديدة، وهي حي مؤلف من أزقة ضيقة تعلوها قناطر حجرية، كان حجم الدمار كبيرا.

العودة

خارج القلعة، وهي حصن ضخم أقيم على تل منحدر فوق المدينة القديمة، تجمعت مئات العائلات في وقت مبكر من المساء لمشاهدة غروب الشمس التي غمرت أشعتها حجارة القلعة الشاحبة بلون ذهبي فاتح.

وكانت هذه المنطقة قبل الحرب وجهة مفضلة لسكان حلب والسياح على حد سواء، لكنها ظلت على مدى أربع سنوات منطقة محرمة وخط مواجهة لا يُسمع فيه سوى دوي القذائف وإطلاق رصاص القناصة.

وما زال دوي القصف يتردد فيما يجلس الناس في المقهى الذي أعيد فتحه أو يسيرون حول الخندق الطويل، ولكن مصدر الصوت كان قصفا مدفعيا يستهدف جماعات مسلحة خارج المدينة لذا لا يعيره الناس أدنى اهتمام.

وسوف تعتمد أي عملية إعادة بناء مستدامة للمدينة القديمة على اجتذاب سكانها وعودة أصحاب الأعمال إليها. لكن حتى في حالة عدم تعرض ممتلكات هؤلاء السكان للدمار في الحرب فإن ثرواتهم ومقتنياتهم تعرضت للنهب.

وفي حي الجديدة يؤدي مدخل متواضع إلى فناء صغير مظلل بشجرة تين وكرمة عنب حيث يوجد ركن مقوس بجانب درج حجري يؤدي إلى السطح.

وتشي مناضد العمل والأسقف التي تتدلى منها مصابيح إضاءة منخفضة في غرفة جانبية بأنها كانت في السابق ورشة للمجوهرات. وعلى الأرض ظهرت خزانتان معدنيتان وعليهما آثار تشير إلى فتحهما عنوة ونهب محتوياتهما. وتنتشر مثل هذه المشاهد الدالة على النهب في المناطق التي سيطر عليها أكثر من طرف من أطراف الحرب على مدى سنوات.

ورغم هذه الخسائر كانت هناك أدلة في كل ركن بالمدينة القديمة التي زارتها رويترز برفقة مسؤول حكومي على أن الناس يعودون إليها.

وفي سوق القماش، التي كانت سوقا مغطاة للنسيج تعلوها ثلاث قباب محاطة بإفريز من الحجارة المنحوتة في صورة سلسلة من النتوءات الدائرية، كان محمد ميمي يعيد طلاء محله.

وخلال القتال كان ميمي يزور المحل قادما من منزله في منطقة تسيطر عليها الحكومة في كل مرة كان يُفتح فيها الممر عبر الخطوط الأمامية. ويقول "أردت فقط أن أتنسم رائحة السوق وإذا لم أستطع أن أشم الرائحة، فسوف أنفجر".

وعلى الرغم من الجدران المجللة بالسواد في أنحاء السوق إلا أن ميمي يواصل تنظيف محله ليقدم نموذجا وبارقة أمل على أن المدينة القديمة في حلب ربما تعود للحياة يوما.

وقد حدث مثل هذا الأمر من قبل. ففي العام الماضي، أعيد فتح مسجد فرحات باشا العثماني الذي يرجع للقرن السادس عشر في بانيا لوكا بعد أن أعيد بناؤه من أحجاره الأصلية في أعقاب تفجيره خلال حرب البوسنة قبل 23 عاما.

 

التعليقات