النقود في فلسطين في فترة الانتداب البريطاني

كان النقد الفلسطيني يعتمد على النظام العشري، فالجنيه الفلسطيني مكون من 1000 مل. ونصفه مكون من 500 مل. أما الباوند البريطاني فكان يعتمد على نظام الدزينة المكون من 12 بنسًا (بني) التي تساوي شلن، بحيث كان الباوند يساوي 20 شلن

النقود في فلسطين في فترة الانتداب البريطاني

قبل فترة الحرب العالمية الأولى، كانت النقود العثمانية هي السائدة في فلسطين. وفي عام 1913 أصدرت بريطانيا مرسوما ينص على عدم صلاحية النقود العثمانية الورقية في المعاملات التجارية الدولية، فتحاشى الناس استعمالها ما حدا بقائد الجيش الرابع العثماني، جمال باشا، إلى أن يفرض قرشًا واحدًا على كل من يمتنع عن استعمال تلك النقود.

وفي عام 1918 ألغى الإنجليز التعامل بالنقد التركي وأجازوا استعمال النقود المصرية، فصار الجنيه المصري هو السائد في فلسطين وشرق الأردن، وصار يستعمل في المعاملات التجارية ودفع الرواتب وجباية الضرائب.

وفي عام 1924 بدأ التفكير في وضع نقد خاص بفلسطين، لكن العرب عارضوا هذه الفكرة، لأنهم خشوا من تبديل نقودهم المصرية والذهبية بورق نقدي غير مدعوم. في نفس السنة عينت حكومة الانتداب لجنتين، واحدة عربية والأخرى يهودية، لوضع أسماء للعملة الفلسطينية، وقد اتفقتا في كانون الثاني/ ديسمبر سنة 1925 على اتخاذ الأسماء الآتية:

100 جنيه فلسطيني، 1927

دينار: وقيمته جنيه إنجليزي، وهذا الاسم مشترك بين العربية والعبرية.

مثقال: وفي العبرية شاقل، وقيمته عشرة دنانير.

نصف مثقال.

درهم: وفي العبرية درخمون، وقيمته ربع مثقال.

فلس: وفي العبرية بروطه، وقيمته واحد في الألف من الدينار.

وفيما بعد، تغيرت الأسماء كما سنرى لاحقًا. من الجدير بالذكر أن العرب عارضوا ظهور كتابات بالعبرية على النقد الجديد.

سك أول عملة فلسطينية برعاية الانتداب

وفي حزيران/ يونيو سنة 1926، قرر وزير المستعمرات البريطاني إقامة مجلس النقد الفلسطيني، وألقى على عاتقه مهمة الاعتناء بشؤون النقد وأعمال المصارف في فلسطين وإمارة شرق الأردن، على أن يكون الجنيه الفلسطيني الجديد مساويًا للباوند البريطاني.

في الأول من آذار/ مارس عام 1927، أعلن في الجريدة الرسمية أن مجلس النقد الفلسطيني قرر سك نقود جديدة، وبيّن أنواعها وأصنافها وقيمتها.

عشرة جنيهات، 1927

في 20 أيلول/ سبتمبر 1927، أعلن في الصحف أنه جرى سك أول نقود فلسطينية لتحل محل النقود المصرية. على أوراق النقود ظهر تاريخ الأول من أيلول/ سبتمبر سنة 1927.

في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر1927، أعلن عن وقف التعامل بالنقد المصري في فلسطين وشرق الأردن خلال شهر، وصدر منشور بذلك وزّع في 13 و14 نشرين الأول/ أكتوبر، وقد تزامن ذلك مع توزيع النقود الجديدة للبنوك، بحيث بدأت عملية التبديل في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 1927.

كان النقد الفلسطيني الجديد مؤلف من صنفين: مسكوكات معدنية وأوراق نقدية، فالمعدنية: 1 مل، 2 ملان، 5 ملات، 10 ملات، 20 مل، 50 مل، 100 مل. أما الورقية فكان: ورقة 500 مل، ورقة جنيه واحد، ورقة عشرة جنيهات، ورقة خمسون جنيها، وورقة مائة جنيه.

الكتابة على النقد المتداول

كتب عليها جميعها باللغات الرسمية الثلاث: الإنجليزية والعربية والعبرية: "إن ورق النقد نقد قانوني لدفع أي مبلغ كان"، تطبيقًا لما نص عليه صك الانتداب وما جاء به وعد بلفور. على ورقة 500 مل ظهرت صورة لقبر راحيل الواقع بالقرب من بيت لحم، وعلى ورقة الجنيه الواحد ظهرت صورة لقبة الصخرة، وما تبقى من أوراق ظهرت عليها صورة لمئذنة الجامع الأبيض الواقعة في الرملة، ومن الخلف صورة لبرج داود الواقع في قلعة القدس الواقعة بالقرب من باب الخليل. أي حاول مجلس النقد الفلسطيني خلق توازن بين الموروث اليهودي والموروث العربي مع إضافة (إ.ي) اختصارًا لـ"إيرتس يسرائيل" أي أرض إسرائيل، وهو تحيز واضح للجانب اليهودي.

عشرة جنيهات فلسطينية، 1939

صادف غداة تبديل النقد الجديد مرور عشر سنوات على وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر، فقامت المظاهرات في القدس ويافا وغيرهما من المدن الفلسطينية منددة بالكتابة العبرية وسياسة بريطانيا، وقد سميت تلك بمظاهرات النقود، كما شنت الصحف الفلسطينية، مثل "صحيفة فلسطين"، حملة شعواء على مجلس النقد الفلسطيني وسلطات الانتداب لتحيزهما إلى الجانب اليهودي.

نظام النقد

كان النقد الفلسطيني يعتمد على النظام العشري، فالجنيه الفلسطيني مكون من 1000 مل. ونصفه مكون من 500 مل. أما الباوند البريطاني فكان يعتمد على نظام الدزينة المكون من 12 بنسًا (بني) التي تساوي شلن، بحيث كان الباوند يساوي 20 شلن، أو 240 بنسًا (بني)، أو 960 فارثن.

ورغم أن الجنيه الفلسطيني سمي بالعبرية باسم "فونت"، إلا أن العرب واليهود أطلقوا عليه اسم الليرة المكونة من مائة قرش، وهو موروث من فترة استعمال الليرة العثمانية. كما استعملوا "التعريفة" المكونة من نصف قرش، و"البريزة" المكونة من 10 قروش، وهذه من مخلفات النقد المصري.

500 مل ورق، 1927

قام مجلس النقد الفلسطيني بطرح عملات وجنيهات في السنوات: 1929، 1935، 1939، 1944، ولكنه حافظ على الرسومات والكتابات القديمة والألوان. في عام 2013 طرحت في المزاد العلني ورقة نقد من فئة 100 جنيه، فاشتراها رجل أعمال فلسطيني بـ65 ألف جنيه إسترليني، أي ما يعادل 100 ألف دولار.

الدفاع المالي الإنجليزي!

استمرت النقود الفلسطينية تدور في فلك النقد الإسترليني حتى 22 شباط/ فبراير عام 1948، عندما صدر قرار بخروج فلسطين من منطقة الإسترليني، وقامت بريطانيا بفرض قيود قانون "الدفاع المالي الإنجليزي" على الأموال الفلسطينية الموجودة بإنجلترا، ومنعت خروجها منها.

وقد بلغت هذه الأموال الفلسطينية المجمدة نحو 130 مليون جنيه إنجليزي، منها 54 مليون جنيه على هيئة سندات لتغطية النقد، وحوالي 76 مليون جنيه أرصدة بنكية، وقد جمدتها تحت عنوان "الأرصدة الإسترلينية"، وهي في الحقيقة حق من حقوق الشعب الفلسطيني، كما أخذت معها عند انسحابها نقودًا كانت في البنوك بينما استولى اليهود على القسم الآخر.

خمسة جنيهات، 1927

بقي الجنيه الفلسطيني مستعملا في فلسطين حتى قيام الدولة العبرية، حيث قام البنك الأنجلو - فلسطيني، التابع للوكالة اليهودية، في شهر آب/ أغسطس، بسك الليرة (بالعبرية في أرض اسرائيل، وبالعربية جنيه فلسطيني)، والتي بقيت مستعملة حتى سنة 1952، حيث قام بنك "لئومي" بسك أول عملة إسرائيلية، أما في الأردن فقد سك الدينار الأردني عام 1949، بينما بقي سكان قطاع غزة يتعاملون بالجنيه الفلسطيني حتى استبدل عام 1951 بالجنيه المصري.

إن سك العملة هو رمز من رموز السيادة الوطنية، لذلك قام المجلس التشريعي الفلسطيني عام 1997 بسن قانون النقد الفلسطيني تمهيدًا لسك عملة فلسطينية مستقلة.

ملاحظة:

في 31 كانون الثاني/ ديسمبر سنة 1945، بلغت كمية النقد المتداولة في فلسطين 41.676.602 جنيهًا. راجع: صحيفة فلسطين 8 شباط/ فبراير 1945. وفي شهر شباط/ فبراير عام 1947، بلغ النقد المتداول 43.487.954 جنيهًا. وقد زاد عن الشهر الذي سبقه بمبلغ 430.000 جنيهًا، راجع: صحيفة الدفاع، صحيفة الدفاع 1/4/1947.

 

التعليقات