31/10/2010 - 11:02

ســقــوط بــغــداد/تركي عامر(*)

ســقــوط بــغــداد/تركي عامر(*)
عبثـًا تراودُنا القصيدةُ والـمدافعُ تكتبُ التـّاريخَ دونَ هوادةٍ * دخلَ الغزاةُ إلـى الرُّصافةِ * فـي الـمضافةِ شـُوهدَتْ دبـّابةٌ مرتابةٌ * تمشي الهوينا فـي شوارعِ روحـِنا * وتهدّجـَت وترجرجـَت بتؤدَّةٍ * وكأنـّها فـي رحلةٍ ممتدّةٍ * وتثاقلـَت وتثاءبـَتْ ردَحـًا من الصـّمتِ الـمؤلـَّلِ بالذّهولِ وبالسـّؤالِ * تفرفكُ العينينِ * تقرصُ نفسـَها كيما تصدّقَ ما تـَرى

يتوسـّطُ "الفردوسَ" تمثالٌ يماطلُ حتفـَهُ * دبكـُوا على دبـّابةِ الضـّيفِ الغريبِ * تلعثمـَتْ فـي البدءِ ثمَّ "تـَوَلـْكـَمـَتْ" * وتلبـّكـَتْ من بـَعـْدُ ثمَّ تحرّكـَتْ * وبنخوةٍ روميـّةٍ أخذَتْ تعالجُ رأسـَهُ * وبلحظةٍ وكأنَّ شيئـًا لم يكن يتساقطُ التـّمثالُ من عليائـِه * ويحلـّقُ التـّاريخُ فـي خـُيلائـِه * وبرمشةٍ تتشابكُ الأشلاءُ فـي أشلائـِها * تتداخلُ الأشياءُ فـي أشيائـِها

عبثـًا تباغتـُنا القصيدةُ * شاشةُ الأحداثِ أسرعُ من حصانِ الحبرِ * لا حبرٌ يضاهي الدّمَّ * أخبارٌ تربـِّطـُنا تخربطـُنا * وتصعقـُنا تصاويرٌ وتحرقـُنا * وخارطةٌ ممزّقةٌ وغارقةٌ بدمعٍ سالَ من عينـَيْ حمورابي * وبابلُ فـي أعالـي البرجِ تقطعُ ثوبـَها * آشورُ تلطمُ وجهـَها بحذائـِها * مردوكُ لا يقوى على الفوضى * وسومرُ لا تصدّقُ ما ترى * والتـّوأمانِ فراتُ دجلةُ يفقدانِ الوعيَ * جـُنـَّتْ نينوى * ويروحُ حبرُ الرّوحِ فـي غيلانَ يغلي * غابتانِ من النـّخيلِ تـُغـَيـَّبانِ * تـُرَاهُ كيف سيكتبُ السـّيـّابُ؟ * لا حبرٌ ولاَ ورقٌ لدى الورّاقِ * بغدادُ البهيـّةُ والشـّهيـّةُ أقـْفـِلـَتْ أسواقـُها * وتبعثرَتْ أوراقـُها * وتبخـّرَتْ أشواقـُها * وتعطـّلتْ أبواقـُها * بغدادُ حافيةٌ وعاريةٌ * ولا أحدٌ سوى دبـّابةٍ روميـّةٍ * عاجـَتْ على صنمٍ تسائلـُه عن الخمـّارةِ الأولـى * ليحتفلَ العلوجُ بنصرِهم

هي خطوةٌ أولـى ويـُخـْتـَصـَرُ الـمدى * هي خبطةٌ أولـى وينتشرُ الصـّدى هلعـًا * عواصمُ من زجاجٍ ترتمي ولعـًا بهولاكو * ولا أفٌّ ولا بـَرَمٌ * ولا بردى ولا هـَرَمٌ * ولاَ كفٌّ تلاطمُ مخرزًا * وبدونِ أحلامٍ ننامُ ولا ننامُ * بدونِ أيـّامٍ نفيقُ ولا نفيقُ من الـمنامِ ولا نفسـّرُ ما جرى * وبدونِ قافيةٍ ومرآةٍ قصيدتـُنا ترتـّبُ شـَعـْرَها * وبدونِ أوزانٍ وأمشاطٍ قصيدتـُنا تـُبعثرُ شـِعـْرَها عبثـًا * ولا يصلُ الكلامُ إلـى شواطئِ حـُلـْمـِنا * ونعيشُ ذكرى فـي ملاجئِ لحمـِنا * ونموتُ أسرى فـي مزارعِ ملحـِنا * دهرًا بظهرِ الدّهرِ * لا أحدٌ يقرّبـُنا إلـى شيءٍ * يسرّبـُنا إلـى فـيءٍ * ولا أحدٌ يدرّبـُنا على حربٍ * يهرّبـُنا إلـى دربٍ حريرٍ عبرَ طشقندٍ سمرقندٍ وأندلسٍ إلـى قدسٍ * مغولُ العصرِ فـي بغدادَ * والصـّحراءُ لابدةٌ * ولا نفسٌ يثيرُ حفيظةَ الرّبِّ الجديدِ بهمسةٍ * ونراقبُ التـّاريخَ عن بعدٍ * ولا أحدٌ يقولُ كـُلـَيـْمـَةً

هي نكسةٌ أخرى تنكـّسُ حلمـَنا * هي نكبةٌ * هي خيبةٌ * هي كذبةٌ كبرى * إله الحربِ يستلمُ الوديعةَ مرّةً أخرى * ومندوبُ الـمليكةِ ها هنا * حرًّا يجوبُ السـّوقَ فـي بغدادَ * يبغي الكحلَ والحنـّاءَ * عاشقةٌ وراءَ البحرِ "لا للحربِ" يهتـِفُ دمعـُها

سقطـَتْ مدينتـُنا القديمةُ مرّةً أخرى * تنفـّسـت البلادُ دخانَ خيبـَتـِها ونكبـَتـِها * تدافعت العبادُ يقودُها جوعٌ * تلملمُ بعضَ لقمـَتـِها * تنفـّسُ بعض نقمـَتـِها * ويندلعُ السـّؤالُ مرارةً
ويتيهُ فـي الصـّحراءِ موّالٌ عراقيٌّ وتـَسـْـآلُ
أين الدّفاعاتُ الـّتي قالوا؟
جندٌ وقوّاتٌ وحرّاسٌ وأرتالُ؟
أين الفدائيـّون؟ هل مالوا
إلـى من عندَه مالُ؟
أين الحرسْ؟
ذهبـُوا إلـى مستنقعٍ؟ زالوا؟
كفٌّ عدسْ
كفٌّ عدسْ
تاريخُ أمـّتـِنا خرسْ
تاريخـُنا خرسٌ خرسْ

________
(*) كاتب فلسطيني من حرفيش، الجليل

التعليقات