15/12/2010 - 16:41

هنا الجزائر... / يونس العموري

-

هنا الجزائر... / يونس العموري
هنا الجزائر، هنا نصرة فلسطين ظالمة أو مظلومة. هنا يصدح الصوت عاليا دون ملل أو كلل بعد أن خفتت الأصوات، وظلم فلسطين لفلسطين صار الأمر الطبيعي. هنا نستذكر صفحات المجد لمن عبروا، هنا يتألق الوطن ويجتمع الكل بحضرته، ووطن المنفى قد يجمعنا من جديد، والجديد هنا من يقبع في دهاليز باستيلات التيه، فقد صار للأسرى تجمع عربيا دوليا. المنصة لهم والكلام لهم والصراخ والعويل لهم، وصورهم تتألق بهية، والوطن يحاول أن يستجمع مساحته ليكون لهم، والمنفى أرحم، وفلسطين تمارس الشكوى من أمرائها، والنصرة لرجال الأسر القابعين بزنازين الموت مع وقف التنفيذ يتألق ويعلو ويسمو.
 
من الجزائر وبحرها وجبالها نتجه صوب الوطن. فيا سيدي الوطن العظيم: تدور فينا الأسئلة ونتوه بمتاهات الحيرة. سيدي، سيدي الوطن العظيم، سيد المنفى والمنافي ونحن نقبع في ظلك، مللنا الأسئلة الساخرة التي تسبح باسمك ليل نهار، أنت أسوار ممتدة وأقفاص بلا عصافير، ونحن ملهاة نيرون، في مأساة بلد مسجل في بطاقة التموين (بدل عن ضائع)، إسمح لنا ان نعترف بخطايانا ونكتب جنوننا قبل أن يخط الحفاة رماد النسيان فوق صفحات الرمل الأصفر.
 
 يا سيد الجمع والجميع نعود من حيث البدء والتكوين لتعريف الذات، ومن نكون، وهل من يصرخ باسم المسيح معلنا عمن نكون ومن نكون، ومن يعترف بنا وبخطايانا وبأبجديات كنعان الأولى. نعود الآن لنثبت الذات ونخط أسماء قد كانت لنا منذ أن كنّا ومنذ أن اعتلى أحدهم الجبل متمترسا فوق النخيل ليصدح عن حقيقته وعن حقيقة التكوين والتكوير، بعد أن كان لنا سطوتنا وكان لنا ما مكان من عزة وفخار وشرف نجوب بها كل الأصقاع معلنيين عن الحق والحقوق وعن نصرة امرأة جميلة وحقها بالعيش في كنف العشيق والحبيب، نعود اليوم لنستجدي قوت يومنا وشيئا من فتات موائدهم، ونغرق بتفاصيل رغيف الخبز، ولم يعد يهمنا إن كان مشروطا أو مكسورا. والكل فينا يستجدي والاستجداء من أفعال العصر الجديد بحرفية الباحث عن النجاة والنجدة، وقد يكون لنا في ذلك وجهة وأكثر من تفسير.
 
يا سيدي الوطن الجميل قد فقدت بريقك وجمالك بعد صار لرجالك رجال آخرون ينطقون باسمك، وبعد أن اصبح حرث أرضك بعجول غير عجولك، ونحن نلهو بمعارك البحث عن الذات وإدراك الحقيقة المطلقة، وما من حقائق في ظل ضياع وتلاشي معالم  الوجه الجميل.
 
هنا الجزائر نتوه من خلالها بمأساة فلسطين اليوم والذي أصبح ظلمها جزءا من المشهد اليومي لممارسة فعل احتراف الساسة لفعل السياسة الوطنية المحلية، وقد تكون جزءا من أفعال بروتوكلات البحث عن الذات والتعريف بزعماء العصر الجديد.
 
هنا الجزائر حيث التجربة التي تقف على أعتابها وتحني هامتك، وأنت تعلم وتعرف معنى صناعة النصر ومعادلة الصمود، كيف تكون أولويات أرقامها ودلالات معانيها. هنا تتحقق إرادة نصرة المظلوم.
 
هنا تتجلى مقولة الهواري بومدين بأبهى صورها لفلسطين المظلومة أو الظالمة نحن معها. فلسطين هنا إرادة حياة وبوصلة تؤشر باتجاهاتها كل الطرق، وكل الطرق لا بد أن تؤدي إلى فلسطين. صناعة الوعي هنا فطري واحترافي، وإرادة التحرير ما زالت في قاموس أبناء الجزائر وقبائل الصحراء. ولن يكتمل استقلال الأوراس إلا بإستقلال فلسطين. من هنا عبر المهيدي بن العربي والعمروش وبهذه الطرقات كان تجوالهم. وفي يوم ما لا بد أن نستذكر طرقات فلسطين وعبورنا بها ونسمي شوراعها بأسماء روادها بعد أن يكف الجمع عن ظلم فلسطين، وبعد أن يدرك الفلسطيني أن فلسطين دائما على حق.
 
كم كانت فلسفته عميقة وجميلة وذات أبعاد استراتيجية حينما أعلن عن وقفة الجزائر مع فلسطين أكانت ظالمة أو مظلومة؟ كم كنا بحاجة ونحن نشد الرحال إلى جبال الجزائر أن نشحذ همما لنصرة فلسطين ونحن أبناؤها والمقيمون بثناياها؟ أن تدرك جماليتها وأن تكون فلسطينيا تتجلى من خلال الشعور بنصرتها ونصرة قضاياها من شعب الجزائر، وهو الذي يدرك معنى أن تعشق الوطن برغم ظلم الوطن لك، وأن تسمو باسم الوطن رغم سادته الذين يمارسون أعتى أشكال العهر باسمه.
 
وأن تكون واحدا ممن عبروا دهاليز العلب الاسمنتية، وينصروك ويناصرون قضيتك، فأنت اذن الصح والصحيح ومسيرتك صائبة.
 
هو الصوت من جديد لمن غاب وغُيّب صوتهم. هو صوت متحشرج ينطق بلغة الضاد بعد عشرات الآلاف السنين لثلة من المؤمنين الذين ما زالوا صامدين بقبور الموت البطيء. أسماؤهم معلومة ومعروفة ومحفورة في ذاكرة الإيمان، وغير قابلة للشطب أو التزوير.. الرازم بوجهه الجميل وكريم يونس بنظرته الثاقبة وناصر عبد ربه بشبابه الذي لن ينضب، والكل بصموده.
 
هو صوت الهتاف من عتمة الزنزانة، والزنازين طبيعية في ظل سيطرتهم على بحرنا وليلنا، وجميلاتنا ما زلن بالإنتظار، وسيبقى الإنتظار سيدا للموقف، وسيظل العبور لمعتقلاتهم الأمر الطبيعي في ظل منافي الوطن حتى نرسم اسم فلسطين حقيقة ساطعة بكل أروقة الأمكنة، إن كنا على أرض المليون ونصف مليون شهيد نسمح لأصواتهم أن تعلوا فهو الإعلان بذات الوقت أن أسرانا يسجلون مليونهم عما قريب.. 850 ألف أسير عبروا باستيلات يهوذا، وبالقريب سنعلن مليونهم.
 
يا سادة فلسطين ورجالها، كم كانت فلسطين جميلة من هناك، وكم كانت رائعة صورها، وكم هي مظلومة، وكم نحن بحاجة إلى استيعاب حقيقتها ...

التعليقات