29/12/2010 - 14:42

قيامة سريرية../ بيروت حمود

-

قيامة سريرية../ بيروت حمود
الجنون إرث، كالمال يرثه البنون.
دون أن تدري، رقدت فوق لوحتين من سعار الفوضى الزمنية اهتزت فوقهما مثلما يهتز نعش قحبة في جنازة غير عادلة لكنه حكم الموت كما ورثناه فكرة خالصة من خطب الجاهليين.
 
لوحتان لسلفادور دالي دون إطار.. مقالات عن إقليم شينجيانج الصيني الذي تم فهم معناه الحرفي على يد المترجم الالكتروني (جوجل ترانسليت) والذي اتضح فيما بعد أن الحركات الانفصالية في الصين أطلقت هذا الاسم والذي يعني فيما يعنيه "الحدود الجديدة" على إقليمهم الذي طالبوا باستقلاله تحت اسم تركستان الشرقية.. كتاب لغورباتشوف لم تفهم منه كلمة تذكر غير الفروق الاقتصادية التي سببها الفرق في زيادة الإنتاج المحلي آنذاك.. أسطوانة كوكب الحياة من مجموعة بودا بار.. رسالة من شاعر متطفل لكنها رائعة على أية حال.. سيرة حياة الرسول زاردشت.
 
دون أن تدري تقلبت فوق هذا المزيج الفوضوي من الأشياء، هاجس مالح عن القدماء ظل يضيء عتمة جمجمتها الضالة.
 
تناولت قلم الكحل وفوق ورقة بيضاء كانت قد اتخذت تحت الوسادة فسحة مزمنة من الكوابيس والأحلام على حد سواء،كتبت:
 
لخدمة إنتاج المجموع ينبغي على عدة عوامل أن تتخلى عن صفاتها الفيزيائية الأولى، فمفهوم كالتضحية لا يرتكز في الأساس على فكرة التنازل، وإنما على مبدأ شعور الفرد تجاه الجسم الآخر أو المجموعة بأولوية حق الأخيرة. ولولا هذا الشعور الذي يتطلب اختزالاً غير واع للأنا والفردانية لمّا وجد نظام انتظام الفرد في المجتمع، ولما وجدت الروافد المتشعبة التي تشكل كل على حدة صورا وتصورات عن المجتمعات المنغلقة والمنفتحة، الدينية والعلمانية، النامية والأخرى التي فضت بكارة الأتموسفيرا ووصلت إلى المريخ.
 
نظام المجتمع متملق مبني على مسح الجوخ تأخذ وتتلقى بالمقابل! أنه أكثر الأنظمة التي تعتمد على المقايضة الغير مباشرة. فَكر أنه لولا هذا كله لتكسرت المادية التاريخية لأفلت نجوم وأُنيرت أخرى.
 
ومن هذا الخليط الذي يشعر بالثمل تساءلت وهي تتقلص وتتمدد مثل موجة عن الفروق الغير محتملة في هذا الكون ولم تجد إجابة في عدم استعداد القادر المقتدر حتى هذه اللحظة للضغط على زر "أُف".
 
قبل أن ترمي بجسدها فوق ساعات سلفادور دالي كانت قد تنقلت بين المواقع الإلكترونية وقرأت في إحدى الصفحات عن اكتشاف جديد لعلماء الآثار لمجموعات حجرية في ليبيا تعود لـ 36 مليون سنة. الآن بالتحديد يتوجب على الفرد وعلى الجماعة على حد سواء النظر مليًا في قصة الفأر الذي يطل من شباك الصرف الصحي الذي أراد له مهندسو البنية التحتية أن يتواجد في إحدى أكثر الشوارع ازدحامًا في القاهرة - شارع عبد العزيز الواصل بين العتبة وعابدين.
 
الصورة: جرذ صغير يطل من شباك الصرف الصحي، السيارات تروح وتجيء والسارون ينفثون حر الحياة على نوافذ المحالات التجارية، ويرسمون بأصابعهم ذات البصمات التي لا تتشابه أبدًا قلوب حب أو حائرة كما تريد الصحف البالية لها أن تكون، وطالب السنة الثانية في كلية الطب يرسم الغدة الدرقية ويعود فيمحوها اثر اكتشاف حماقته، وعجوز في الثمانين تقلصت قامته مع الهزائم العربية المتتالية يقتني صحيفة ويقرأ عن الشاب التونسي الذي أضرم النار في جسده ليتخلص من عبء البطالة وشهادة جامعية مشرفة قدرها أن تزين جدار غرفته لا أن توظفه، يهز العجوز رأسه في حيرة ويمضي في الوجوه الغارقة بدخان الشيشة ويموت أسفًا.
 
عينا الجرذ تلمعان بلهفة ملؤها الجنون لكن فمه الصغير غير قادر على التهام شارع القاهرة، ورأسه الصغير مثل رأس إنسان ليس بمقدوره استيعاب الكون الفسيح.
 
وأنت تشتم الحشيش أو تشرب المنشطات أو حتى تستمع لأتفه الفنانين على الإطلاق (تامر حسني) لا تفكر بينك وبين ذاتك عن الفشل الذي يلتف حولك عباءة سوداء، لا تفكر في العبء غير المحتمل الذي يريدون لكَ أن تحتمل وزره، لا تفكر أنك عديم القيمة واللون والمعنى، وأنه يتوجب عليك أن تجمع مال جنكيزخان لتبني عشًا زوجيًا وتؤمن الستر والجدران العالية لزوجة من طينة قطط الشوارع مهنتها التنقل من حضن لآخر وافتعال الخيانات البيضاء.
 
لسبب بسيط : داروين ذو الخيال الواسع والبراق الذي يظن أنه والقرد قد انحدرا من أب واحد قبل أيام كان في رحلة البحث عن الحقيقة، وبالتحديد في الخنادق والمغارات والكهوف الخالية من الرسومات التي احتمى فيها الفدائيون، وبفعل الواقع السياسي الذي يقضي بفلسطين منقسمة على ذاتها جغرافيًا وعاطفيًا توجب عليه المرور بأحد الحواجز الإسرائيلية. تعرف الآن طبعًا فصل الشتاء والضفة الغربية باردة كالرصاص.
 
وقف داروين ينفض ما علق على مظلته من رذاذ المطر ثم جهز جواز سفره وانتظر في الدور، حدق في السماء كانت هناك غيمة نسيت أن تلحق بأخواتها منذ زمان، فكر كم كانت البرامج الكرتونية في صغره صادقة عندما تصور غيمة فوق بيت الشريرة تصب الغضب مثلما تفعل هنا. في الدور امرأة فلسطينية حامل ربما بالمخلص، وإذا لم يكن مزاج حرس الحدود معتدلاً تضطر أن تضع هناك!.
داروين يستمع إلى تساؤلات المنتظرين "يا ترى هل خاطت له صدرية كاكية؟!".
داروين يقر بانهزام: عودي أيتها النظرية إلى البرميل واختمري على مهل مثل صبية في العشرين. إن البشر والقردة تطورا من ذات الأب إلا أن بعضًا منهم جاء متقنًا بغير تطور. بعض ثانٍ يفقأ عين الفكرة.. حرس الحدود تطور من الضباع...
 
في هذه اللحظة إذا أردت السكينة كن كما ينبغي بلاعب الشطرنج أن يكون!

التعليقات