20/12/2011 - 19:44

شكرًا لكم جميعًا، لقد تشاركتم في قتل محمّد! / فادي أبو راس

لم يبك محمّد حين وضعته أمّه.. كانت تظهر على وجهه تجاعيد الزمن، وفي جبهته تجاعيد كخطوط الرمال في الصحراء. تدلّى محمّد من يد أبيه دون أن يقاوم كخفّاشٍ معلقٍ في سقف غارٍ مظلم.. ينظر من حوله ويراقب بصمتٍ وخشوعٍ تامّين، كرجلٍ حكيمٍ كان في تلك اللحظة.

شكرًا لكم جميعًا، لقد تشاركتم في قتل محمّد! / فادي أبو راس

 

لم يبك محمّد حين وضعته أمّه.. كانت تظهر على وجهه تجاعيد الزمن، وفي جبهته تجاعيد كخطوط الرمال في الصحراء. تدلّى محمّد من يد أبيه دون أن يقاوم كخفّاشٍ معلقٍ في سقف غارٍ مظلم.. ينظر من حوله ويراقب بصمتٍ وخشوعٍ تامّين، كرجلٍ حكيمٍ كان في تلك اللحظة.

ابتدأت قصّة محمّد قبل تسعة أشهر.. لم يكن قدره أن يولد حيث ولد، ولم يكن بمقدوره أن يختار من يكون أو أن يختار جنسيّته أو ديانته مسبقًا، بل ساق القدر النطفة عنوة لتستقرّ في قرارها المكين، عندما أحسّ بالجوع للمرّة الأولى امتصّ غذاءه من جسد أمّه التي كانت تشبه قفصًا من العظام، تؤمّن طائرًا هزيلًا. كان يتناول حصّته من الغذاء بشكل منتظم، ولم يكن يدرك بأنّه كان في تلك الآونة يلتهم أمّه! وبأنّ أمّه قد صغرت وتقلّصت حتى أصبحت في معدته، ولم يبق منها شيئا. ما كان محمّد يعلم لجهله، ولكنّ العالم كان يعلم جيّدا بأنّ أمّا قد اختفت، ولكن مارس صمته.

ما زال أبو محمد يضرب محمّدًا على مؤخّرته الصغيرة، ولكنّ محمّدًا أصرّ على عدم البكاء.. فهو ليس كالأطفال الآخرين ساعة ولادتهم يبكون خوفا من فجائع الحياة ومصائبها.. هو يعلم جيّدا بأنّه لم يذق من الحياة لذّةً واحدةً حتى يبكيها ويبكي فراقها، ويعلم كذلك جيّدا بأنّه قد واجه الحياة في رحم أمّه. الأب يضرب ويضرب ويضرب ويجهش بالبكاء وكأنّه ينفض بنطالا له، يبحث عن آخر قطعة نقديّة يملكها.

يحاول محمّد جاهدًا أن يبتسم، ولكنّه لم يعرف البكاء ليعرف الضحك. يحاول الحديث ثمّ يتراجع، فلا فائدة ترجى للحديث بعد فوات الأوان.

ضرب الأب ضربته الأخيرة، يحاول محمّد أن يسقط شيئًا من فيه.. يبتسم الذين التفّوا من حوله.. لعلّه يسقط أمّه التي علقت كقشرة في حلقه.. ولكن سالت روحه من وعائها الجسدي فانسكبت كالماء على الأرض وتبخّرت نحو السماء.

محمّد لم يولد على الأرض، بل شاهد بعض سكّان الأرض ولادته في السماء.. كنبيّ الله عيسى حدّث كهنة العالم عن الفقر والجوع، ولكن بعد أن أصرّوا على قتله رفع إلى السماء.. وكان مهده الأرضيّ في الصومال، في السودان، وفي رحم كلّ أمّ جائعة.

في تلك اللحظة ولد إبراهيم بعمليّة قيصريّة في الحجاز، عجز الأطباء عن إخراجه، وعندما شقّوا رحم أمّه كان مصابا بالتخمة، وفي يده ناطحة سحاب.. ولما أخرجوه همّ بالبكاء. محمّد طير في السماء. وإبراهيم لمّا كبر حاول التحليق فسقط عن علوّ ناطحة سحاب!

التعليقات