20/03/2013 - 15:31

عيدُ الأمّ؟! / علي مواسي

رتعيدُ الأمّ.. عيد؟! لماذا أحتفلُ بهذا اليوم؟! من أجلِ مَنْ وماذا؟! أيُّ وقاحةٍ ستجعلُني أحتفلُ به؟! هو يومٌ لا يذكّرني إلّا بضرورةِ الاعتذارِ الشّديدِ من أمّي لأنّها كانتْ مضطّرةً لإنجابي باسمِ "الاستخلافِ في الأرضِ" و"سُنّةِ الحياةِ" و"حفظِ النّسل."

عيدُ الأمّ؟! / علي مواسي

عيدُ الأمّ.. عيد؟! لماذا أحتفلُ بهذا اليوم؟! من أجلِ مَنْ وماذا؟! أيُّ وقاحةٍ ستجعلُني أحتفلُ به؟!

هو يومٌ لا يذكّرُني إلّا بضرورةِ الاعتذارِ الشّديدِ من أمّي لأنّها كانتْ مضطّرةً لإنجابي باسمِ "الاستخلافِ في الأرضِ" و"سُنّةِ الحياةِ" و"حفظِ النّسل."

أعتذرُ منها لأنَّ كلَّ يومٍ كبرتُ فيهِ كانَ على حسابِ راحتِها، ومتعتِها في الحياةِ، ومشاريعِها الشّخصيّةِ وأحلامِها، وراحةِ جسدِها وبالِها.. كنتُ كائنًا طُفيليًّا أنمو على حسابِها.. فهل أحتفلُ بيومٍ رهنتْ فيهِ نفسَها منْ أجلي، وأخدعُ نفسي برومانسيّةِ أفكارٍ حول "الأمومَة"؟!

ماذا كانَ سيحصلُ لو لم تأتِ بي إلى العالم؟ ماذا يعني لو نقصَ العالمُ واحدًا؟! لا شيء.. فعلًا لا شيء.. أنا الواحدُ من بينِ سبعةِ ملياراتِ بشريّ، ومئاتِ الملياراتِ من كائناتِ حيّةٍ أخرى، على كوكبٍ أحمقَ في مجرّةٍ يوجدُ مثلُها مئاتُ ملايينِ المجرّاتِ، تضمُّ تريليونات الكواكب!

مَنْ أقنعنا يا تُرى بأسطورةِ أنَّ الأبناءَ زينةُ الحياةِ الدّنيا ومتعتُها؟! وأنَّ مصيرَ البشريّةِ مرتبطٌ بفروجِنا وأرحامِنا، نحنُ البشر، فصارَ لزامًا علينا أنْ نُفني العمرَ ونحنُ نبني بيوتًا، ونقيمُ أسرًا، ونخضعُ لقواعدَ وضوابطَ اجتماعيّةٍ آسرةٍ خانقة، وننجبُ أطفالًا كلّ واحدٍ منهم هو مخاطرةٌ بحدّ ذاتِها، واحتمالٌ غيرُ مضمونٍ أبدًا؟!

هلْ هوَ الخوفُ من الوحدةِ مَنْ يفعلُ ذلك؟! إذًا فلماذا تمتلئُ بيوتُ المسنّينَ في العالمِ بمنْ ينجبونَ قبيلةً منَ الأبناء؟َ! هلْ هيَ الخشيةُ منَ انقطاعِ النّسلِ والفناء؟! وهل مَنْ أنجبوا قبلَنا بمئاتِ آلافِ السّنينِ بقوا؟! هل جدّي الّذي كان يسكنُ كهفًا في إحدى قارّاتِ العالمِ يكترثُ لوجودي الآن؟! وهل سأكترثُ لوجودِ حفيدي بعدَ ألفِ سنةٍ مثلًا؟! هُراء..

"أحتفلُ" بأمّي يوميًّا بعاديّةِ وطبيعيّةِ وعفويّةِ علاقتي بها، بصداقتِنا، بخصامِنا، بأحاديثِنا، بسكوتِنا، بصراعاتِنا وتحالُفاتِنا واتّفاقاتِنا العُرفيّة.. بتحمّلِها لي وتحمّلي لها، وصبرِ أحدِنا على الآخر.. بأسراري الصّغيرةِ البيتيّةِ الّتي تعرفُها هيَ فقط، وبأسرارِها الصّغيرةِ البيتيّةِ الّتي أعرفُها أنا فقط.. بحاجَتِها النّفسيّةِ إليَّ، وبحاجتي النّفسيّةِ إليها.. وبلا حاجَتِنا أيضًا لبعضِنا في الكثيرِ الكثيرِ منَ الأحيان.. وبملَلِنا من وجودِنا معًا أحيانًا ورغبِتنا في الابتعاد..

أحبُّها لذاتِها، لصفاتٍ تُميّزُها، لا لمجرّدِ أنّها تحملُ لقبَ "أمّي"، وربّما لو لم تتوفّرْ فيها هذي الصّفاتُ لما أحببتُها.. كما لا أحبُّ فيها صفاتٍ وطبائعَ معيّنة، تسمحُ لي بأن أتماهى عنها، وأكونَ ذاتي، وأرسمَ حدودًا واضحةً لعلاقتي بها.

أعتذرُ منها كلّما فكرتُ فيها، على أنانيّةٍ وطفيليّةٍ جعلتْني أنمو وأكبرُ على حسابِها، لو كنتُ أدركُها أنا البشريُّ منذُ أوّلِ يومٍ خلقتُ فيهِ وكنتُ قادرًا على تغييرِها في حينِهِ، لفعلتْ، وغيّرتُ مساراتِ حياتي كلَّها.

ربّما كانَ منَ الأفضلِ لها لو استمتعتْ بأيّامِها كثيرًا كثيرًا كثيرًا، وأنجزتْ مشاريعَها وأحلامَها، وعاشتْ مغامراتِها، ثمّ اكتفتْ بابنٍ أو اثنين لتؤنِسَ نفسَها في آخرِ حياتِها..

عذرًا أمّي.. هذا ما أملكُ قولَهُ الآن..

التعليقات