11/05/2015 - 12:58

ما بني على باطل فهو باطل: عن فيلم "حجر سليمان"/ سماح بصول

فيلم "حجر سليمان " روائي قصير، عن قصة رواية "الضوء الأزرق" لـ د. حسين البرغوثي. إخراج : رمزي مقدسي. إنتاج فلسطيني – إسباني. منتج: قدس آرت - شانغاري. تمثيل: رمزي مقدسي، ريم تلحمي، كامل الباشا، حسام جويلس، عامر خليل، رمزي أبو عصب، نسرين نفا

ما بني على باطل فهو باطل: عن فيلم

تسحرني قبة الصخرة في الخلفية، ترافقها شعائر دينية عذبة. مؤثرات صوتية تسرقني من أمام حاسوبي وتنطلق بي نحو البلدة القديمة في القدس.

لم أزر القدس إلا مرات يمكنني الآن عدها وبسهولة، أتحاشى زيارتها فأنا لا أرى فيها سوى الاحتلال والتوتر، وها هي الفرصة تحط أمامي وتأخذني إلى قصة الإنسان في المدينة المقدسة، أمشي وراءه في زقاقات مدينته، أستمع معه إلى كلام الناس وأراقب تصرفاتهم، أنفث معه دخان سجائره ويُثقل عليّ همُه.

يحصل حسين الغني، شاب مقدسي، على طرد بريدي، ومن أجل الحصول عليه يُلزم بدفع مبلغ هائل (20 ألف دولار) للحصول عليه. يدفعه حب الاستطلاع والغموض الذي يغلّف الأمر إلى المسارعة لإيجاد حل – هو الأسوأ على الإطلاق – من أجل الحصول على الطرد: بيع بيته.

في وسط غرفته في الفندق يجثم صندوق خشبي كبير، يُغازل حسين حب استطلاعه، يتلكأ قليلا ثم يفتح الصندوق ليكتشف أن في داخله حجر ضخم، لتبدأ مرحلة جديدة في حياته يمكنني أن أطلق عليها اسم 'المرحلة الحجرية'.

يواجه حسين بالسخرية أينما حلّ، يتعامل الناس في مجتمعه مع موضوع الحجر كنكتة، يصبح حديث الناس والشارع والصحف، يسخر بعضهم من بيعه لبيته من أجل حجر، ويسخر بعضهم من 'المقلب' الذي وقع فيه، لكن أحدًا منهم لا يكلف نفسه عناء السؤال:  لماذا؟ وكيف وصل هذا الحجر إليه بالذات؟ ما هو مصدر الحجر؟

يلتفت حسين إلى مكانة مدينته التاريخية والدينية، ويجد ملاذًا في  خلق هوية لهذا الحجر، يجري دراسة ويكتب تاريخًا للحجر، يربطه بقصص دينية وتاريخية عريقة، يحبك حوله شبكة من الشخصيات والأحداث فيصح حجرًا ذا 'حسب ونسب'، ويتحوّل إلى محط أنظار السائحين، ينزاح ثقل الحجر عن كاهل حسين ويصبح مصدر رزق له وقوة.

رغم أني لا أستسيغ فكرة 'استغباء' السائح الأجنبي، إلا أن حضور السائح للتعرف عن قرب على حجر هو جزء من ثقافة الفضول والمعرفة لديه.

في قلب القدس المدينة يتربع حجر مقدس منسوب إلى سليمان – على ذمّة صاحبه -  في وسط غرفة شاب فلسطيني 'مُعثّر'، فرصة مثالية تنقض فيها السلطات الإسرائيلية بعدتها وعتادها لتخطف الحجر المقدس.

يُعتقل حسين ويُختطف حجره، يفاوض السلطات الإسرائيلية التي تتعنت وتدعي أنه سرق حجرًا ذا صلة بتراثها وتاريخها، مشهد درامي رائع يلخص لنا ماهية 'التراث' الإسرائيلي. يعود حسين إلى بيته، فيما ينتقل الحجر إلى متحف إسرائيلي ويسوّق سياحيًا على أنه حجر مقدس يعود إلى هيكل سليمان وهنا تبدأ الحكاية الحقيقية التي يعيشها الفلسطيني يوميًا.

هيكل سليمان المزعوم الذي لم يُعثر على أثر له هو أسطورة حيكت لسلب القدس، 'إرث ' ديني – تاريخي مبني على باطل، تتشبت أذرع الاحتلال بأية ذريعة تتيح لها فرض هيمنتها، وكتابة تاريخ يفرض قسريًا على أمكنة وآثار لا تمت له بصلة. تبتدع الأفكار والقصص في محاولة لخلق صلة بين الإسرائيلي وأرض فلسطين.

مسارعتهم لتبني قصة 'الحجر المقدس' تؤكد عدم وجود إرث حضاري. والتهكم من تبني السلطات الإسرائيلية لقصة ابتدعها الشاب الفلسطيني ذكي جدًا، فهي تعني أننا نعرف الحيل المتبعة ونعرف مصدرها والهدف منها، نعرف أن بأيدينا أداة نصيب أحيانًا في استخدامها ونخيب أحيانًا أخرى، وأن علينا واجب تعريف العالم بهذه الحقيقة.

مدينة القدس تعيش الاحتلال بطريقة لها خصوصياتها، مواطنون يعيشون على خط التماس مع المواطنة، واعون لمكانتهم ويجيدون العيش معها بطرقهم الخاصة. أعي تمامًا أني أجهل طبيعة الحياة في القدس، لذا لا يمكنني أن أمتنع عن السؤال: لماذا يبيع حسين بيته؟ هل هي إشارة بإصبع الاتهام إلى هؤلاء الذين يستسهلون بيع بيوتهم من أجل وعد مجهول؟ هل في الأمر توجيه النظر إلى قضية مقدسية حارقة؟ كم من الوقت استغرق بيع البيت؟ هل تم بيعه بسهولة وسرعة؟ من كان المشتري؟ هل هكذا يتم بيع بيوت القدس.. بسهولة وسرعة؟ هل يريد الفيلم – ولو بومضة- نبش بعض نقاط ضعف المجتمع المقدسي أم أن 'أي تشابه بين الأحداث والواقع هو مجرد مصادفة'؟

فيلم 'حجر سليمان ' روائي قصير، عن قصة رواية 'الضوء الأزرق' لـلراحل حسين البرغوثي. إخراج: رمزي مقدسي. إنتاج فلسطيني – إسباني. منتج: قدس آرت - شانغاري. تمثيل: رمزي مقدسي، ريم تلحمي، كامل الباشا، حسام جويلس، عامر خليل، رمزي أبو عصب، نسرين نفاع، عزات النتشة.

التعليقات