13/08/2016 - 09:14

هذي الشآم وهذي القدس... واحدة

قلبي على القدسِ أم قلبي على بردى / أم أنّها واحدٌ، والباقياتُ سُدى / نبضي هناك وشرياني هنا، وأنا / غيمٌ، إذا جفَّ قلبُ الأرضِ واٌتّقدا

هذي الشآم وهذي القدس... واحدة

خلال ندوة في مركز محمود درويش

قلبي على القدسِ أم قلبي على بردى

أم أنّها واحدٌ، والباقياتُ سُدى

نبضي هناك وشرياني هنا، وأنا

غيمٌ، إذا جفَّ قلبُ الأرضِ واٌتّقدا

يروي بِعنْدمِهِ الأشجارَ واقفةً

فيصعدُ العُشْبُ حتى لا يكون مدى

ويعتلي السابحُ الَذيّالُ أنجمَهُ

ويعبقُ الياسمينُ السَّهلَ والصُّعدا

حتى تُضيءَ قبابُ النّور نافذةً

والسورُ يبعثُ ضوءَ اللهِ مُتَّحدا

هذي دمشقُ وهذي القدسُ... واحدةٌ

فليس تَفْصِلُ كَفَّاً راسخاً ويدا

الشامُ شامةُ أرضِ العالمين إذا

قالت، فإنَّ بلادَ الآخرين صَدى

أنا الشآميُّ إنْ قالَ الفتى نسبي

وابنُ العراقِ إذا ما احترَّ وابتردا

وابنُ الخليجِ على ما امتدَّ من أَلَقٍ

والأطلسيُّ علَى ما كان أو شَهِدا

أنا ابنُ مصرَ، وهذا النيلُ ماءُ دمي

ولحمُ روحي وأهرامُ الذي وردا

أنا الفنيقيُّ، لي بحرٌ بملءِ يدي

ومسرحي لؤلؤٌ والمائساتُ ندى

أنا ابنُ عُوجٍ وهذي الشمسُ موقدتي

والبدرُ طفلُ أريحا منذُ ما انْوَجدا

أنا شقيقُ نجومِ اللهِ راهجةً

وفي فضائي السّنا إنْ قامَ أو قعدا

أنا فلسطينُ، وابنُ الشام، سيّدتي

كانت رؤوماً، وظلّت والداً وُلِدا

والشامُ عَمّانُ، هذا اسمٌ لعاشقةٍ

تَرُدُّ مَنْ طمعوا في ثوبِها زَبَدا

وفي الكرامة لمّا داهموا ثبتَتْ

وصار آذارُ في أيامِهِم كمدا

والشامُ بيروتُ والأرزُ الذي عرفوا

ونورسٌ جاء معه الغارُ مُنْعَقدا

وشهرُ تموزَ والأبطالُ جارحةً

للمعجزاتِ على مَنْ فرَّ وابتعدا

يا شامُ يا بلدَ القسّام، سيدتي

هذا الذي كان قد أوفى بما وعدا

فلتُكْملي خُطبةَ البارود إنَّ لنا

حقاً بقلبك منذ الخَلْقُ قد رُصدا

ولتسألي مَنْ مضى للسّلمِ مرتبكاً

هل سالموهُ؟ وماذا كان أو وَجَدا؟

صُلْحاً وأمْناً وتحريراً وسابغةً؟

أم قاتلاً بَشِعاً يعدو بمن حَقَدا؟

الحقُّ؛ أنْ نحفظَ الحقَّ الذي سلبوا...

والخيرُ باقٍ بمَنْ لم يتركوا أُحُدا

ولستُ أعرفُ هل هذي التي ظهرت

طرطوسُ أم أرضُ حيفا؟ والبيوت هدى

هنا نزارٌ إذا انساب النسيمُ له

شعراً وعشقاً، وبلّوراً إذا سَرَدا

يمشي على جدولٍ، والياسمينُ له

طوقٌ إذا اغتمَّ ضوءُ الدربِ أو شردا

يمشي فيهدي له النارنجُ زنبقةً

تذيبُها أمُّهُ روحاً لمَنْ وُئِدا

وفي الميادين، والحاراتُ صاخبةٌ

بين المناديل عُرْسٌ للذي خَلُدا

يا شامُ كوني، فكم كُنّا على فَرسٍ

تجاوزتْ في رؤاها الطائرَ الغَرِدا

وحلّقتْ في سَما إشبيليا ودَنَتْ

وصارَ فارسُها في الأرضِ مُعْتَمَدا

وكنتِ يا شامُ للأحلامِ أُغنيةً

وفي الموشَّحِ صِرتِ الواحدَ الأَحدا

حتى تكسَّر صوتُ الموجِ في وتَرٍ

وضاعَ أندلسُ الأحبابِ وانفردا

أخافُ يا شامُ أنْ نعتادَ غُربتَنا

ويأخذوا خيمةَ المروانِ والوتدا

ويصبحَ المسجدُ الأقصى كَقُرْطُبةٍ

ويصرخونَ... ولكنْ لا يكونَ نِدا

أخافُ يا شامُ أنْ نمضي لأَنْدَلسٍ

ونقتفي خَطْوَ مَنْ قد غارَ أو طُردا

يا شامُ كوني كما شاء الإلهُ، فلن

يأتوكِ إلاّ عُراةً، والحديدُ صَدا

هنا الصغارُ عماليقٌ وقد ولدوا

وابنُ الشهيد إذا ما هَمَّ واجتهدا

وابنُ الأسير، وكلُّ الناسِ ضاربةٌ

جذورُها في ترابٍ مارَ واصطهدا

هذا الترابُ طهورٌ بعدما انجبلتْ

دماءُ مَنْ خرَّ مثلَ السَّهمِ أو سجدا

وسوف يبقى عروبّياً إلى أَبَدٍ

حُرًّ، ولو أسرفَ المحتلُّ واقتصدا

هذَي البلادُ بلادي ليس يحملها

غيري، وليس تحملُ إلاّ الأهلَ والشُّهَدا

كأنّها جَنَّةٌ، بل إنها وسعت

كلَّ الفراديس ريحاً عابقاً أمدا

والحورُ والشجرُ المسحورُ دانيةٌ

قطوفُه وفَرَاشٌ سابحٌ أبدا

وفي الأرائكِ وردٌ ناعسٌ وعلى

كلِّ المفارق طوبى، والنهارُ غدا

ويحسبون شآمَ القلبِ جنّتَهم

فكانت الشامُ ما ظنّوا به وبَدا

أبوابها السبعةُ الأعلى إذا انفتحت

للشمس حتى يكونَ النورُ مُعْتَقَدا

أُحبُّها مثلما أحببتُ زاهرتي

فالقدسُ آيةُ مهديًّ بها... وهَدَى

وقبلةُ الأوّلينَ الصِّيدِ إذ حَضَنَتْ

وجيبَ مَنْ وحَّد الرحمنَ والصَّمدا

ومهدُ مَنْ أشرقت في الماء صورتُهُ

وصلّبوه... فكان المؤمنونَ فِدا

أُحبّها مثلما أحببتُ نابُلساً

واللّدَ والرملةَ البيضاءَ والبلدا

وسورَ عكا ويافا والخليلَ ولا

أنسى الجليلَ وبئرَ السبعِ والسُّرَدا

وغزةَ العزَّ إذ تمشي على لهب ٍ

فتطعم النارَ جمراً نابضاً جسدا

أُحبّها مثلَ حِمْصٍ وهي باعثةٌ

في اللاذقيةِ سيفَ الله والزَّرَدَا

ومثلما أُودِعُ الشهباءَ مئذنةً

لسيفِ دولتِها إنْ سَنَّ أو حصدا

ومثلما الفاتحُ الكرديّ مُنتصراً

وفاتحاً قُدْسَهُ، والغربُ مُرْتَعدا

صلاحَنا الناصرَ الأيوبِ، أين لنا

سيفٌ يُحرّرِ أو يُبقي العِدا بَددا

ويستعيدُ لنا الجرّاحَ ثانيةً

وخالداً وجموعَ الفتح والُعمَدا

صخرُ بن حربٍ أقامَ الأمرَ، خافقةً

آياتُ حقٍ لها الراياتِ قد عَقَدا

وأثْبتَ الضادَ والقرآنَ، فانطلقتْ

سحائبُ المجدِ لا تُحصي لها عددا

بني أميَّةَ، هذي بعضُ ما تركتْ

آباؤكم من محاريبٍ لمَنْ عبَدا

ففي القبابِ على الأقصى إذا ندهت

خيولُهُ الأمويَّ الابنَ والولدا

ويستجيبُ بنو العّباسِ إذْ صرختْ

أُمٌّ، فلبّوا لها الأحمالَ والسَّندا

تريد من ساحةِ الميدان إنْ سمعت

نداءَها، أنْ تثيَر الجدَّ والولدا

حتى نرجّعَ معنى الصوتِ؛ ليس لهم

إلاّ السلامُ، وإلاّ فَالردى بِـِ ردى

التعليقات