أنتم حماة ذاكرة الأرض.. فلا تمكنوهم!../ ناصر السهلي

أنتم حماة ذاكرة الأرض.. فلا تمكنوهم!../ ناصر السهلي
لو أن الاحزاب الصهيونية من يسارها الى يمينها و التي تدعي ما تدعيه من ديمقراطية "وحيدة" في المنطقة أمعنت القراءة قليلا بما زرعت وتزرع فيما يخص سلسلة الاحداث التي صنعت كيانا قام على أفعال لا تقل عن الحقيقة التي باتت معروفة حتى في الغرب الذي تتلطى خلف ضميره الاعور دولة تكرم القتلة من الارهابيين وتطلق أسماء الشوارع على قتلة الاطفال والنساء في دير ياسين وغيرها وتمارس إلى تاريخه أبشع عملية إحتيال تاريخي بحق شعب كامل... لو أنها فعلت ذلك لما إحتاجت كل هذا العناء لتستوعب أن الناتج الارهابي والتفريخ المتطرف النافي حتى لوجود الاخر غير اليهودي ليست إطلاقا كما تُقدم في الرواية الدعائية الصهيونية ..

لا يمكن مثلا لكائن من كان أن يفلت في كوبنهاغن او استوكهولم او برلين ان يقوم بتصوير منزل نائب وعرض الصحف لمنزله بشكل تحريضي مع قيح عنصري وقح في التعبير والدلالات دون محاسبة وخصوصا اذا ما ترافقت مع دعوات واضحة للخطف والقتل كما يجري مع د. عزمي بشارة كمدخل لرسائل للبقية العربية من أعضاء الكنيست، لكننا في إسرائيل أمام نموذج آخر لمفهوم الديمقراطية التي صنعت لنفسها حيزا واحدا ووحيدا من قراءة الذات فوق كل المفاهيم والقيم..

إذا كان تاريخ موشيه ليفينغر ومائير كهانا وباروخ غولدشتاين ورحبعام زئيفي والالاف غيرهم وقبلهم من مخلفات من أوغلوا بالدم الفلسطيني مُدركا حتى ليهود يوصفون بالخونة بفعل إدراكهم للاثام التاريخية إرتكانا إلى قراءة توراتية –تلمودية أفظع ما فيها أن يصمت مجتمعا كاملا عنها أو يعلق عليها تعليقا خجولا من يدعي العلمانية في الجانب الصهيوني..

لو كان ليبرمان وزيرا مهاجرا في مملكة الدانمارك أو السويد ويطلق تحت سمع المجتمع كل هذا القيح العنصري الذي يصل حد التحريض على القتل والطرد وسلخ الحقوق ضد السكان الاصليين لما كانت الصحافة والاعلام، والتي هي في اسرائيل تحمل من المعايير ما لا تحمله بوليتيكن او انفارماسيون او داوبلاديت، فلا معاريف ولا هآرتس ولا يديعوت أحرنوت ولا القناة العاشرة ولا رئاسة الوزراء لديها ما يخالف جوقة العنصريين المتسابقين في رالي الكذب والتحريض لكسب الناخب الشوفيني الذي أنتجته الماكينة السياسية والاعلامية والتربوية الصهيونية ليكون مناسبا لمقاس الفكر ..

وبالضد من تجارب التاريخ يستمر "الفكر" الصهيوني في إستغباء اليهود، قبل العرب، والعالم ببكائية المظلومية لشحذ سكاكين كهانا حي وحركة أمناء الهيكل وبوحي من عوفاديا يوسف والاخرين الذين يعانون إضطراب الكذب التاريخي والسرقة المعمدة بالدم والتدمير واحتقار قيمة الاخر... هذا الاستمرار الذي يسير باسرائيل دون شك بما سارت اليه كيانات مشابهة في تاريخ البشرية ثمنه البادي للعيان في هذه الحالة هم هؤلاء العرب الفلسطينيون الذين لولا أننا نعيش عصر سرعة انتشار الخبر وتأثير الصورة لكنا شهودا على "الحل النهائي" الذي يتمناه ساسة اسرائيل لهؤلاء الذين يعاملون معاملة غير المرغوب بهم... لكن الصورة ستكون مغايرة على المدى البعيد...

هذه حقيقة يدركها البعض الاسرائيلي قبل أن يُدركها العربي صاحب الارض في ديرياسين وكفر قاسم والطنطورة وبلد الشيخ ويدركها المقدسي الذي يُحشر هو وعائلته في غرفة لمصلحة السطو اليومي لأناس مشبعين بفكر الحقد والتطرف المحمي والممنهج ... فإذا كانت الدولة بأذرعها السياسية والقضائية تبيح ما تبيحه فما بالنا بتلك الجماعات التي تقوم بحرية مطلقة بما تقوم به في الخليل والبلدة القديمة في القدس دون حسيب او رقيب... إدراك البعض للحيقية التي ستأخذ اسرائيل الى حيث ذهبت الكيانات التي قامت وإندثرت يدفعهم للصراخ في البرية لكنهم لا يسمعون سوى صدى صوتهم...
- لاحظ الطريقة التي يجري التعامل فيها من المحاكم والساسة الصهاينة في قضية إحتلال المستوطنيين لبناء في الخليل وما يرافقه من تسويف وتسويغ لنقل الحال الاحتلالي الشاذ الى أمر واقع!

الكيان الذي يصير فيه "الشاباك" حاكما ومتحكما لتكميم أفواه الناس معروفة وجهته المستقبلية... وفلسطينيي الـ48 الذين بقوا متمسكون بكل شبر وشتلة ونسمة هواء وموجة وبرمزية المكان والتاريخ أجادوا العمل القومي في ظروف أشد قسوة مما يتحمله بشر .. فمن الحكم العسكري المباشر الى الديمقراطية المتسترة على التمييز والعنصرية الفاشية الفاضحة الى محاولات تقيسمهم الى طوائف وأقليات لمحو الانتماء القومي الجمعي والى غيرها من الاساليب الموجهة والمنظمة لأسرلة العقل وتهويد التوجه ، كلها أساليب لم تجد إلا قلة من حفنة متصهينة إستسلمت للواقع بينما الاغلبية الساحقة بقيت هناك تحرس وبكل شرف ذاكرة فلسطين على مدار عقود النكبة وما تلاها من إحتلال بقية الارض في 67...

يبدو الكتور عزمي بشارة ومنذ سنوات طويلة سبقت ولوجه الحياة السياسية الرسمية شخصية عربية فلسطينية تثير حنق الاحزاب والشخصيات الصهيونية ، فالرجل شكل تحديا حقيقيا لكل من اليسار الانتهازي الصهيوني واليمين المتطرف ... أولا كمفكر جريء لم يتردد في تحدي فكرة الاسرلة ( وهو تعبير طالما استخدمه) للدلالة على رفض محاولات تدجين الانسان الفلسطيني الذي يحيا في ظل الامر الواقع بحمل الجنسية الاسرائيلية، فسحب البساط من تحت أقدام اليسار الانتهازي بطرحه مشروعا قوميا خاصا بأصحاب الارض الاصليين من جهة وبتحدي آخر عبر طرحه دوبة المواطنة التي تصيب الفكر الصهيوني المتطرف بالذعر الحقيقي من أن يفقد الكيان صفته الدينية اليهودية... وهو نسف لفكرة العلمانية التي تدعيها الاحزاب الصهيونية، بل فضح لحقيقة أن الدولة الوحيدة في المنطقة التي تقوم وتنظم حياتها بناءا على الدين على العكس من الدعائية الصهيونية عن إسلامية ودينية الدول العربية...

ففي هذه المنطقة تكون إسرائيل الكيان السياسي الوحيد الذي يستورد مواطنييه بناءا على الانتماء الديني فيمنح الجنسية لاي يهودي مهما كانت خلفيته القومية او الثقافية..
رغبة إسرائيل في أن يكون "عرب إسرائيل" هم فقط على النحو الذي تريده لهم كمجموعات "اثنية" وأقليات مختلفة تعيش على الهامش وبسلبية لا تثير الاسئلة الكبيرة التي أثارتها المشاركة العربية الفلسطينية بكل مشاربها وأحزابها ومن بينهم د.عزمي بشارة شكلت مشروعا يناقض كل ما ذهبت اليه الاحزاب الصهيونية ومن هنا نجد بأن معظم أعضاء الكنيست العرب يُعاملون ( كما الجماهير العربية المصوتة لهم) تارة كطابور خامس وتارة اخرى كتهديد إستراتيجي في قراءة عنصرية إقصائية تحت سمع ومرأى الامم المتحدة وتجاهل القانون الدولي وحصار عربي تم كسره بما لا يروق للمؤسسة الصهيونية الحاكمة..

حين يقف أعضاء "برلمان" ليطالبوا بنصب المشانق لهؤلاء الاعضاء... وإستصدار قانون باسم بشارة والتلاعب الخبيث لبث الفرقة بين القوى العربية .. كلها وغيرها من الموثق في ممارسات "الدولة اليهودية" كانت ومازالت تستدعي الخروج العربي في الداخل من حالة المراهنات الفاشلة والسماح للسياسة الصهيونية أن تشتت جهودهم وأصواتهم وبالتالي تأثيرهم الجماعي..

فإذا كان ليبرمان واضح في عنصريته التي لا تختلف عن وقاحة ما يسمى اليسار الصهيوني والقضاء الذي يوجه العامل العرقي والتمييزي والتصغيري لحق العرب ومدنهم وقراهم على كافة الصعد بما فيها التضييق التعليمي والعمراني لمصلحة "التهويد ولا شيئ غير التهويد" فإنه ثمة مهام ومسؤوليات تقع على الوسط العربي من الجليل والمثلث الى النقب ممثلا بقواه وفعالياته القومية للتوحد الداخلي اولا والتوجه القانوني ثانيا باتجاه المجتمع الدولي بما فيها الامم المتحدة ومحكمة العدل الدلية لتقديم هذه الدولة العنصرية وشخوصها الفاشية الى حيث يجب ان تكون... دون التوقف أمام هالة النفوذ اليهودي ...

فقد باتت ممارسات إسرائيل بحق مواطنييها العرب معروفة في كل مكان ... وطالما أن تهمة "الطابور الخامس" جاهزة على كل الاحوال فلتكن الخطوات التصعيدية الموثقة واضحة لتعرف الاحزاب الصهيونية أنها لا تعيش في كوكب تملكه وتسيره كيفما شاءت... وليخرج دعاة اليسار والعلمانية والمساواة من أمثال بيلين من إنتهازيتهم وجحور تطرفهم ليروا صورتهم البشعة في المرآة الحقيقية..

فلا الاستقالة ستكون حلا نهائيا لسياسة لتطرف والتمييز الصهيوني ولا التشرذم السياسي حلا للدفاع عن مصالح الجماهير العربية، المهم في كل هذه القضية الثبات والتضامن القومي الداخلي لمواجهة كل هذه الجعجعة التي يجابهها عزمي بشارة كمدخل نحو صحوة عرب الداخل وقواهم القومية وبلورة مشروع جماعي موحد لا مشتت... لقد حفر عزمي بشارة بمعوله الفكري ثقبا واضحا في ظلامية الفكر الصهيوني، وسواء استمر او إستقال، فإن السير بإسرائيل نحو ما يريده المتطرفون له وجهة واحدة ليس مستحيلا إكتشاف وتلمس طريقه!

التعليقات