حذار من السقوط في معادلة السلطة: متطرف ومعتدل../ عوض عبد الفتاح

حذار من السقوط في معادلة السلطة: متطرف ومعتدل../ عوض عبد الفتاح
ترتسم في الأجواء معالم تصعيد خطير آخر ضد العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر. هذا ما يحس به كل مراقب وكل ناشط وطني في البلاد، على مستوى القيادات أو على مستوى القواعد. الجديد القديم في الحملة التصعيدية الجديدة هو إقحام الديمغرافية بالأمن، والولادة الطبيعية للعرب مع تطورهم السياسي. والجديد هو التعبير العلني عن نية السلطة ضرب العرب المطالبين بإلغاء يهودية الدولة بطرق غير ديمقراطية. وستشهد الأيام أو الأسابيع القادمة حملات إعلامية رسمية وشبه رسمية (صهيونية) تحريضية تستهدف ضخ جرعات إضافية من الكراهية والعنصرية في أوساط المجتمع الإسرائيلي ضد المواطنين العرب وإثارة الهلع والرعب في صفوف هؤلاء المواطنين الذين ذنبهم الوحيد أنهم بقوا في أرضهم وطوّروا آليات للحفاظ على هذا البقاء. ولأنهم تماثلوا مع تطلعات أمتهم العربية.

التصريحات العدائية السافرة التي تستبدل السياسات العنصرية المضمرة ضد العرب، هي التعبير الفيزيائي-القمعي المعتمد ضد هذا الجزء من شعب فلسطين منذ عشرات السنين. محاولات إخراج الحركة الإسلامية عن القانون وما صرحت به عضوة الكنيست السابقة، "شلوميت الوني لموقع "المشهد الإسرائيلي" (02.04.2007) عن تقديرها أنّ ملفًا يُعّد ضد النائب عزمي بشارة من جانب جهاز الأمن الداخلي المعروف بالشاباك يقول الكثير عن المرحلة الراهنة.

وربما في غمرة الإنشغال في التصريحات، يغيب عنا أنّ المشروع الصهيوني الذي يستهدف الواقع المادي والثقافي لعرب الداخل ليس في حالة توقف أو انتظار، بل هو فاعل وناشط في جميع الميادين، أي أنّ الأزمة التي تعيشها المؤسسة السياسية والعسكرية لا تعيق ذلك وأن جزءً من نشاطاتها الأخيرة هو محاولة تعويض جزئي عن هذه الأزمة.
إزاء ذلك تطرح هذه المرحلة الجديدة التي تعود بدايتها إلى الإنتفاضة الفلسطينية الثانية وتأثيراتها على عرب الداخل، ضرورة التفكير الجماعي الحقيقي في كيفية صدّ هذه الحملة وكيفية الإنتقال إلى الهجوم.

إنّ أخطر وسيلة اعتمدتها وتعتمدها المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية حتى الآن هي تقسيم العرب الى متطرف ومعتدل. وهذا ما حاولته السلطة بعد هبة اكتوبر 2000، ولكن الأصوات العربية التي تجاوبت معها والتي اتهمت القيادات العربية بمسؤوليتها عن "تطرف الشارع العربي" توارت وراحت تنتظر الفرصة للعودة، ستحاول كما فعلت في السابق، إعتماد هذه الوسيلة وهي من وسائل الإستعمار المعروفة، لكن تمرير هذه السياسة يواجه إشكالية التناقض.

يكمن هذا التناقض في أنّ الأجهزة الأمنية وكل فروعها أصبحت تتعامل مع عرب الداخل ككل كخطر ديمغرافي بصورة علنية. وهذا معناه أن الجميع مُصنفون في الخطر على الطابع اليهودي للدولة. لا فرق هنا بين باع نفسه للأحزاب الصهيونية أو من ارتمى على أعتابها متوسلاً الفتات أو من تحاول أن تشدهم إلى صفها وبين من ناضل برأس مرفوع وأصّر على هويته الوطنية الحضارية. بطبيعة الحال ستواصل أجهزة الحكم في إسرائيل تنفيذ هذه السياسة، أي ترجمة مفهومها العنصري على الأرض، باختصار سيتواصل المخطط بهدف إستكمال تمزيق الكيان العربي داخل الخط الأخضر واحتجاز تطوره الإقتصادي والزراعي والثقافي والتعليمي ليتحول إلى كيان مشوه، إلى مجتمع مشوه أي الى أفراد مشوهين.
ويمكن تحديد نقاط التماس والتوتر بين المواطنين العرب والدولة العبرية، وهي نقاط قوة بالنسبة للعرب.

النقطة الأولى – تتمثل في الزيادة الطبيعية للعرب وهو يتناقض مع إقامة دولة يهودية صهيونية خالية من العرب.

النقطة الثانية – مطالبة العرب بإلغاء يهودية الدولة والمعبر عنه في الوثائق الصادرة عن اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية وعن جمعيات أهلية مثل عدالة وغيرها.

النقطة الثالثة – العلاقة مع الأمة العربية التي يمتد وجودها مع المغرب العربي إلى الخليج العربي شرقًا، والتماثل مع تطلعاتها في الحرية والديمقراطية والوحدة وصدّ العدوان الأجنبي وفي مقدمتها العدوان الإسرائيلي.

لكن كيف تتدرج خطورة هذه النقاط في نظر إسرائيل؟

أعتقد أنه لم تكن إسرائيل لتقدم على تضخيم خطر الولادة العربية لولا زيادة الوعي السياسي ونمو التنظيمات السياسية العربية في الداخل التي واصلت "وقاحتها" إلى المطالبة في المساواة الكاملة. وكانت القاضية الإسرائيلية تاليا ساسون التي صوتت لصالح شطب قائمة التجمع في الكنيست عام 2003، قد قالت بأنّ أخطر ما يطرحه التجمع الوطني الديمقراطية هو مطالبته بالمساواة الكاملة. وهنا مصدر الهجوم غير المتوقف على الوثائق العربية التي صاغها نخبة من الأكاديميين والمثقفين العرب من كافة الإتجاهات السياسية.

ماذا تعني المساواة الكاملة بالنسبة لإسرائيل والصهيونية؟ أولاً، يجب أن يُشار إلى أنّ الكثيرين من عرب الداخل وتنظيمات سياسية أساسية تعتبر مطلب المساواة هو حل وسط مع المجتمع اليهودي في إسرائيل. هو بديل ديمقراطي إنساني، ولكن الصهيونية تخشى من إعادة توزيع أملاك وثروة البلاد على قاعدة المساواة والذي يعني في نهاية المطاف، تخلي الدولة اليهودية عن الإمتيازات التي خصصتها لليهود بعد النكبة وبعد نهبها أملاك العرب وثروتهم ووطنهم وإبقائهم في الدرجة الثانية أو الثالثة.

أما النقطة المتعلقة بالعالم العربي – يبدو أنها ستحتل موقعًا مهمًا في الحملة التحريضية الوشيكة ضد عرب الداخل.
ويجب إعادة التأكيد هنا على أن عرب الداخل هم جزء من الأمة العربية، وهم يقفون معها ضد العدوان الأجنبي، وليسوا مع أية قوة أجنبية معتدية، إسرائيل أو أمريكا أو غيرهما. ولذلك كان وسيظل عرب الداخل مع شعبهم الفلسطيني ضد الإحتلال ومع شعبهم العربي اللبناني ضد العدوان الإسرائيلي ومع العراق وسوريا ضد المشروع الأمريكي. وأن نسج العلاقة مع الأمة العربية هو أمر طبيعي يصُبّ في تعزيز الهوية العربية الحضارية لعرب الداخل ومجابهة المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى تكوين "عربي إسرائيلي" مقطوع الجذور عن حضارته وثقافته الوطنية والقومية.

إن أفضل طريقة للتصدي للحملة الإسرائيلية الجديدة السافرة هو الهجوم. الهجوم السياسي والأيديولوجي على المؤسسة الإسرائيلية وتعرية حقيقتها العنصرية والعدائية. يجب التوجه المساعي إلى الرأي العام الإسرائيلي والمحافل الدولية وفتح جرائمها من جديد ضد عرب الداخل المتمثلة في تجريد العرب من أملاكهم وفرض الحصار عليهم.

نحن لسنا خطرًا على أحد. لكننا خطر على العنصرية، على سياسة النهب والسطو الذي تقوم به دولة معترف بها دوليًا وتصنف كدولة ديمقراطية. وهي دولة عنصرية وإرهابية.
وهذا هو مصدر قوتنا وليس ضعفنا: وجودنا في وطننا، وعينا السياسي، وطروحاتنا الديمقراطية والإنسانية.

التعليقات