حملة ترويع أخرى... تهيأوا!!../ عوض عبد الفتاح

حملة ترويع أخرى... تهيأوا!!../ عوض عبد الفتاح
من يتتبع حالة التعطش غير البريء التي تستحوذ على وسائل الإعلام الإسرائيلية لتفصيل أو معلومة تتعلق بقضية التحقيق مع الدكتور عزمي بشارة، أو بمكان وجوده أو وجود عائلته، وهي جزء من عملية الملاحقة السياسية، والتصريحات الرعناء التي يطلقها مسؤولون إسرائيليون سابقون وحاليون، لا يصعب عليه تخيّل حجم الانفلات الذي سنشهده بعد رفع حظر النشر.

المجتمع الإسرائيلي ووسائل إعلامه مُعبّأون ومشحونون أصلاً ضد المواطنين العرب، ضد تكاثرهم الطبيعي ضد الطفل والشاب والعجوز، وضد نخبهم الوطنية والسياسية وخاصة من شكّل إزعاجًا دائمًا لهم وتحديًا لأيديولوجيتهم الصهيونية العنصرية. وهناك من يقبع في مراكز الأبحاث الأمنية المنشغلة يومياً في متابعة ورصّد التغيرات الحاصلة في المجتمع العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر. فقد حّول الباحث، والكاتب والإعلامي، أقلامهم إلى وسائل لبثّ السموم العنصرية بدل بثّ الفكر والمعرفة والتنوير. نقول أقلامهم مجازًا إنما الذي تدهور أكثر ممّا هو متدهور هو عقليتهم. هذا طبعاً بالتوازي مع تنفيذ فعلي لسياسات تستهدف يوميًا حياة العرب.

فمن كان متخفياً منهم، بل جلهم، في جلباب الليبرالية والتنوير تنكشف حقيقته على الملأ. بعضهم سيدعي أنّ عزمي بشارة وآخرين يتحملون المسؤولية عن تدهور العلاقة بين العرب واليهود، وبطبيعة الحال سيتبعهم عرب صغار استمرأوا الذلّ والتبعية ونهج الاعتذار أمام السيّد اليهودي.

يلعب أرباب وأنصار المؤسسة بالكلمات والمنطق الأعوج ليصرفوا النظر عن حقيقة مواقفهم المعادية للتكاثر العربي، وينادون بدولة يهودية بأقلّ عدد مُمكن من غير اليهود-أي العرب. لن يسألهم أحد أو يسألوا أنفسهم لماذا تتواصل عملية التدمير المنهجي للكيان العربي داخل إسرائيل. لماذا تهدم قرى كاملة في النقب وتفرغ الأرض من أصحابها العرب وكأننا لا زلنا زمن النكبة؟.. ولماذا يجري خنق التطور الطبيعي وتحويل مدننا وقرانا وعرب المدن الفلسطينية الساحلية إلى أحياء فقر؟.. هل لأنّ هؤلاء العرب يخوضون بدباباتهم وطائراتهم حرباً ضد الدولة العبرية؟.. لماذا يتواصل الاحتلال والاستيطان؟.. لماذا يجري اغتيال وإعدام المناضلين وقتل الأطفال والنساء؟.. لماذا يُعتدى على لبنان وشعبه وعلى الأمة العربية؟.. بعضهم ممتعض من سياسة حكومته ليس من منطلقات العدالة والإنسانية بل لأن ذلك يضّر بسمعة دولتهم. أما القلة القليلة من الجريئين فيهم فهم في خانة الخونة والأغيار. ستتهرب الغالبية الساحقة منهم من هذه الأسئلة الموجعة، ويقلبون المعادلة كما اعتادوا دائمًا. ستظهر وجوههم الحقيقية للمرة الألف بكل بشاعتها.

فحتى قبل أن يرفع حظر النشر، يتمنى نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل السابق، أن يتخلص من عزمي بشارة. ويعلن رئيس "الشاباك السابق"، يعكوف بيري، قرارهم بإنهاء ظاهرة عزمي بشارة، وآخرون يقولون كلاماً مشابهاً.

فما بالكم بعد رفع حظر النشر فكيف ستكون حالتهم؟ سيكونون كالوحوش الكاسرة يتحركون بصورة غرائزية، مشحونون بالكراهية والحقد ليس على عزمي بشارة فحسب بل على العرب جميعاً. لقد مررنا بهذه التجربة قبل ذلك وخاصة في هبة القدس والأقصى وبعدها، سواء ضد التجمع ورئيسه أو ضد الشيخ رائد وحركته أو ضد المواطنين العرب وتنظيماتهم السياسية الوطنية والمؤثرة في المجتمع.

سيكون الهدف من حملة التحريض المتوقعة ترويع العرب ودّب الذعر في صفوفهم وكأن العرب ما زالوا عرب الخمسينيات والستينيات. وستستعين المؤسسة بأبواق عربية لا تمثل إلا مصالح ضيقة ولا تعبّر إلا عن تشوّه أخلاقي صنعته إسرائيل عبر سياسات الترويض والاحتواء.

لسنا معزولين عن واقع العرب في الداخل. نعرف من سيسقط ومن سيصمد.
ولكن شعبنا بأكثريته الساحقة وبأغلبية قواه السياسية المجربة والصلبة سيُخيّب ظنّ المؤسسة الإسرائيلية، لأنّ هذا الشعب الذي يسمع ليلَ نهارَ أنه خطر ديمغرافي ويرى بيوته تهدم يوميًا وأراضيه تُسلب وقراه ومدنه تحاصر بالمستوطنات، أصبح يعي تمامًا حقيقة اللعبة وبالتالي فإنه لن يهتزّ ولن يتراجع بل بمقدوره أن يهّز المؤسسة ويضعها في حالة دفاع عن النفس، لأنّ شعبنا يستند إلى قضية عادلة وموقفه الأخلاقي وإرادته الصلبة.

"فصل المقال"

التعليقات