حول التحريض على العرب والعلاقة مع الدولة../ مهند مصطفى

حول التحريض على العرب والعلاقة مع الدولة../ مهند مصطفى
يتعرض المجتمع العربي الفلسطيني في الدخل وقياداته السياسية وأحزابه وأطره الفاعلة إلى حملة تحريض كبيرة في السنوات التي أعقبت انتفاضة الأقصى في أكتوبر 2000 عموما، وفي السنة الأخيرة على وجه الخصوص، بسبب الموقف الواضح الرافض للحرب والمؤيد للمقاومة من جهة، وبسبب جهود حثيثة يقوم بها العرب لطرح مسألة جوهر وطبيعة الدولة للنقاش الجدي مع النخب اليهودية، وصلت ذروتها في وثائق أصدرت عن مؤسسات وهيئات فلسطينية في الداخل، وبرامج حزبية متحدية، إضافة إلى مشاريع عملية مثابرة لمأسسة المجتمع العربي تقوم بها أحزاب وحركات سياسية عربية.

وتشير هذه الحملة إلى الحالة المتأزمة التي وصلت لها العلاقة بين الدولة والجماهير العربية الفلسطينية، وتصعيد وتطوير في آليات العداء مع المجتمع الفلسطيني، كما يحدث مؤخرا مع الحركة الإسلامية والتجمع الوطني الديمقراطي. لم تستوعب الدولة والمجتمع الإسرائيلي بعد مسألة أن الفلسطينيتين في الداخل يقومون بإنتاج وإعادة إنتاج هويتهم الجماعية بمركباتها المختلفة، حيث تتناقض هذه الهوية مع طبيعة الدولة وسياساتها.

إلى جانب ذلك فقد أدرك العرب حقيقة استحالة المساواة في ظل الطابع اليهودي للدولة، حتى لو تم حل القضية الفلسطينية. وتطور الخطاب السياسي الفلسطيني في الداخل في السنوات الأخيرة، فحتى سنوات ارتبط الخطاب السياسي، وفي جوهره مسألة المساواة، بالقضية الوطنية. بمعنى أن حل القضية الوطنية والصراع سوف ينعكس على ماهية العلاقة مع الدولة ومساواة الفلسطينيين في الداخل. فقد تم تبلور موقف جماعي سياسي يصب في سبيل تحقيق المساواة المدنية، اعتقد الفلسطينيون في الداخل أن حل المسألة الوطنية سوف يحسن من مكانتهم المدنية وقد أدى هذا الربط بين الموقف السياسي وبين المكانة المدنية إلى تعزيز المركب الإسرائيلي على مستوى الوعي والسلوك في أنماط الممارسة والتفكير السياسيين لدى الفلسطينيين في إسرائيل. في السنوات الأخيرة أدرك الخطاب السياسي العربي أن مسألة المساواة غير متعلقة بحل القضية الفلسطينية.

وقد أيد الفلسطينيون في الداخل عملية السلام، دون أن تتضح لهم معالم الحل النهائي للقضية الفلسطينية، والتي أجل البت فيها حسب اتفاقيات أوسلو للمرحلة النهائية. لقد أيد الفلسطينيون العملية السلمية التي اعتقدوا أنها ستحسن مكانتهم المدنية بالأساس. وبدأ الموقف السياسي الذي يؤيد مجمل المطالب الوطنية في مركبات القضية الفلسطينية يدفع بهم للتصويت لحزب العمل، على الرغم من أن الأخير لا يحمل نفس المواقف من القضية الوطنية التي يحملها الفلسطينيون في إسرائيل، ولكن حضور العلاقة في الوعي والممارسة بين الموقف السياسي والمكانة المدنية، كعلاقة مشوهة ذرائعية دفعت بهم للتصويت للأحزاب الصهيونية، في تلك المرحلة، عبر الفلسطينيون عن موقفهم من القضية الوطنية في سياق سياسي بدأ يركز على الخطاب المدني من خلال عملية حثيثة من التشريعات القانونية، وتحسين في الجوانب المطلبية اليومية.

تعرّف إسرائيل نفسها على أنها دولة يهودية ذات رواية تاريخية واحدة للصراع، وتشكل هذه الرواية إجماعا سياسيا على شكل الحل (خصوصا في قضايا اللاجئين، العودة إلى حدود حزيران 1967 والكتل الاستيطانية)، ولكنها في الواقع دولة ثنائية القومية من حيث انه يتأسس فيها روايتين تاريخيتين للصراع ورؤى سياسية متمايزة لمركباته وحله، ومحاولتها لفرض ثقافتها وروايتها من الصراع على الفلسطينيين في الداخل ليس ممكنا، حتى لو استمر الخطاب الصهيوني يربط بين حقوقهم المدنية بمواقفهم السياسية كما تطالب الآن بعض الأحزاب الصهيونية.

أصبح الخطاب السياسي الفلسطيني واعيا أكثر لذاته ولتعقيدات علاقته مع الدولة، ربما لم تتشدد الدولة في علاقتها مع العرب في السنوات الأخيرة مقارنة مع الماضي، ففي فترة الحكم العسكري صادرت الدولة أكثر من مليون دونم من الأراضي للأقلية العربية الباقية، وفرضت حكما بوليسيا حقيقيا، وأسست لجهاز قضائي منفصل للعرب، ولكن كشفت عملية اكتشاف الفلسطينيين لوعيهم وللآخر فيهم، حجم الخطاب والطابع العنصريين للدولة أكثر فأكثر.

وفي محاولته للتعامل الجديد، من بناء هوية جماعية وخطاب سياسي ووطني يتناقض مع طابع الدولة، تعرى هذا الخطاب والطابع أكثر وأكثر، لا يأتي رد الفعل العنيف للدولة على النقاش الذي يطرحه العرب حول طابع الدولة بسبب إمكانية تغييره واقعا، أو في المرحلة القادمة إذا كنا متفائلين، بل لأنه يكشف عنصرية الخطاب والطابع اليهودي للدولة من جهة كما لم يفعل ذلك من قبل، ولأن العرب أصبحوا بالفعل يتعاملون مع ذاتهم الفردية والجماعية كشعب له روايته التاريخية وانتماؤه الوطني وفضاؤه الحضاري العربي والإسلامي، والأهم من ذلك أن العرب لم يعترفوا بيهودية الدولة وهو مطلب بدأت تشدد عليه إسرائيل منذ كامب ديفيد عام 2000، ليس فقط من الحركة الوطنية الفلسطينية بل من العالم أجمع.

من المتوقع أن تشدد المؤسسة أكثر من إجراءاتها ضد الفلسطينيين في الداخل، والمطلوب تكاتف الجميع في صف واحد وتعزيز العمل الجماعي، والأهم من كل شيء إعادة تنظيم الفلسطينيين في الداخل وآلياته النضالية.

التعليقات