عزمي بشارة../ د.حسن مدن

عزمي بشارة../ د.حسن مدن
في كتابه “طروحات عن النهضة المعاقة”، يذهب المفكر الفلسطيني عزمي بشارة إلى أن العرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة في عام 1948 لم يجدوا هوية توحدهم وتفصلهم عن غيرهم في الوقت ذاته، فما يوحدهم، أي الهوية العربية الفلسطينية، لا يفصلهم عن غيرهم من الفلسطينيين والعرب، وما يفصلهم عن بقية العرب، أي مواطنتهم “الإسرائيلية”، لا يشكل حالة انتماء بأي حال، وهي بالتالي ليست هوية جماعية، والمحاولات التي جرت، والمتكررة في الحاضر، لتحويلها إلى هوية تناقضت عموماً مع الهوية الفلسطينية.

ونظراً لشعورهم بأن هويتهم مهددة، فقد سعوا بأنفسهم إلى تأكيد معالمها وترتيب ذاكرتهم التاريخية بعد أن شرد حفظتها من المثقفين وأبناء الطبقة المدينية الوسطى في المنافي.

ويرى بشارة أن هناك بوناً شاسعاً بين الهوية، التي هي بالإضافة إلى ذلك قضية نضالية، وبين ما يدعوه “سياسات الهوية”. ذلك أن النضال من أجل “الحفاظ على الهوية” لا يحافظ عليها فعلاً بل يعيد تشكيلها عبر رموزه الجديدة كهوية جماعية، مرتبطة بالأرض إلى حد بعيد، في مواجهة الصهيونية.

من موقعه النضالي داخل أراضي 1948 دأب عزمي بشارة ورفاقه في الحركة الوطنية الفلسطينية على توكيد هوية من تبقى من العرب بعد قيام دولة الاحتلال. كان الفلسطينيون الذين آثروا البقاء في أرضهم يضعون عقبة جدية في وجه الصهاينة في أن يجتثوا من الأرض كل أبنائها، إما بالإبادة أو بالاقتلاع. بقاء هؤلاء عنى أن الهوية الفلسطينية ظلت تتجذر ولا تطمس أو تمحى رغم كل سياسات التهويد والاستيعاب والدمج التي أخفقت في أن تجعل الفلسطينيين هناك يكفون عن أن يكونوا فلسطينيين.

ستوالي أجيال من أهلنا في أراضي 1948 هذه المهمة، والعقاب الصهيوني لعزمي بشارة بصفته قائداً ومفكراً ومناضلاً يكشف، مرة أخرى، أن ساسة دولة العدو يفقدون رشدهم إزاء كل ما من شأنه أن يجعل من الهوية الفلسطينية هوية باقية، راهناً ومستقبلاً وليس تاريخاً فحسب.

"الخليج"

التعليقات