لنجعل ردنا صدمة لهم!../ د.جمال زحالقة

لنجعل ردنا صدمة لهم!../ د.جمال زحالقة
تتكشف النوايا الحقيقية للسلطة في قضية عزمي بشارة، بإصرارها على تهمة ما يسمى "مساعدة العدو أثناء الحرب". فهذه التهمة تتصدر التهم التي وجهت إلى بشارة، وهي الأولى في قائمة التهم كما أعلنت عنها الشرطة بعد الرفع الجزئي لأمر منع النشر. وبما أن كل التهم ملفقة، والقرار بشأنها هو قرار سياسي بالدرجة الأولى، فقد كان بإمكان الشرطة، أن يكتفي بتلفيق تهمة "إعطاء معلومات للعدو"، فهي خطيرة بما فيه الكفاية، وهي تفي بالمطلوب من زيت لإذكاء نار التحريض العنصري والفاشي ضد الحركة الوطنية. لكن الشرطة والمستشار القضائي، اختارا عمداً ومع سبق الإصرار والتآمر تهمة "مساعدة العدو"، لعلمهما بأنه في حالة الإدانة ستكون العقوبة السجن لسنوات طويلة جداً، ويقول أستاذ القانون زيئيف سيغل إنه إذا ثبتت التهمة فإن العقوبة ستكون بالضرورة السجن المؤبد. مما يعني أننا أمام محاولة تصفية وليس قضية ملاحقة سياسية كالتي خبرناها في السابق. والتصفية المطلوبة إسرائيلياً هي مزدوجة سياسية وشخصية.

لقد رتبت الشرطة التهم حسب خطورتها وحجمها، وليس هناك حاجة إلى مختصين في القانون لفهم أن تهمة "المساعدة" هي أخطر التهم، فهي تقع في القانون الإسرائيلي تحت بند ما يسمى "خيانة"، وتتقزم بالمقارنة بها بقية التهم، رغم أنها ليست بسيطة بحد ذاتها. نحن نعرف تماماً أن هذه التهمة ملفقة وأن الملف برمته من أوله إلى آخره مفبرك، إلا أنه، ومن المعروف، فإن المحاكم الإسرائيلية تتعامل مع القضايا الأمنية بشكل مختلف عن غيرها، وتتأثر كثيراً بجوقات التحريض والإعلام وهستيريا العداء للعرب، خاصة حين يتعلق الموضوع بحالة حرب وبحالة فشل إسرائيلي في الحرب. وخلف هذا كله هناك الدافع الأيديولوجي لتلفيق هذا الملف، وهو ما طرحه بشارة والتجمع من تحديات أمام الدولة العبرية، والذي قررت السلطة حسم النقاش حولها في غرف التحقيق والمحاكم.

إن محاولة إلصاق هذه التهمة بالذات يدل على حجم المؤامرة التي حاكتها أجهزة الظلام الإسرائيلية بتوجيه من جهات قضائية وسياسية عليا. هذه الجهات هي تحديداً ميني مزوز، المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، الذي يرأس النيابة العامة والذي يتابع ويوجه التحقيق وتلفيق التهم أولاً بأول، وهو الذي أرسل تهديداً لبشارة بأن عليه العودة حتى تاريخ 22.4.07، وإلا فستتخذ إجراءات ضده. أما الجهة السياسية التي تتابع الملف فهو رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرط، المسؤول المباشر عن الشاباك، والذي يستلم منه التقارير ويصادق على خطواته ومشاريعه.

وكانت صحيفة "معاريف" قد نشرت، قبل أسابيع، خبراً موسعاً عن اجتماع بين أولمرط ورئيس الشاباك، يوفال ديسكين، تحددت خلاله معالم الهجمة الحالية ضد الجماهير العربية في إسرائيل، حيث جرى الاتفاق بينهما على أن ما يحدث في صفوفها هو "خطر استراتيجي بعيد المدى على إسرائيل كدولة يهودية"، وعلى أن من وظيفة الشاباك إحباط أي نشاط لتغيير طابع الدولة. وبطبيعة الحال لم يكن هناك أي تفصيل عن الخطوات التي ينوي الشاباك اتخاذها لدرء هذا الخطر المزعوم. ويبدو أن الملف السياسي بما يحويه من تهم أمنية ملفقة هو أول الغيث السام، سيكون له ما بعده من محاولات لتحقيق الهدف الاستراتيجي للسلطة وهو نزع ما تعتبره فتيل البعد القومي في العمل السياسي العربي، من خلال عملية مزدوجة قمع واحتواء. أي قمع ما لا يمكن احتواؤه واحتواء ما يقبل الاحتواء.

يبدو أن الشاباك ومن خلفه ومن فوقه ومن إلى جانبه قد اختاروا أسلوب الصدمة للشروع في هجمتهم الحالية على الحركة الوطنية، اختاروا قيادة سياسة مرموقة واختاروا إلصاق تهمة خطيرة بها. اختاروا ذلك لإحداث صدمة عند الناس وربما بعض القيادات، حتى ينشروا جواًُ من الترويع والتخويف، يسهل عليهم بقية المهمة.

ليست هناك حاجة إلى معلومات للتأكد من أن التهم ملفقة. فعزمي بشارة أبعد ما يكون عن المعلومات الأمنية، وهذا الأمر يعرفه الجميع، والمحللون العسكريون قالوا ذلك في الإعلام. إذاً، التهم تدور عن أحاديث عادية كالتي تبادلها الناس خلال الحرب، ومواقف بشارة خلال الحرب كانت منسجمة تماماً مع الموقف الذي ساد الشارع العربي حينها. لذا فهم حين يوجهون التهم لبشارة فهم يتهمون الأغلبية الساحقة من المواطنين العرب، الذين كان بشارة مثلهم: ضد المعتدي والمجرم ومع الضحية ومع المعتدى عليه. القضية بالمفهوم الإسرائيلي ليست مواقف بشارة الشخصية بل الرأي السائد في صفوف المواطنين العرب. من هنا القضية ليست خاصة بعزمي بشارة، وليس بالحركة الوطنية المنظمة بل هي قضية الجماهير العربية كلها، وهي عازمة على الرد، وقادرة، كما أثبتت ذلك في الماضي، على صد الهجمة السلطوية بوحدة صفها وحرصها على مستقبلها في وطنها.

القيادة الإسرائيلية محبطة من نتائج الحرب على لبنان، وتتخبط بكيفية التعامل مع زعزعة هيبتها وتصدع قوة الردع الإسرائيلية. لذا فهي، وبعد فشلها في لبنان وتخوفها من فتح جبهات جديدة، تستسهل صب جم غضبها على المواطنين العرب وشن حملة هستيرية ضدهم وضد قواهم الوطنية تحت شعار "الخطر الاستراتيجي"، لترميم ردعها تجاههم على الأقل.

نحن قادرون، أن نفهم السلطة، إذا لم تفهم لوحدها، أن "لحمنا مر" وأننا لسنا باللقمة السائغة التي قد يتوهمون. وإذا كان تلفيق ملف ضد بشارة هو أول خطوة في الهجمة الحالية، فإن المطلوب هو الوقوف في وجه الحملة من أولها، مع التأكيد أن المقصود هو الجماهير العربية كلها. وإذا كانوا قد اختاروا أسلوب الصدمة في البداية، على ردنا أن يكون صدمة لهم ولسياستهم العنصرية والمعادية للديمقراطية.

التعليقات