نتحداكم!../ د.جمال زحالقة

نتحداكم!../ د.جمال زحالقة

لا يمكن فهم تصريحات الشاباك، بأن الجماهير العربية الفلسطينية داخل إسرائيل هي "خطر استراتيجي بعيد المدى"، سوى كتهديد غير مبطن للمواطنين العرب كافة وتحريض على القيام بخطوات لدرء هذا الخطر المزعوم. فمن غير المعقول أن يعلن جهاز الشاباك المخابراتي أن هناك خطراً ويصفه بالاستراتيجي، ثم يقف مكتوف الأيدي دون التحرك لمواجهته بالأدوات التي يملكها، وبالأساليب القمعية المعهودة التي مارسها هذا الجهاز ضد القوى والقيادات الوطنية الفلسطينية في الداخل، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يبتكر على الدوام طرقاً جديدة في التزوير والتضليل وبث الإشاعات الكاذبة وتلفيق التهم والملفات.

منذ أيام بن غوريون تولى الشاباك ملف الجماهير العربية، وأصبح الذراع الرئيسية للسلطة في التعامل مع المواطنين العرب. ولكن جهاز المخابرات الإسرائيلية ليس مجرد ذراع، بل شريك رئيسي له سطوة في صياغة سياسة المؤسسة تجاه العرب. وتستند سياسة الشاباك، التي هي سياسة الدولة، إلى تقسيم العرب إلى ايجابيين وسلبيين، إلى حلفاء استراتيجيين ضد أبناء شعبهم في مقابل من يشكلون، بنظره، خطراً استراتيجيا يجب مواجهته.

بعد هبة أكتوبر المجيدة، وضعت المؤسسة الإسرائيلية، وفي مركزها الشاباك، خطة لترويض وتدجين الجماهير العربية وللتعامل مع المد الوطني الذي تجسد في الإصرار على التمسك بالحقوق الثابتة للمواطنين العرب وفي كسر حاجز الخوف والتعبير عن السخط والغضب على ما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. وتمحورت هذه الخطة حول الاحتواء والعقاب، من خلال العمل على احتواء ما يمكن احتواؤه من قوى سياسية ومجتمعية، ومعاقبة كل من يرفض الاندماج في سياسة الاحتواء ويصر على نهجه الوطني وتحديه لسياسة السلطة.

وتطورت في أعقاب ذلك صناعة مشاريع التعايش المزيف، وتجنيد وسائل إعلام ووشاة جدد وقدامى ضد القوى الوطنية وتلميع شخصيات مرضي عنها. في المقابل شنت السلطة وأذرعها وأبواقها، بما فيها أبواقها العربية، حملة شعواء ضد البعد الوطني في العمل السياسي العربي المحلي. في هذا الإطار جاءت محاكمة الدكتور عزمي بشارة ومحاولة منعه من الترشيح وكذلك محاولة منع قائمة التجمع من خوض الانتخابات عام 2003، والتي استندت إلى تقارير ملفقة للشاباك نشرت على الملأ. كذلك لفق الشاباك ملفات اتهام ضد قيادة الحركة الإسلامية، بعد حملة تحريض مغرضة، في محاولة مفضوحة لضرب الحركة الإسلامية، كجزء من المحاولة العامة لضرب القوى والقيادات الوطنية واعتماداً على أسلوب الملاحقة السياسية وتلفيق التهم الباطلة.

لقد أفشلت جماهيرنا وقواها الحية والشريفة محاولات ضرب القوى الوطنية، وهي بالتأكيد قادرة على التصدي للمؤامرات الجديدة التي يحيكها جهاز الظلام الإسرائيلي. ولكن السلطة وشاباكها وأبواقها ما زالوا يصرون على التمسك بسياسة ما بعد أكتوبر، لا بل إن هناك تصعيداً خطيراً في هذه السياسة في أعقاب حرب لبنان الثانية. فإسرائيل التي أخفقت في عدوانها على لبنان، مشغولة في عملية ترميم قوة ردعها، التي تصدعت وتهلهلت في المواجهة مع المقاومة اللبنانية، وهي تريد أن تستعيد ردعها، وتصب نقمتها، تجاه العرب، كل العرب، بما فيهم العرب داخل إسرائيل نفسها.

هكذا يتوكل الشباك مهمة صناعة الردع والانتقام تجاه المواطنين العرب من خلال حياكة المؤامرات وبث التهديدات وتكرار محاولات ضرب القوى والقيادات الوطنية، المتهمة هذه المرة بالمسؤولية عن الصوت العالي لجماهيرنا العربية ضد الحرب والعدوان، وعن رفض التماثل مع العدوان الإسرائيلي، حتى بعد أن تعرضت بعض القرى العربية للقصف الصاروخي من لبنان. فقد جن جنونهم لأن أهلنا اتهموا إسرائيل بالمسؤولية عن ضحايا الحرب، لأنها هي المسؤولة عن شن الحرب واستمرارها.

تهديدات الشاباك، كما نشرتها "معاريف"، وكما جاءت في الرسالة الجوابية لفصل المقال، لا تدع مجالاً للشك حول النوايا وحول عنوان هذه النوايا. فالتأكيد على ملاحقة القوى التي تتحدى الطابع اليهودي للدولة، حتى لو كان عملها ضمن القانون هو رسالة موجهة للتجمع الوطني الديمقراطي تحديداً، الذي وضع في صلب برنامجه مشروع دولة المواطنين كبديل لبنية الدولة الإثنية. على هذا الأساس نحن نرد ونقول للشاباك: "رسالتكم ردت إليكم، وهي مرفوضة جملة وتفصيلاً. رسالتكم لا تخيفنا، بل تزيدنا عزماً وإصراراً على نهجنا الوطني والديمقراطي. في سطور وبين سطور رسالتكم تهديد بالمواجهة، ونحن نقولها بوضوح أننا على قدر التحدي ومعنا شعبنا وكل الوطنيين الشرفاء، ومعنا سطوة قضيتنا العادلة. لقد عقدنا العزم على التصدي لمؤامراتكم، عقدنا العزم على التحدي. نتحداكم"!..

التعليقات