لقاء مع د. عزمي بشارة بشأن الحرب على غزة: مسارات التهدئة والتصعيد

حوار مباشر مع المفكر العربي، د. عزمي بشارة، تناول تعثر مجلس الأمن الدولي في إصدار قرار بشأن وقف إطلاق النار وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، واحتمالات وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، وملامح المستقبل غزة السياسي بعد الحرب.

لقاء مع د. عزمي بشارة بشأن الحرب على غزة: مسارات التهدئة والتصعيد

د. عزمي بشارة

حلّ المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، د. عزمي بشارة، ضيفا على شاشة تلفزيون "العربي"، في لقاء مباشر من مدينة لوسيل في قطر، تحدث خلاله عن مسارات التهدئة والتصعيد دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا في قطاع غزة الذي يتعرض لحرب إسرائيلية متواصلة منذ 79 يوما.

قال بشارة إنّ أي حديث عن تسوية أو هدن قادمة في قطاع غزة يجب أن يشمل وقف معاناة الشعب الفلسطيني، مؤكدا أن ذلك قد يتم من خلال وقف شامل لإطلاق النار أو اتفاق دولي يحظر قصف المدنيين، مرجحا أن تكون الهدن المؤقتة، في حال حصلت، بمثابة عقاب لا حلّ، لأن القصف الإسرائيلي يتضاعف في اليوم التالي من انتهاء الهدنة. وأشار إلى أن حديث المقاومة عن عدم وجود مفاوضات دون وقف إطلاق النار يفشل مسعى إسرائيل بأن تظهر مهتمة بأسراها أمام المجتمع الإسرائيلي.

حول مستقبل الحرب والقطاع

وتوقع المفكر العربي أن تدخل إسرائيل في "مستنقع" داخل قطاع غزة، لأن القيادات الإسرائيلية تخطط للاستمرار لمدة عام كامل في هذه الحرب، معتقداً أن تكون هذه بمثابة ورطة بالنسبة لها، لأن "هذه المدة لن تكفي لتحقيق أهدافها المعلنة" من جهة، مما يجعل خيار الانسحاب بمثابة هزيمة أمام المجتمع الإسرائيلي، ومن جهة أخرى "لن تسطيع تحمل عواقب البقاء أكثر من هذه المدة".

وتعقيباً على إعلان جيش الاحتلال الدخول في المرحلة المقبلة من الحرب، أعرب بشارة عن اعتقاده أن "إسرائيل لم تحقق أهدافها المعلنة، لكنها حققت أهدافا جزئية دون تحقيق الهدف الرئيسي، وهو القضاء على المقاومة"، بل على العكس من ذلك، رأى المفكر العربي أن "الاحتلال منح الفرصة لوجود المقاومة" في قطاع غزة، شارحا ذلك بأن "المقاومة (في العادة) تنهض عندمها يُستكمل الاحتلال"، وهنا "تبدأ بتنفيذ هجماتها عندما تتمركز إسرائيل (...) ويبدأ جيش الاحتلال بدفع الثمن وتلقي الخسائر".

وأوضح المفكر العربي أن المرحلة الثالثة من الحرب "ليست مجرد خيار" بالنسبة لإسرائيل، معتقدا أن الاحتلال مجبر على مثل هذه الخطوة، إذ أن "القصف الشامل أدى أهدافه بتدمير غزة، ولم تعد هناك أهداف حقيقية لقصفها"، مشيراً إلى أن القادة الإسرائيليين يطلقون على هذه المرحلة "زوراً وبهتاناً" مرحلة "العمليات الجراحية"، التي تعني تنفيذ "عمليات أكثر تحديداً"، لكن "هذا يتطلب تمركزا في وسط قطاع غزة من أجل فصل جنوب القطاع عن شماله"، كما رجح مدير المركز العربي أن تقوم إسرائيل بـ"إنشاء غلاف حوالي غزة"، مما يجعل "كل المواقع الإسرائيلية أهدافا للمقاومة".

وحول كتابات بعض المحللين الإسرائيليين عن دخول إسرائيل في "وحل غزة"، في إشارة إلى الخسائر التي يتعرض لها جيش الاحتلال، قال بشارة إنّ "هذا تعبير صحيح"، لكنه دعا في الوقت ذاته إلى عدم الانتقال من تصوير "إسرائيل من قوة لا تقهر إلى الاستخفاف بها".

لماذا تقصف إسرائيل المدنيين؟

وعند حديثه عن الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين في قطاع غزة، رأى بشارة أن الدمار الكبير في قطاع غزة لم يكن مجرد "أضرار جانبية"، خصوصا أن "المسؤليين الإسرائيليين يقولون إنهم يريدون تدمير غزة"، معتقدا أن "التدمير هو الهدف الرئيسي من الحرب"، ويربط المفكر العربي هذه الرغبة بهدف إسرائيل بـ"معاقبة الشعب الفلسطيني" من جهة، وشفاء غليل المجتمع الإسرائيلي من جهة أخرى. ويستطرد في أن إسرائيل تأمل أن يؤدي دمار غزة إلى "مرحلة خطيرة من الهجرة"، خصوصاً أن هذه الحرب أدت إلى تهجير 300 آلف عائلة حتى الآن. وأكد أيضا أن هنالك هدف آخر لتدمير القطاع، وهو رغبة إسرائيل في "تسجيل ردة فعل على قيادة المقاومة الفلسطينية من قبل الشعب".

واستكمالاً لما قاله، يجزم بشارة أن "كل الكلام الغربي عن أن اسرائيل لا تستهدف المدنيين غير صحيح (...) هذا هدف مخطط وممنهج وتدريجي وجاري تنفيذه بمثابرة"، مسلطاً الضوء على أن هذه الوحشية عند المجتمع الإسرائيلي تمت عبر "عملية ممنهجة من التعليم والإعلام والخطاب السياسي الذي يستخدم لغة عنصرية لتصوير العرب بهذا الشكل"، ومن هذا المنطلق، لا بد فهم "الإجماع الإسرائيلي على الحرب".

حل الدولتين

وعلى صعيد متصل بالتحركات والمبادرات العالمية والعربية، رأى بشارة أن المباحثات التي تجري في القاهرة بشأن مشروع سياسي مقترح، يجب أن تراعي "أماني وطموحات الشعب الفلسطيني". وفيما يتعلق بالحديث العالمي عن "حلّ الدولتين"، أكد بشارة أن الموضوع يتم الحديث فيه منذ توقيع اتفاقية أوسلو. لكن ما يجرى هو عملية تعطيل لهذه المبادرة، إذ "يوجد مفاوضات دون قاعدة متفق عليها"، حيث ترفض إسرائيل حل الدولتين فيما تتبناه أطراف أميركية وفلسطينية، وهذا ما يجعل "المفاوضات بلا نهاية"، لأن الأطراف "لا تتفاوض لتصل إلى اتفاق، بل إنها تتفاوض عندما تتوصل إلى اتفاق، لكن إسرائل مستعدة أن تقبل الدولة كتسمية فقط، وهو ما أفرغ المفاوضات من محتواها".

وفي نهاية حديثه عن هذا هذا الملف، أشار بشارة إلى الموقف الغربي من "حل الدولتين"، قائلاً إنّهم "يشددون على حل الدولتين ويرفضون دولة فلسطينية ذات سيادة وجيش وسيطرة على الحدود (...) بايدن والأوروبيون يتحدثون عن الدولتين وما يطبق على الأرض هو نظام أبرتهايد (فصل عنصري)"، مشيرا إلى أن إسرائيل لا تتحدث عن حل دولتين، بل يتحدث بعض السياسيون من أحزاب المعارضة، على غرار بيني غانتس،عن كيانين، فيما يتحدث آخرون عن فصل الفلسطينيين.

وردا على سؤال حول إمكانية أن تستغل الأطراف العربية ما حدث في غزة في الضغط على واشنطن من أجل السعي بشكل جدي نحو "حل الدولتين"، أكد بشارة أن "الدول العربية، في حال كانت صادقة في مساعيها، يمكن أن تستغل هذا من أجل طرح مبادرة سلام عربية"، لكنه وضح أن "أي تنازل عن ذلك هو تطبيع مجاني يقوي اليمين الإسرائيلي". أما فلسطينياً فقد رأى المفكر العربي أنه "لا يجب أن يتدخل العرب في شكل حكم القطاع بعد انتهاء الحرب، لأن الحديث الآن عن ترتيب الأمور بعد انتهاء الحرب هو تواطؤ"، مستدركاً: "طبعاً يمكن أن تساعد الدول العربية الفلسطينيين فيما بينهم، لكن ليس من خلال التساوق مع إسرائيل وأميركا في كيفية إراحة إسرائيل من قطاع غزة".

وبشأن قرار مجلس الأمن الأخير، وصفه المفكر العربي بأنه "بلا لون ولا طعم ولا رائحة.. القرار من نوع حركة بلا بركة. القرار لا يوجد فيه شيء يمكن أن يغير واقع الحياة في غزة"، مشيرا إلى انه "غير ملزم للاحتلال".

وفي مؤشر على هزالة القرار، استشهد بشارة بتعليق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الذي تحدث عن أن أي قرار بدون وقف إطلاق النار "بلا قيمة". كما استحضر "سخرية" إسرائيل من قرار مجلس الأمن، الذي وصفته بأنه "يعيش في عالم آخر".

التعليقات