الناصرة والعادات الاستهلاكية: "المجمعات الكبيرة ذبحت الكل"

الناصرة والعادات الاستهلاكية: "المجمعات الكبيرة ذبحت الكل"

قد يكونُ سؤالنا 'ما هي حال البلدة القديمة النّاصرة في رمضان؟' تفكيرًا نوستالجيًا، ولكنه ليس كذلك حين يكونُ هو عصب النّاصرة الحقيقيّ، ليس فقط التجاريّ، بل بأجوائهِ المختلفة التي امتدت ذاتها إلى شوارع الناصرة الرئيسيّة والثانويّة، لتشهدَ ركودًا اقتصاديًا، بينما بالمقابل، تزدادُ العادات الاستهلاكيّة والتجاريّة لدى سكان الناصرة، ليتحول السؤال 'أين يمارس أهل الناصرة عاداتهم الشرائيّة الاستهلاكيّة في رمضان، إن لم يكن في الناصرة؟'.

هذا ما حدث

في مقابلة مع العطار، نجم محروم النابلسي، أشاد بروعة تقاليد شهر رمضان الفضيل وأجوائه الممتعة، ولكنّ المشاكل الحياتيّة والماديّة والظروف المعيشيّة تنغّصُ جوّ هذا الشهر الكريم، خاصةً بعد أن سيطر فاحشو الثراء على المحال التجاريّة الصغيرة والبسيطة، فانتقل الناس من الشراء من النّاصرة إلى خارجها، معبّرًا: 'المجمعات الكبيرة ذبحت الكل'.

العادات الشرائيّة تبدل حالها في رمضان، إذ أصبح الأفراد أكثر استهلاكًا عمّا مضى، يشترون ما يحتاجون وما لا يحتاجون، ومنهم أهالي النّاصرة الذين تغيّرت عادات استهلاكهم واقتصادهم وتجارتهم، ويعزو النابلسي السبب إلى أنّ 'المجمعات التجاريّة الكبرى تحتوي على مغريات كبيرة، خاصةً أن شهر رمضان هو شهر تكثر فيه جلسات المأكل والمشرب'.

وتابع: 'هذا أثّر بنا نحن التجار الصغار، لنعاني من ضائقة تجاريّة، أما المجمعات الكبيرة فهي ممتلئة بالأعمال المكدسة التي لا تنتهي والأموال الطائلة التي اكتظت بسكان مدينة الناصرة بينما متاجرنا فارغة، فحتى البقوليات والبهارات الاساسيّة للمنزل تراجع الطلب عليها أضعاف الأضعاف، فما بقي لنا من زبائن اليوم هم كبار السنّ أما ابنائهم وأحفادهم فيذهبون إلى المجمعات التجاريّة الكبرى، وبهذا خسرنا زبائنًا كثر'.

العامل في مخبز بالبلدة القديمة بالناصرة، جهاد ارسلان، لخّص لعرب 48 أنّ الحركة التجاريّة ليست كما يجب أن تكون في هذا الشهر، فهي تسير من سيّء إلى أسوأ، فحتى البهجة والسرور نزحت عن البلدة القديمة، فما يجلب الأجواء الجميلة والبهجة هي الناس، ومع هجرة الناس للبلدة القديمة تلاشت آثار البهجة والحركة التجارية والمجتمعيّة المنتعشة في رمضان.

وعدّد رسلان، الأسباب التي دفعت الناس إلى هجران السوق القديم، أولها المجمعات التجارية الكبيرة التي تحتوي على تصميم معماري حديث يتيح وجود مصفّ سيارات، وهذا بعكس البلدة القديمة والناصرة، التي تفتقد لمساحات لركن السيارات، ثانيًا، أنّ بعض التجار يرفعون الاسعار كما يشاؤون ولا يدركون أنّهم بهذه الطريقة يؤثرون على البلدة كاملةً، أما ثالثًا، فالمحلات التجارية مغلقة والبلديّة لا تساعد التجار بفتح محال تجاريّة في البلدة القديمة فلا تقوم بتخفيض ضريبة 'الأرنونا'.

وبهذا لجأ الناس إلى المجمعات التجاريّة خارج الناصرة، مثل نتسيرت عيليت للشراء، وهذه الحالة ليست سارية فقط على البلدة القديمة، بل الناصرة ككل، قال رسلان مختتمًا حديثه

العادات الاستهلاكيّة... على كبير

من الواضح جليًا أنّ العادات الاستهلاكيّة في رمضان باتت تأخذ منحى الإفراط إلى حدّ التبذير لدى كثير من العائلات والأفراد في الناصرة،  ولكن لا ينعكسُ هذا الافراط على المبيعات والمستوى الاقتصاديّ والتجاريّ التي تعيشه المدينة، بل على العكس، تتدهور من سيء إلى أسوأ، ما يعني أنّ المستفيد هو جهة خارجيّة، في الغالب تكون المجمعات الكبرى في نتسيرت عيليت أو سواها، بصرف النظر عن سلبيّات هذا الاستهلاك.

وبهذا الصدد أكّد صاحب المحل التجاريّ للمواد الغذائيّة الأساسيّة، عطا حامد، شحّ الحركة التجاريّة والأجواء غير المزدهرة، فسألته ما إذ كان السبب وراء هذه الحركة التجاريّة الضعيفة الوضع الاقتصاديّ المتدهور في الناصرة، ولهذا لا يشترون؟' فأجاب بلكنته: 'لأ فش حدا معوش مصاري، الكل معه مصاري بس الناس بتدور وين رخيص' مستطردًا أنّ هناك استهلاكا كبيرا للغذاء خاصةً في شهر رمضان، ولكن الناس لا تشتري إلا من المجمعات التجاريّة الكبرى، أما من الناصرة والبلدة القديمة فلا، والسبب يعود إلى السلع الرخيصة في تلك المجمعات، وهي اسعار زهيدة يبحث عنها الجميع.

ولكن، على عكس هذا المشهد، رأى تاجر الفاكهة، وحيد موعد، المتوسطة بسطته بين الشارع الرئيسيّ في مدينة الناصرة ومدخل البلدة القديمة،  أنّ الحركة التجاريّة 'مش بطّالة' على حد تعبيره وقد تغيّرت الحركة التجاريّة إلى الأفضل قليلًا ولكنها لم ترتقي إلى ما يجب أن ترتقي له، ولكن الأجواء عامّة جميلة، فهو شهر الخير والبركة.

'الأوضاع جدًا صعبة، فكرنا رمضان يكون أهون ولكن وضعنا للأسوأ، ما حدا بفوت على المحل، مش عارفين شو بدنا نعمل' هذا ما قالته صاحبة متجر للملابس، عطاف محروم بعدما جلست تبيع القطائف أمام متجرها، فالقطائف تُباع بشكل أفضل من الملابس في رمضان.

محروم ليست وحيدة في تساؤلها، فالعشرات من تجّار مدينة الناصرة ينتظرون أرزاقًا لا يعلمون كيف تأتي، إلا أنّها بيد أهلها.











التعليقات