18/03/2022 - 18:50

بحث جمعية "بلدنا" حول الجريمة في المجتمع العربي: 9 سنوات من الدم

عقد في مدينة الناصرة، مؤتمر جمعية الشباب العرب - "بلدنا"، لإشهار بحث "العنف والجريمة لدى الشباب في الداخل الفلسطيني - عوامل وسياقات"، اليوم الجمعة.

بحث جمعية

من المؤتمر بالناصرة، اليوم (عرب 48)

عقد في مدينة الناصرة، مؤتمر جمعية الشباب العرب - "بلدنا"، لإشهار بحث "العنف والجريمة لدى الشباب في الداخل الفلسطيني - عوامل وسياقات"، اليوم الجمعة.

واستعرض البحث العنف والجريمة في المجتمع العربي، في السنوات التسع الأخيرة، وتناول أعمال العنف في بلدات عكا والناصرة وأم الفحم الطيبة ويافا، على سبيل المثال.

وافتتح عريف المؤتمر، خليل غرة، البرنامج بالحديث عن جمعية "بلدنا" التي تأسست عام 2001 بهدف مقارعة الرواية الإسرائيلية، وكنقيض للسياسات الهادفة إلى سلب الهوية الفلسطينية للعرب في الداخل، وبناء جيل وطني قادر أن يتطلع إلى مستقبل مشرق. وقال غرة إن "الدافع وراء إجراء البحث هو استفحال العنف بين مختلف الأجيال في المجتمع العربي، رافقه انتشار الأسلحة وجرائم قتل راح ضحيتها المئات من الشبان معظمهم دون سن الـ35 عاما".

وتحدثت عضو طاقم البحث، د. حنين مجادلة، عن منهجية البحث الذي شمل 67 مقابلة مطولة مع أشخاص في دائرة العنف والجريمة، وعائلات ثكالى، مهنيين متخصصين، نشطاء اجتماعيين وتربويين، وأشخاص لهم علاقة مباشرة مع عالم الجريمة كوجهاء لجان الصلح وغيرهم. وتجدر الإشارة إلى أن البحث جرى بالتعاون مع جامعة "كوفنتري" الإنجليزية، وممثلها المحاضر د. مروان درويش الذي شارك في المؤتمر.

وتطرقت مجادلة إلى الصعوبات التي اعترضت طريق البحث وحالة التردد من أين تكون البداية، والمتاعب التي واجهها أعضاء لجنة البحث سواء في لقاء الشباب الجانحين أو عائلات الضحايا ومدى تأثير هذه المقابلات عليهم، وعليها بشكل شخصي معتبرة تلك الأيام بأنها الأكثر إيلاما في حياتها.

من جانبه تحدث عضو طاقم البحث، وئام بلعوم، عن ملامح الكتاب الذي يقع في 250 صفحة، مشيرا إلى أن منهجية البحث جاءت من الحقل والميدان. وتطرق إلى علاقة العنف الفردي بالعنف البنيوي والسياسات الممنهجة التي تمارس ضد الأقلية العربية.

وأكد بلعوم أن "هذه الآفات المجتمعية قطعا جاءت بسبب المستعمر الذي يمارس سياسة واضحة وعلنية لتفكيك وتفتيت مجتمع الأقلية، ولكن بالمقابل على المجتمع العربي أن ينظر إلى نفسه في المرآة إذ لا ينبغي أن تكون هذه الفئة السكانية مجرّد انعكاس للآخر وإنما هناك مسؤولية فردية ومؤسساتية غائبة كليا عن المشهد". مضيفا أن "البحث يحاول أن يحلل التحوّل الذي طرأ على المجتمع العربي في الـ70 سنة الأخيرة على المحورين الزماني والمكاني والتي جعلت المجتمع الفلسطيني في الداخل يتبوأ مكان الصدارة كأكثر الشعوب العربية عنفا وإجراما فيما لو قورن بالبلدان العربية الأخرى والضفة الغربية وغزة".

وأفرد البحث العديد من صفحاته في التحدث عن "مكانة" الشخص العنيف في المجتمع وجعله مقبولا على الجميع، بحيث أصبح يجلس في المقدمة في المناسبات الاجتماعية وحتى السياسية، والجانب المادي الذي جعل من هؤلاء الأشخاص قدوة للشباب وعامل انجذاب لهم، مقابل سياسة التضييق والإفقار التي تمارسها الحكومة والتي رفعت نسبة الفقر لدى العرب بين السنوات 1990–2015 من 35% إلى أكثر من 50%.

وتحدث في الجلسة الأولى للمؤتمر عضو طاقم البحث، خالد السيد، الذي سلط الضوء على أن العنف يولد عنفا، وانعدام الأمن والأمان نتيجة طغيان العنف والظروف المحيطة بالفرد في المجتمع العربي، مشيرا إلى الرصاص الطائش الذي قد يقتل الأبرياء في كل زمان ومكان.

وقال إن "بداية البحث كانت في العام 2019 حين نشرت وسائل الإعلام خبرا يفيد بأن عدد الإصابات التي وصلت إلى مستشفيات البلاد بسبب العنف بلغت 15 ألف إصابة في تلك السنة، لتتفاقم الظاهرة في السنتين الأخيرتين ويتجاوز عدد الضحايا في العام 2021 حاجز المئة قتيل في جرائم العنف".

وتطرق السيد في مداخلته إلى سباق التسلح بين العائلات العربية، مستعرضا بعض النماذج التي تعكس عقلية الشباب في ضرورة الاستعداد والجهوزية لكل طارئ، بمعنى اقتناء السلاح لـ"وقت العازة" ولـ"اليوم الأسود" على حد تعبيرهم.

وفي الجلسة الثانية التي أدارتها الإعلامية شيرين يونس، شاركت النائبة السابقة عن التجمع الوطني الديمقراطي، حنين زعبي، د. مروان درويش المحاضر في جامعة "كوفنتري" الإنجليزية، د. وليد حداد المتخصص في علم الإجرام، المحامي رضا جابر مدير مركز "أمان" وفطين عودة مدير مراكز للشبيبة في مدينة عكا.

وأشادت حنين زعبي بالدور الذي تقوم به جمعية "بلدنا" للحفاظ على الهوية، معربة عن دهشتها من التقرير، وعملية تقصي الحقائق الجديرة بالتقدير، وقالت إنه يستحق الجهد الذي استمر ثلاث سنوات. وبيّنت أن "الجريمة دخلت في هيكل المجتمع العربي وطالت كل تفاصيله وحيثياته، وأن الأبرياء هم أيضا منخرطون في العنف كونهم يمنحونه شرعية بالصمت والتغاضي وربما يعود عليهم بالفائدة. وأن الجميع ضعفاء أمام جبروت وقوة العنف سواء المجتمع أو القيادات أو الأحزاب أو الدين".

وتطرقت إلى موضوع المكانة التي يحظى بها العنيف في المجتمع، هذه المكانة التي يلجأ إليها الشباب كتعبير عن انتقامهم من "العالم الظالم"، ويجعلهم يتخذون منحى ومسارا مختلفا والانخراط في عالم الجريمة.

وقارنت زعبي بين نسبة الجريمة في المجتمع الفلسطيني في مناطق الـ48 والمجتمع الفلسطيني في غزة كمثال، ففي غزة يبلغ معدل الجريمة 1 لكل 100 ألف مواطن، وفي المجتمع الفلسطيني 9 لكل 100 ألف مواطن، وأن المجتمع العربي يقترب من معدل الجريمة في هندوراس وأميركا اللاتينية.

أما د. مروان درويش فأعرب عن فخره بالعمل مع طاقم البحث الذي وصفه بالنموذج القيادي المفتوح والعقل المفكر والناقد، مشيرا إلى أن النقص الوحيد في هذا البحث هو أنه لا يشمل النقب وهو قطاع سكاني واسع من مركبات المجتمع الفلسطيني في الداخل.

وتحدث درويش عن السمات المشتركة للعنف والتحول الذي طرأ على العائلات المهمّشة من غير الملّاكين، وتحوّل هذه العائلات تدريجيا إلى العنف والإجرام كنوع من صراع البقاء، قائلا إن تهميشهم هو ما دفعهم إلى الإجرام، لافتا إلى أن 75% من الشباب في المجتمع العربي لا يجمعهم أي إطار اجتماعي أو ثقافي.

أما د. وليد حداد فقد انتقد جانبا في البحث ألا وهو الأسماء المستعارة وقال إنها تضعف البحث، كما اختار الحديث عن منظمات إجرام وليست عائلات إجرامية. وحذر من تبني خطاب الدولة بأن المجتمع العربي عنيف، مشيرا إلى أن مظاهر العنف كانت ولا زالت موجودة في المجتمع العربي لكن الذي ميزها في السنوات الأخيرة انتشار السلاح وجرائم القتل التي جعلت الإنسان يفكر بالهجرة عن وطنه.

ودعا حداد إلى إقامة لجنة تحقيق لفحص تقاعس الشرطة، وعدم استخدام التقنيات المتطوّرة في محاربة عصابات الإجرام، لافتا إلى أن الشرطة كانت على علم بعمليات تصفية وقتل قبل وقوعها ولم تحاول منعها. كما دعا إلى ضرورة تعامل الشرطة مع حملة السلاح غير المرخص على أنه جريمة أمنية وخطر أمني، وليس مجرد مخالفة جنائية.

واعتبر رضا جابر البحث أنه طلائعي واستثنائي، ومساهمة فعالة في اختراق الجدار الذي يفصل بين المواطن العادي وعالم الإجرام ويخوض في كل جزئياته بشكل عميق. وقال إن البحث يفكك ويعيد تركيب السياق السياسي والاجتماعي والجنائي بشكل شامل ويخوض بالتفاصيل. مضيفا أن "المثلب الوحيد في البحث يكمن في البعد السياسي والشعور بأننا ضحية وأن سياسة الدولة تريد لنا أن نكون عنيفين بغياب المسؤولية الفردية".

وأخيرا تحدث فطين عودة، عن النقص في الأطر الميدانية التي تهدف إلى إخراج الشباب من دوامة العنف، مشيرا إلى وجود سبعة مراكز من هذا النوع في عكا، ويعمل في هذه المراكز 25 موظفا يتقاضون أجرا من البلدية. وقال "لن نخرج من دائرة العنف في السنوات القريبة ولن نستطيع محاربة الإجرام إلا بتنمية وتنشئة جيل جديد بعيد عن العنف".

التعليقات