15/07/2014 - 13:56

"تدوين": من هُنا... قد مرّوا

في مكان ما، هنا في الأسفل، مفرق كبير، يُقال أنه شهد معركة حيفا الأخيرة وهنا طُعنت ونزفت، كان دمها ما يزال ينزف بقوة، فالجرح كبير وجديد. أما من أمام هذا المفرق، يُقال أنها منطقة قد أطلق عليها الحيفاويين اسم "بوابة البحر"، أو كما وددت أن أُسميها "جرح حيفا النازف"، من هذا الجرح خرجوا على الأقدام.

رازي نابلسي

من هُنا مرّوا، حاولت مِراراً وتكراراً، أن اتصوّر منظر بوابة البحر، المنظر الرئيسيّ من العام ١٩٤٨، كل محاولاتي بائت بالفشل يا أيها الأعزاء، الساعة الآن السادسة والنصف صباحاً في وادي الصليب- حيفا.

حيفا، هذه المدينة التي طالما كرهتها، لعنتها وشتمت تلك الساعة اللعينة التي بها دخلتها، عشقتها في هذا الصباح، تبدو وللمرة الأولى كعروس قد طُعنت ليلة زفافها، على شاطئ البحر ما زالت تنزف حتى يومنا هذا.

من هنا، الصورة مختلفة، بل وواضحة، تُذكّرني بشوارع القدس وحضاراتها التي لا تُعدّ ولا تُحصى، هنا يا رفاقي في كل بقاع الأرض، مركز حيفا ما قبل النكبة، من على يساري كانت تقطن عائلة الأمين، ومن على يميني قطنت عائلة جرّار وبجانبيّ عاشوا بيت كنفاني. أمّا أنا، في هذه اللحظة أقف على درج عمّان.

في مكان ما، هنا في الأسفل، مفرق كبير، يُقال أنه شهد معركة حيفا الأخيرة وهنا طُعنت ونزفت، كان دمها ما يزال ينزف بقوة، فالجرح كبير وجديد. أما من أمام هذا المفرق، يُقال أنها منطقة قد أطلق عليها الحيفاويين اسم "بوابة البحر"، أو كما وددت أن أُسميها "جرح حيفا النازف"، من هذا الجرح خرجوا على الأقدام.

ما زلت يا أعزائي أفشل مرة أخرى في رسم "جرح حيفا النازف" في مخيّلتي، لا أستطيع أن أصف لكم بوابة البحر.

ولكن، ما عليكم فأنا أستطيع أن أصف لكم جيداً بوابة البحر حين ستُفتح من البحر، حين تُرفش بقدم لاجئ عائد سيبوِّل على وجوه المُستعمرين، هذا ما قد أمتاز في وصفه أيها الأعزاء، فهو لا يُفارق مخيِّلتي، سأحاول أن أنهض يومياً في ساعات الفجر لأنتظر، لعلها تُفتح من جديد، سفن تتدّفق على هذا الجرح لتُضّمده، هذا الجرح مفتوح طالما خلاياه تسكن المخيمّات، وإن لم أرى سفن في صباحي هذا، فلقد رأيت قطرة ماء في البحر، قالت بأنها أتت من غزة. ولعل هذا ما يجعل من كل صباح في غاية الإمتياز.

من هُنا مرّوا، سيمرون مرة أخرى، على طريق عودتهم.
ولعلّ بحوزة أحدهم مفتاح منزليّ هذا، سأتركه، بعدما أقوم بتنظيفه على أفضل وجه ليتسلّمه أصحاب الأمانة. 

التعليقات