17/12/2014 - 23:47

في البحث عن ما فقدناه

​أشهر عديدة، لم أكتب حرفاً في هذه المدونة، وفي العودة إليها بعد هذه المدة الطويلة دلائل كثيرة، فهي مثليّ أنا، ثابت وحيد يبقى موجوداً، هي بعكس كل من حوليّ حتى أنا، أكثر الأشياء صدقاً.

في البحث عن ما فقدناه

أشهر عديدة، لم أكتب حرفاً في هذه المدونة، وفي العودة إليها بعد هذه المدة الطويلة دلائل كثيرة،  فهي مثليّ أنا، ثابت وحيد يبقى موجوداً، هي بعكس كل من حوليّ حتى أنا، أكثر الأشياء صدقاً.

جميع ما كُتب في الفقرة الأولى، لا يمت لما كان من شأنه أن يكون سبب فتح هذه المدونة بصلة، بل إنه مجرّد أمور اعتدت كتابتها في المدونة، أكتبها مع فتح هذه المدونة بشكل غريب، ولا أعلم لما أستمر في الكتابة بهذه الروح، لعل المدونة مرحلة اخترت اجتيازها.

حقيقة، إسرائيل هي سبب فتحي لهذه المدونة مرة أخرى، فما سأكتبه عن صراعيّ الشخصي الآن مع إسرائيل لا يعتمد وثائق ولا دلالات ولا محلّلين، وأيضاً لا يمكن أن يخضع لقوانين التحرير الصحافيّ، وهو عاطفيّ بامتياز وصريح بامتياز وعقلانيّ أيضاً بامتياز.

حسناً، ما أفقدتني إياه إسرائيل، ليس التواصل مع ثقافتنا العربية، ولا أن نحيا بلا تمييز، وليس الجدار، وليس كل ما يتم تداوله كالسلعات من على المنابر الدولية، إنه ليس بارجة عسكرية إحتلالية في ميناء حيفا، وليس جنديّ يفصل بيني وأصدقائي في الضفة الغربية، بالإضافة إلى أنه ليس كل ما أقوم بهتافه كالعبيط في مظاهراتنا وكل ما يحيط بها في حياتنا كفلسطينييين.

هذا كله من الممكن أن يكون السبب المعلن لحربي الشعواء مع هذا الاحتلال، إلّا أن المشكلة الأساسية، مع هذا الكيان، هي شخصية بامتياز، فعشقي للحياة التي لم تسمح لي الفرصة بأن أحياها هو سر هذا العداء غير القابل لقوانين الغفران أو التسامح أو المساواة.

يقول ابراهيم نصرالله، في كتابه 'قناديل ملك الجليل'، إن 'أهالي طبريا، وبعد مرور ٥ أيام من الحصار، نسو كيف كانت حياتهم قبل الحصار'، وهذا يا أعزائي، ما أود الحديث عنه هنا، فنحن ولدنا تحت هذا الحصار، ومن منّا يعلم ما تكون الحرية، أو كيف من الممكن أن تكون حياتنا خارج هذا الحصار، أو وللصراحة والدقة، ماذا سنكون نحن، وما هي الحياة الطبيعية. نعم، إنها الحياة الطبيعية التي لا نعلم ملامحها في أدق التفاصيل كالبحر والقهوة والجبل.

سأسمح لذاتي، أن أقول إن مشكلتي ليست في تجريم زيارتي لبيروت، على سبيل المثال، وماذا بزيارتي لبيروت إن كنت سأجلس اليوم بطوله أحسب ما تعني بيروت ليس لكونها بيروت، بل لكونها هذا البلد الممنوع عني.

البحر والجبل، هذا الجمال الممزوج بين جبال الكرمل وشواطئها، وأنا لست محروماً منه، ولكنني وللأسف، محروم بالتفكير فيه، فمن منكم لم يجلس قبالة البحر يفكّر في العودة واللاجئين وبارجات الاحتلال، ومن منكم لم يجلس قبالة البحر ويفكّر بقطرة الماء التي يمكنها ملامسة التراب في غزة بينما هو لا، ما حرمت منه ليس المنظر ولا الحياة، بل المتعة من كل هذا الملعون جماله. لقائي بالأحبة ليس مستحيلاً فالإستعداد عندي لدفع هذا الثمن موجود، بل ما أطمح إليه هو لقاء الأحبة وأن تدور الأحاديث عن حياة طبيعية من الممكن أن نحياها نحن، حياة طبيعية.

حياة طبيعية، لا أعلم ما تعني هذه الكلمة التي لا أدري ما تكون في الواقع الماديّ، لا أعلم ما شعور الإنسان حين يدخل متجراً، فأنا والكثيرين منّا نفكّر بأصل المنتوج، وهل كان هذا المنتوج إسرائيلي وصنع في مستوطنة ما، والتفاح مسروق الإنتاج. حياة طبيعية، تكون بأن استمع لموسيقى بلا أن أبحث في الويكيبيديا عن أصلها وما تعنيه لي كحامل لقضية، نص أدبيّ أقيّمه بحسب أدبيته وليس موقفه السياسيّ.

أتعلمون، إنها لربما فلسفة ما بعد الأخلاق، وشغفي لبحثها الممنوع عني بدون الربط مع هذا الاستعمار، أن تفكّر كإنسان طبيعيّ لا أدري ما ملامح تفكيره وحياته. أن يكون لي الحق بأن أحتج، أحتج على غلاء المعيشة والفقر، وأن اقوى يوماً على الحياة. أكتب كل ما كُتب أعلاه، ونسيت أن أعلمكم بأن صباحيّ يبدأ بتصفّح الصحف العبرية والعربية، لأعلم ما يكتبه العدو والصديق، ولو لم تكن إسرائيل، لحرقتها جميعاً بلا استثناء.

الآن، لا بد من قول السطر الأخير، وهو أن مشكلتيّ مع هذا الكيان لا تسكن في المادّة، بل هي حية في النضال لأجل حياة لا نعلم ما تكون وما سرّها، بل لا نستطيع إقحامها في مخيّلتنا، فنحن ولدنا في حال غير طبيعي أصبح طبيعياً بحكم الزمن ومرور الأيام. وبأن لكل منّا مشكلة شخصية مخبأة خلف جدار لم يرى ما بعده قط.

لهذا، لن ينتهي هذا الصراع إلّا، حين نفتح ما تبقّى من نظر داخل قلوبنا على عالم حرمنا منه ونسيناه، والأدهى أننا لم ننساها فقط، بل لم نراه حتى، هو العالم الطبيعي الذي يستحق الموت لأجله.

إن المستعمر، إن تحمّل أو لم يتحمّل، وهذا ليس بالأمر المهم بالنسبة لي، سيدفع ثمن كل لحظة، قضيناها خارج الإنسان. نهاية، وليس آخراً، إسرائيل هي سبب وجود هذه المدونة أيضاً.

التعليقات