17/03/2012 - 19:50

عمارتنا/ ماري شليوط

انتهت المحاضرة لكن غضبي على الوقاحة لم تنتهِ، غضبي على السياسة المدروسة لطمس هويتنا العربية الفلسطينية وسرقة عمارتنا التي هي جزء مركزي من حياتنا وكياننا، لن ينتهي، أما أسفي على الطلاب العرب الذين شاركوني المحاضرة وخرجوا منها مثلما دخلوها، فقد بدأ يحركني نحو فعلٍ مُغيِّر جديد يريد بحرقة المنتمين الواعين لوقف تشويه وهدم العمارة العربية الموجودة أمام أعيننا بكل قرية ومدينة، لنعيد الاعتبار لها.

عمارتنا/ ماري شليوط

- ماري شليوط -

بعد أن انهيت محاضرة " تفاصيل البناء"، في أول أيام الفصل الدراسي الرابع في الهندسة المعمارية بكلية الهندسيين بمعهد التخنيون، ذهبت مسرعة لمحاضرة أخرى لقّبها طلاب السنة التي تسبقني ب"محاضرة تاريخ" ورسموا على وجوههم علامات استفهام لم أفهمها حتى تلك للحظة. أسرعت للمحاضَرة لأنني أعرف المحاضِرة وسلوكها مع الطلاب وبذات "العرب"، أردت أن أصل قبل الوقت كي أعفي نفسي من سماع تعليقها التافه للمتأخرين ونظرات الاستهزاء خاصتها.
 
مثل البنت الشاطرة، جلست في الصف الأول، فبدأت المحاضِرة بالشرح عن موضوع المحاضَرة بعد مرور ساعة وربع، فكان عنوان الشريحة الإكترونية من عرض الشرائح: "تاريخ العمارة الاسرائيلية في القدس منذ سنة 1905" وتحت العنوان وصورة لمبنى مزخرف"، فتطايرت الأسئلة الغاضبة في رأسي: "وقاحة؟ استهبال؟ ولا تزوير تاريخ ؟ لا شو؟".
 
نظرت إلى البناية العربيّة الفلسطينيّة المعلقة صورة جامدة على شاشة عرض الشرائح، والأسئلة تتردّد فيّ وتخرجني عن طوري: "من وينتا كانت هاي البناية تابعة للعمارة الإسرائيلية؟ ولا لثقافتهن؟"، أما قمة الاستفزاز فقد وصلت إليها عندما بدأت تتغزل بالعقد وبالشبابيك المقوسة وبالمواد التي صنعت منها العمارة، سألت نفسي والقهر يخنقني: "ليش لازم اتعلم ثقافة عمارتي باسمهن؟ كيف ممكن الطلاب العرب "الجاهلين" الموجودين معي بالمحاضرة يصدقوا إنه هاي عمارتنا بعد هاي المحاضرة؟".
 
علا الصراخ في داخلي وصرت أرجف من قسوة وقاحة السارقين، أجلس كاظمة غيظي ومن وراء صمتي صرخات غاضبة:  اسكتي عاد وحاجة تكذبي، ولك هاي عمارتي وهاي ثقافتي، ولك هاي تفاصيلها...هاد عقدي وهاد شباكي...ستي وسيدي عاشو بهيك بيوت.. هاي البيوت موجودة بآخر الطلعة بحارتي وبشوفها كل يوم، عندك منها بحارتك؟ الي بنى هاد البيت ممكن يكون من قرية مهجرة وإسا موجود معتّر بمخيم شاتيلا ولا بعين الحلوة ولا باليرموك ولا بحطين! ولك انت الي بتلدغي بنص أحرف العالم وابصر من اي بلد جيتي جاي تعلميني عن عمارتي العربية وتدعي انها عمارتك؟ وتشرحي عنها وتشوهي تاريخي؟ ولك عرق الشغيلة الي بنوه بعده بالبيت طول مهو مُستوطَن مش راح ينشف...مش راح ينشف".
 
انتهت المحاضرة لكن غضبي على الوقاحة لم تنتهِ، غضبي على السياسة المدروسة لطمس هويتنا العربية الفلسطينية وسرقة عمارتنا التي هي جزء مركزي من حياتنا وكياننا، لن ينتهي، أما أسفي على الطلاب العرب الذين شاركوني المحاضرة وخرجوا منها مثلما دخلوها، فقد بدأ يحركني نحو فعلٍ مُغيِّر جديد يريد بحرقة المنتمين الواعين لوقف تشويه وهدم العمارة العربية الموجودة أمام أعيننا بكل قرية ومدينة، لنعيد الاعتبار لها. 

التعليقات