31/01/2014 - 11:55

الطالب العربي محاط بالعبرية../ حلا مرشود

أية وجهات نظر؟! كيف يتم تحجيم وتقزيم خمسة وستين عامًا من مناهضة الاحتلال والقمع بكافة الأشكال إلى مجرد "وجهة نظر"؟ وكيف يتم التعامل مع تفوهات عنصرية وفاشية على أنها "وجهة نظر"؟! وتمنع النقاش كي تحافظ على الجو "الأكاديمي" و"العلمي" و"البحثي" للجامعة العبرية

الطالب العربي محاط بالعبرية../ حلا مرشود

حلا مرشود

حين تدخل أروقة الجامعات الإسرائيلية يمكنك أن ترى صور الرموز الاستعمارية الصهيوينة معلقة على الحيطان، بالإضافة إلى مضامين أخرى لا تمت بصلة إلى الطالب العربي الفلسطيني. عند دخولك أكثر إلى العمق، إلى داخل صفوف التدريس تبدأ بفهم العلاقة بين المُستَعمِر والمُستَعمر عن قرب. لا شك أن الجامعات الإسرائيلية جامعات عنصرية تمامًا كباقي المؤسسات الإسرائيلية، ولا يغيب عن أحد ممارساتها القمعية، وأكبر مثال على ذلك هو تجميد نشاط التجمع الطلابي الديموقراطي في الجامعة العبرية. لكن هنالك حلبة أخرى من البحث من الجدير جدًا التعمق بها، وهي بحث المضامين التي تُدَرَس في الجامعات وكيف تُدَرَس، وسياسات الجامعة المتعلقة بذلك، بالإضافة إلى المنهاج التعليمي الذي يخلو من الدراسات العربية (ترى مقالا واحدا لكاتب وباحث عربي على الأكثر). إن استعلائية المُستَعمِر لا بد أن تظهر خلال الدروس.

يشكل مساق التربية أكثر المواضيع المهمشة التي لا يبالي بها أحد، وهذه حقيقة باتت معروفة ومحسوسة حتى على أبسط الأصعدة. لكنك متى ما دخلت إلى أحد الدروس لرأيت كيف يتم التعامل مع الآخر "الضعيف". إذ أنك تتجرد حتى من إنسانيتك، ناهيك عن تهميش واقعك السياسي، وهم يحاولون دراستك عن كثب. أنت تصبح موضوع بحث اجتماعي، ويدخل ضمن الحوار العلاجي ليس أكثر.

من الطبيعي جدًا أن "تشرئب" أذناك كلما سمعتهم يتحدثون عن مواضيع تخصك. وتدخل فورًا في وضعية الدفاع عن النفس لأنك مدرك، وبحق، أنه لا بد للمحاضر\ة أو أحد الطلاب أن يقول شيئًا سيستفزك، وتصبح أنت بعدها محط أنظار الجميع أينما رحت، وأنك قد تخمن بسهولة ما يمكن أن يدور بعقولهم. هذا السيناريو يتكرر في كل مرة يتحدثون عن مواضيع تخص العرب الفلسطينيين (وهي ليست كثيرة بالمناسبة، وأغلبها تتكون من جملتين أو ثلاث ليس أكثر) حتى تصبح أنت بنظرهم إنسانا سلبيا وعصبيا، ولا يرى الأمور إلا من منظور واحد، وتصبح عائقا وعبئا من الصعب عليهم تحمله، إذ تراهم يحركون عيونهم استهتارًا كلما سمعوا صوتك.

تمامًا كما تبدأ الدولة باتخاذ سياسات جديدة تجاهنا (مع الحفاظ على الأساليب التي انتهجتها حتى الآن) لتستخدم أساليب أسوأ ولها أبعاد أعمق، وهذا أمر يحدث في كل دولة كولونيالة تشعر أنها دخلت في أزمة، هكذا أيضًا تتغير أساليب التدريس. أصبحت المضامين المخفية هي التي قد تؤثر عليك من دون أن تكن واعيا إليها، لذلك علينا الانتباه إلى هذا الأمر لأنه في غاية من الخطورة. هذه هي طريقتهم في "احتوائك" لتصبح شبه إنسان بلا تاريخ، بلا كيان، وبلا خصوصية.

حتى حين يتحدثون عن عدم المساواة بين العرب واليهود في جهاز التربية والتعليم، يذكرون فقط إحصائيات، نسبة قبول للجامعات، عدد الحواسيب بالمدرسة، شكل الحيطان في الصفوف وإلخ إلخ. هل يمكن فعلًا الحديث عن العرب الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل بنفس المعايير التي تُستَخدم لوصف حال اليهود الشرقيين أو الأثيوبيين؟! هل فعلًا تحولنا من سكان بلاد أصليين نعاني من عنصرية ممنهجة وبنوية تهدف إلى أن تنسينا قوميتنا وثقافتنا إلى أقلية تعاني من سيطرة الأغلبية فقط؟! هل أصبحنا مجرد واقع اجتماعي ونفسي وليس واقعا سياسيا يعاني من الكولونيالية الإحلالية؟!

من الصعب ألا تجد نفاق الشعب المستعمِر حين يتحدث عن أمور تخصك. إذ تراه "ينتقد" بشكل شكلي وجهات النظر المستشرقة التي تنظر إلى العربي كإنسان متخلف وُلِدَ في بيئة بدائية، وأنه على الدولة وجهاز التربية أن تخلصه من هذا الوضع لتجعله في مكان "أفضل" و"متنورا"، لكنه في نفس الوقت يتصرف كالمستشرق تمامًا حين ينظر إليك نظرة استعجاب وأنت تشارك في النقاش الذي يدور خلال الدرس. "ينتقد" الاستشراق لكنه في نفس الوقت غير مستعد أن يذهب لجولة في مدرسة تقع بالقدس "الشرقية" (حسب مصطلحات دولة الاحتلال). ينتقد الاستشراق ويقول إن على جهاز التربية أن يحوي بدو النقب كي يجعلهم "حضاريين"!

يتحدثون عن أنماط تربوية مختلفة كالاستقلالية الذاتية، تنشئة اجتماعية، التلميذ في المركز، الثقافة في المركز، تربية دينية، تربية للرفاهية والسعادة.. وتكثر الأنماط. خلال النقاش في الدروس لا تستطيع أن تمنع نفسك من أن تفكر: "شو عم تحكوا انتو"؟! وهذا ليس نابعا من عدم فهم، إنما على العكس، نابع من الإحساس أنني أنا لا زلت في مرحلة أحارب كي أتعلم لغتي كما يجب، فكيف لي أن أتحدث عن كل هذه الأنماط أو أن أميل إلى واحدة منها! أنا لا أقلل من أهمية هذه المواضيع، لكن أتوسل إليكم، ضعوها في سياقها! كيف يمكن لدولة كولونيالية لها أفكارها المسبقة عن الشعب الذي احتلته، والذي تتعامل معه بشكل دائم على أنه ذلك الهمجي الذي يجب ترويضه، أن تقوم بتربية التلميذ العربي الفلسطيني؟! كيف لي أن أميل إلى أحد الأنماط وأنا مدركة أن الدولة ستستخدمها لتلبي احتياجاتها الاستعمارية؟! تمامًا كما يصف الفيلسوف ميشيل فوكو هذه الأنماط ويقول إن جميعها بالنهاية تهدف إلى خدمة الجهاز وأهدافه المخفية.

يقول الطالب الإسرائيلي خلال درس "علم اجتماع التربية": لماذا علينا أن نبرر أنفسنا أمام العرب، فدولتنا هي دولة اليهود ومن لا يعجبه يمكنه أن يهاجر. وما أن بدأتُ بالرد عليه حتى أنهت المحاضِرة "النقاش" قائلة: مثير جدًا أن نرى وجهات نظر مختلفة". أية وجهات نظر؟! كيف يتم تحجيم وتقزيم خمسة وستين عامًا من مناهضة الاحتلال والقمع بكافة الأشكال إلى مجرد "وجهة نظر"؟ وكيف يتم التعامل مع تفوهات عنصرية وفاشية على أنها "وجهة نظر"؟! وتمنع النقاش كي تحافظ على الجو "الأكاديمي" و"العلمي" و"البحثي" للجامعة العبرية. لكنها نسيت أن الجامعة، قبل كل شيء، هي استمرارية للاحتلال، ولها أهدافها وأجندتها الواضحة والمباشرة وغير المباشرة التي تهدف إلى خلق صهاينة جدد، لذلك هي قبل كل شيء، ذراع استعماري!

*طالبة في الجامعة العبرية

التعليقات